قبل اكثر من ست سنوات، وتحديدا فى الثانى من فبراير عام 2006.. استيقظت مصر على كارثة غرق العبارة السلام 98 امام السواحل السعودية، ليبتلع البحر الأحمر أكثر من الف و400 مصرى.. وقتها ثار الشعب بأكمله، وخرج الجميع مطالبين بالقصاص من المتسببين فى هذه الكارثة، وعلى رأسهم صاحب العبارة رجل الاعمال ممدوح اسماعيل، وتبارت وسائل الإعلام المختلفة خصوصا الفضائيات فى تحليل أسباب الكارثة.. منهم من حمل الشركة المالكة للعبارة المنكوبة وجميع العاملين فيها المسئولية.. ومنهم من اتهم قطاع النقل البحرى خصوصا الهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية ومسئوليها وفى مقدمتهم المهندس حسين أشرف الهرميل رئيس الهيئة، بالتقاعس عن أداء عملهم بالسماح للعبارة بالعمل رغم عدم مطابقتها للمواصفات الفنية، وحاجتها للصيانة .. كل ذلك دون سند قانونى واضح او دليل مادى قوى.. وبالطبع أقيمت عشرات القضايا امام المحاكم المختلفة مثل امامها عشرات المتهمين سواء من شركة السلام او من هيئة سلامة الملاحة البحرية.. وبعد أكثر من ست سنوات من تداول تلك القضايا فى أروقة المحاكم.. أصدرت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار محمد مسعود نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين: حسن البرعى، والسيد الزغبى، وسراج عبد الحافظ، وطارق لطيف نواب رئيس المجلس، وسكرتارية سيد سيف، حكما نهائيا وباتا ببراءة حسين الهرميل من «7» اتهامات نسبتها النيابة الإدارية له، وشمل الحكم براءة 23 آخرين.. «فيتو» ومن خلال مصادرها الخاصة استطاعت الحصول على النص الكامل لحيثيات واسباب هذا الحكم والتى شملت تفاصيل ومفاجآت مذهلة نرصدها فى السطور التالية: قالت المحكمة فى حيثيات براءة الهرميل ورفاقه: إن الثابت من تقرير وأقوال رئيس اللجنة الفنية لفحص اوراق العبارة وتصاريح إبحارها أنها صالحة للإبحار لمسافة تزيد على 20 ميلا بحريا من اليابسة، وهذا يتطابق مع الشهادة الصادرة من دولة العلم «بنما» وهى الجهة المسئولة عن ضمان سلامة ركاب العبارة، والتى أكدت أيضا صلاحيتها للإبحار لمسافة تزيد على 20 ميلا بحريا، ومن ثم ينتفى اتهام السماح للعبارة بالإبحار رغم مخالفتها للاشتراطات القانونية عن المتهمين.. وعن الاتهام بالسماح للسفينة برحلات طويلة بين ميناءى السويس، وجدة السعودى رغم عدم جاهزيتها لمثل تلك الرحلات، قالت المحكمة: طبقا للمادة «7» من اتفاقية تنسيق وتنظيم عمليات النقل البحرى الموقعة بين مصر والسعودية عام 1990 ، فإن الرحلة بين السويسوجدة تعد من الرحلات الدولية القصيرة، وتدركها رخصة السماح بزيادة الركاب، ومن ثم فإن تصرف رئيس الهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية حسين الهرميل ومسئولى الهيئة قد اتفق وصحيح القانون ومن ثم وجبت براءتهم من هذا الاتهام. وبالنسبة للاتهام الثالث الخاص باعتماد شهادة سلامة العبارة للإبحار بالمخالفة للقوانين الدولية فى هذا الشأن، اوضحت المحكمة انه وفقا لمعاهدة «سولاس» الدولية، فإن الجهة المسئولة عن منح شهادات سلامة سفن الركاب هى دولة العلم، او من تفوضه من الاشخاص والهيئات، على ان تقبل الشهادات الصادرة بتفويض من دولة العلم فى الدول الموقعة على المعاهدة ومن بينها مصر.. ومن ثم فإن قبول المتهمين للشهادة المقدمة من دولة بنما يتفق وصحيح القانون، وهو ما أكدته اللجنة المشكلة من قبل النيابة العامة، ومن ثم يتعين تبرئة الهرميل وباقى المتهمين من ذلك الاتهام أيضا. وعن الاتهامات الاخرى المتعلقة بزيادة عدد الركاب على متن العبارة المنكوبة قالت المحكمة الادارية العليا فى حيثيات حكمها المشار اليه: « هذه الاتهامات مرتبطة بشكل وثيق بالاتهام السابق الخاص باعتماد شهادة سلامة العبارة.. حيث تضمنت تلك الشهادة صلاحية العبارة السلام 98 لحمل 2970 راكبا، وهذا بحكم المنطق يحتم صلاحيتها وكفاءتها لحمل هذا العدد من الركاب، بالإضافة الى معدات الإنقاذ من قوارب وسترات نجاة وطفايات حريق.. ومن ثم فإنه لا مجال للمجادلة فى كفاءة العبارة من تلك النواحى.. إذ ان ما ورد بشهادة الركاب هو شهادة بصلاحيتها من كل النواحى دون تبعيض او تجزئة، وهذا ما أكدته ايضا لجنة النيابة العامة فى تقريرها بشأن سلامة معدات العبارة المنكوبة وأجهزتها، وسلامة الشهادة الصادرة لها وتصريح عدد الركاب.. وقد شهد رئيس تلك اللجنة فى تحقيقات النيابة العامة بمضمون ذلك التقرير، ومن ثم فإن إدانة الهرميل وباقى المتهمين فى تلك الاتهامات لا سند لها من القانون ووجبت براءتهم. وبخصوص تقرير اللجنة المشكلة من وزير النقل والذى اكد تقاعس المتهمين باعتبارهم مهندسين عن اكتشاف انتهاء صلاحية «الرماثات» الموجودة فى العبارة السلام 98 منذ عام 1992 أى قبل دخولها للموانئ المصرية فى عام 1999، قالت المحكمة إن دولة العلم «بنما» وفقا لتقرير لجنة النيابة العامة، قد اصدرت شهادة سلامة ركاب للعبارة منذ دخولها الموانئ المصرية، وتصدرها سنويا بشكل دورى.. وهذه الشهادة تعنى سلامة العبارة بدنا وسطحا وأجهزة إنقاذ وما الى ذلك من معدات ومن بينها الرماثات، ومن ثم فإنه لا سبيل للنقل البحرى المصرى للمجادلة فى صلاحية تلك الرماثات، وبالتالى تنتفى مسئولية المهندس حسين اشرف الهرميل رئيس الهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية وباقى المتهمين عن هذا الامر مما يعنى براءتهم.