يعمل المصريون فى إطار سياسى يصعب حتى على الملائكة التعاطى معه بإنصاف، فلم تكن العملية الانتقالية فى مصر سيئة التصميم؛ بل لم يجر تصميمها أصلا، ويكمن الخطأ الأصلى للعملية الانتقالية فى مصر فى سلسلة من القرارات قصيرة النظر التى اتّخذتها جهات فاعلة حسنة النية عموما، لكنها قصيرة النظر، والتى جرى إقحامها فى سلطة محدودة فى فبراير ومارس 2011. فى ذلك الوقت، جرت مناقشات مطولة حول تسلسل الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية وكتابة الدستور، بيد أن جزءا كبيرا من هذا النقاش فشل فى فهم جزء أساسى من العملية، وخدع المحللين والنشطاء بشأن الأخطاء الحقيقية التى كانت ترتكب. تمثلت المشكلة الأساسية فى أن العملية منحت السلطة المطلقة فى سياق العملية الانتقالية للقيادة العسكرية، لا لسبب سوى لأن القيادة العسكرية ادعتها لنفسها، ولم يكن أحد يعرف فى البداية ما ينبغى القيام به، وتمثّل البديل الأسلم فى اقتراح إقامة مجلس رئاسة كان من شأنه أن يجبر القوى السياسية الرئيسة فى البلاد -إذا كان من الممكن تحديدها وإذا ما كان بوسعها إدارة خلافاتها- على المضى قدما بتوافق الآراء، لكن الجماعات الثورية لم تتوحد حول هذه الفكرة إلا بعد فوات الأوان. لذلك، كان الجيش حرا فى ارتكاب الزلة التالية بتكليف لجنة صغيرة خاصة بوضع خطة للعملية الانتقالية، من خلال تعديل مجموعة من المواد فى الدستور المصرى التى كان قد اختارها الرئيس المصرى المترنح، حسنى مبارك، وقد أُقِرت هذه التعديلات التى صيغت فى السر على عجل فى استفتاء مارس 2011، ومن ثم أدرج الجنرالات هذه التعديلات من جانب واحد فى إعلان دستورى جديد كليا، ووضعوا دستور البلاد القديم جانبا. لم يتم الكشف عن واضعى الإعلان الدستورى، لكنهم كرسوا سابقة خطيرة سمحوا بموجبها للمتربعين على رأس هرم النظام السياسى بالادعاء بأن "السلطة التأسيسية لى"، أو على نحو أكثر ركاكة، "الدستور هو كل ما أقول إنه دستور". كان يمكن بالتأكيد تصميم عملية انتقالية أكثر توافقية نظرا للبيئة السائدة، ولم تكن الخلافات كبيرة، فى الواقع، بشأن ما ينبغى أن تبدو عليه الآلية السياسية فى مصر، ولكن اللجنة الخاصة الصغيرة، والتى عملت على عجل إلى حد كبير، أدخلت عددا من القنابل الموقوتة فى الإجراءات، ولم يدرك أحد فى ذلك الوقت كم ستكون الإجراءات المحددة فى صالح الإسلاميين. ما إن تحولت آليات مارس 2011 المربكة، والتى جرى تصميمها على عجل، ببطء إلى إجراءات فعلية، حتى تحصنت جماعات المصالح حولها تدريجيا، فقد طرحت الجهات الفاعلة المختلفة فكرة التفاوض على مجموعة من "المبادئ فوق الدستورية" الملزمة لتوجيه عملية صياغة الدستور، ومن ثم حولتها إلى وسيلة لحماية مصالحها الحزبية. وكان غير الإسلاميين يحبذون الفكرة صراحة، باعتبارها وسيلة لتقييد أيدى الإسلاميين، وقاومها الإسلاميون للسبب نفسه، فيما اعتبرها الجيش وسيلة لإدخال أحكامه الدستورية المفضلة. مرسى هو الرئيس، وبالتالى فهو يتحمل العبء الأساسى فى قيادة مصر للخروج من صحراء الاستقطاب السياسى، لكن المعارضة فى حاجة إلى أن تتعلم كيف تتصرف كمعارضة، بمعنى أنه يجب أن يكون لديها هدف واضح وأن تكون لها استراتيجية فى استخدام الآليات الديمقراطية المتاحة لها فى الدستور الجديد، ولا بد أن تضع المعارضة المختلفة رؤى بديلة واضحة وتعرف كيفية تقديمها بطريقة تجذب الناخبين. ولا تزال اللعبة، سواء كانت غير عادلة تماما أم لا، تميل فى الوقت الحالى فى الاتجاه الإسلامى، وهذا لا يعنى ببساطة أن الإسلاميين يجدون صعوبة فى قبول نتائج الديمقراطية، على الرغم من أن البعض هم كذلك بالفعل. بيد أن ثمة أسبابا مشروعة للقلق للغاية بشأن هيمنة الإسلاميين على النظام، على سبيل المثال، الدستور الجديد يمنح الإسلاميين الاحتفاظ بالسلطة، على الأقل حتى العام 2016، ويحمى نظاما انتخابيا برلمانيا أنتج أغلبية إسلامية قبل عام واحد، ويتيح للأغلبية البرلمانية قدرا كبيرا من حرية التصرف فى تحديد معنى منطوق العديد من أحكامه. لن تبدأ عملية إنقاذ مصر، ولن تذهب التضحيات التى قدمتها الأمة المصرية سدى، إلا إذا تعلمت الجهات السياسية الفاعلة الأقوى فى البلاد كيف تتنكر للثمار الممنوعة التى أكلت منها الكثير، وبسخاء، على مدى العام الماضى. نقلا عن كارنيجى