للمصريين فى تاريخهم الثقافى تقاليد كثيرة، "السبوع" إحدى هذه العادات التى يحتفظ خلالها الشعب المصرى بسماته الخاصة بعد ولادة الطفل بسبعة أيام. يرى البعض أن هذا الاحتفال يعود إلى عهد الفراعنة، لكن لا توجد دراسات علمية تؤكد بداية تأريخية لهذا الطقس الاحتفالى. ويحكى قديمًا أن الأطفال بعد ولادتهم كانت تتلى لهم تلاوات معينة، وتقام لهم الطقوس وكان الأباء يحتفلون ب"السبوع" بعد أربعة عشر يومًا وليس سبعًا، وفى متحف برلين توجد "بردية" تُعرف ب"ورقة وستكار"، يرجع عهدها للأسرة الثانية عشرة 2000ق. م، وفيها خطت نصائح للاهتمام بسلامة الوالدات ووقاية الأطفال وقت الولادة؛ منها غسل المولود، وقطع "صرته"، وتطييب ملابسه. وفى المتحف المصرى بالقاهرة توجد قطعة أثرية أخرى تُعرف ب"استراكا"، تجسد لسيدة يجلس أمامها طفل صغير موضوع داخل ما يشبه "الغربال"، تهدهده داخله وبجواره كتابة هيروغليفية نصها (هيروشيرى)؛ أى يوم الميلاد أو الطفل، واستمر الاحتفال بالسبوع فى مصر حتى العصر الإسلامى؛ ففى الخامس من ذى الحجة سنة 610ه ولد للملك الظاهر الملك العزيز غياث الدين محمد، وزينت حلب، واحتفل الملك الظاهر بمولده احتفالًا عظيمًا وأمر بإحضار كثير من الفضة والذهب وتولى الصاغة صياغة الحلى، فما تركوا شكلًا ولا صورة من سائر الصور إلا وصاغوا مثلها، ونسج للمولود ثلاث فرجيات مزينة باللؤلؤ، وثلاث سروج محلاة بالجواهر، وثلاثة سيوف أغمادها ومقابضها ذهب مرصع. كان سبوع الطفل يسمى فى الدولة التركية (يشيك آلاى)؛ أى موكب المهد وهو حفل يقام إذا ما ولد لسلطان من السلاطين مولود، وتقام بهذه المناسبة مراسم خاصة وتقدم الهدايا النفيسة إلى أم الوليد، وتضرب الجوارى بالمعازف وتعرض الألعاب كما تطلق المدافع وتزين سفن الأسطول. وفى القرن التاسع عشر كانت تجتمع والدة الطفل مع صديقاتها وتمضى اليوم كله فى لهو معهن، ويبدأ حفل السبوع بالطواف فى كل حجرات سكن الحريم وتسير واحدة من الخادمات الرئيسيات على رأس الاحتفال حاملة صينية من النحاس وضع فوقها وبشكل دائرى عدد من الشموع يعادل عدد النساء اللاتى يشاركن فى هذا الاحتفال، وتسير بعدها القابلة وعلى جانبيها خادمتان تحمل صغراهما موقدًا من النحاس الأصفر، وتحمل الأخرى طبقًا يحتوى على حبوب من قمح وعدس وفول وأرز وملح بحرى وبخور؛ أى سبعة أصناف بعدد أيام الطفل التى انقضت، وترمى الحبوب فى كل حجرة بالمنزل، ثم يعدن بالصينية وتوضع على كرسى دون مسند موضوع وسط الحجرة ثم تأتى كل ضيفة تضع هديتها وتقوم القابلة بأخذها فى نهاية الحفل ثم يزين رأس الطفل بقطع النقود الذهبية التى تقدم له كهدية أو توضع فى مناديل غالية تحت رأسه. وثمة وصف آخر لسبوع ذكره جيراردى نرفال فى رحلته إلى الشرق، حيث قال: "غداة مولد أحد الأطفال يقوم اثنان أو ثلاثة من الراقصين أو الراقصات بالرقص أمام منزل المولود وبعد مولد الطفل بثلاثة أو أربعة أيام تعد نساء البيت ألوانا من الطعام تتكون من العسل أو السمن وزيت السمسم والعطارة يضاف إليها أحيانا البندق المحمص يقصد (المغات)، ثم تقوم النساء بزفة الطفل فى الحريم وتحمل كل منهن شموعا مشتغلة ذات ألوان مختلفة ثم توضع هذه الشموع فى عجينة الحناء ويرش على الأرض حبة البركة والملح وتقدم النساء عادة فى هذه المناسبة منديلا مطرزا يعقد أحد اطرافه على قطعة ذهبية ويوضع على رأس الطفل وتستخدم النقود فى تزيين شعر الطفل". وفى ليلة السبوع يوضع أبريق ملىء على رأس مهد الطفل بعد تزيين عنقه بمنديل مطرز، ثم تتناول القابلة إبريقًا وتضعه فى صحفه، ثم تقدم لكل من يأتى كوبًا منه، وبعد انقضاء أربعين يومًا تذهب النفساء للحمام حتى تطهر، وهنا نلحظ وجها للشبه بين السبوع فى مصر الفرعونية، وفى مصر الإسلامية فالاهتمام بالطفل ينسحب على مراحل من عمره فهم يحتفلون بمرور أربعة عشر يومًا عليه إلا المسلمين يجعلوها سبعة أيام، وهنا نجد صلة بين هذين العددين؛ لأن الثانى نصف العدد الأول وأن الأعداد لها دلالتها يدرك منها الاشارة إلى شىء ما.