أنا مُوْزّة.. تُدور وتلِف بين الترابيزت، وتُكرر أنا مُوْزّة.. العيون تُلاحقها مع تساؤلات بدون إجابات! أنا مُوْزّة.. ضحكات أُنثوية هستيرية، ويرتفع صوتها بضحكات صاخبة أنا مُوْزّة.. البعض يُلقي بكلمات الغزل المحموم بالشهوة. أنا مُوْزّة.. عيون راغبة تبحث عن إشباع رغباتها المحمومة، تُحدق في الموجودين وبتحديّ أنا مُوْزّه.. العيون الراغبة تخترق جسدها المُثير. أنا مُوْزّة.. تلف وتتمايل بقدها الممشوق وكأنها ترقص رقصة الوداع، أنها تترنح ولكنها ترقُص، جسدها المُلتهِب بالعشق في الحياة بإصرار يُعلن أنا مُوْزّة..! قام أحدهُم ليُراقصها، دفعته بقبضة يدها بعيدًا عنها، بضربة قوية في صدره، أصر على احتضانها ومُراقصتها، استسلمت له، تركت نفسها بين ذراعيه، وكأنها كانت تجري في سباق طويل شاق، والآن تلتقط أنفاسها وتستريح، تركت رأسها الذي تَدُقه الأفكار وحطمته الأحداث، يرتمي على صدره مثل الرضيع على صدر أمه، أغمضت عينيها فغلبهُما النُعاس، كادت تَسقُط على الأرض، فحملها المُراقص على يديه، بدأت تفيق وكأنها استيقظت لتوها من نوم عميق، أخذها إلى منضدتها وتركها بعد أن طلب لها كوبًا من عصير الليمون المُثلج. كُنت أُتابع المشهد عن قُرب، لا أُخفي عليكُم أنني أريد معرفة سِرْ هذه المرأة الجميلة البائسة! إنها حقا رائعة الجمال، نعم بالتأكيد أنها تعلم أنها رائعة الجمال، ولكن ما السِر في التصرفات الغريبة التي بدرت مِنها في هذا المكان الراقي، وما معنى تِكرار قولها؛ " أنا مُوْزّة "؟! المُوْزّة بتاعِتنا هُنا امرأة بكل المقاييس الأنثوية، إنها أيقونة جمال رائعة، تُلهِمْ الفنانين للإبداع في فنهم فيُبهِرون الناس بما يُبدعون. المرأة تقريبًا في العقد الثالث مِنْ عمرها، لون بشرتها البرونزية يُعطيها سحرًا خلابًا، وخصوصًا عندما تنظر إلى عيونها الواسعة المسحوبة ذات اللون الذي يميل إلى البنفسجي المُختلط بالذهبي، أما لون شعرها الأصلي لست أستطيع تحديده بالضبط، ولكن الحالي فهو خليط بين الأشقر والفضي. شفتاها كبيرتان مُكتظتان يميل لونهما إلى الأحمر الداكن، أما أنفها فمُستقيم يشبه مُنقار النسر الذي يُطلقون عليه الأنف الروُماني، فعلًا وجه جميل يُجبرك على التأمُل فيه. قدها ممشوق يُزلزل المقاييس العالمية لجمال الأجساد، تضاريس جسدها، تجعل الذين يتضورون جوعًا للجنس والشهوة، يلتهمون جسدها بنظراتهم الخارقة، يُعرونها بعيونهم التي تخترق جسدها بلا رحمة. ليست مِنْ طبيعتي أن أُقحم نفسي في حياة الآخرين، اقتربت من منضدتها، ابتسمت في وجهها، ليست امرأة لعوبا أو بائعة هوى، استأذنتها في الجلوس، ترددت للحظة، ثم رحبت بي، حدقت فيّ لدرجة أنني اعتقدت أنها مجنونة أو مريضة نفسيا، عادت للضحك مرة أخرى وبطريقة هستيرية! قالت: أنا مُوْزّة. قُلت: نعم. قالت: ماذا تقصدين؟ قُلت: أنتِ فِعلًا مُوْزّة. على حد مفهومي المحدود لهذه المُسميات، التي ليس لها وجود في قواميس اللغات، بل في قاموس اللغة الدارِجة أو بمعتى أصح لغة الشارع، فإن وصف الأنثى بالمُوْزّة، يعني أنها تتمتع بجمال جسدي غير عادي، ليس مُهمًا جمال الروح أو العقل أو الأخلاق، المُهِم جمال الجسد، وكُلما ذادت المُنحنيات والبُرُوزات في جسدها يتم تصنيفها بالمُوْزّة، مواصفاتها تتمركز حول الجسد وشهواته أقصد شهوات الآخرين في هذا الجسد وليس شهوات الأنثى! بدأت تبكي.. بدأت تنتحِب.. بدأت تنهار.. بدأت تتشنج.. ارتبكت.. مش عارفة أتصرف في الموقف.. بدأت أربت على كتفها.. بدأت تهدأ.. بدأت تطمئن لي.. نظرت لي بعيون مُتألمة لحد الموت، كما لو أنها جمعت كل الألم الذي في العالم بداخل حدقتيها. قالت: أنا لم أُعرفك بنفسي، ولكن ليكُن اسمي مُوْزّة، أصلهم إتعودوا أن يقولون لي؛ " أنتِ مُوْزّة "! في الأول اعتقدت أنهم يتكلمون عن الموز الذي نأكُله، ولكن أحدهم شرح ليّ؛ المُوْزّه تعني الأُنثى المُثيرة جسديًا التي يُعجب بها الرجُل أو بمعنى أصح مُعظم الرِجال. اتعودوا يقولون لي أنتِ مُوْزّة.. بدأت أقف أمام المرآة.. بدأت أُلاحظ جمال جسدي.. بدأت اهتم أكثر وأكثر بجسدي.. بدأت أشعر بالسعادة وكأن الكون مُش على قد مقاسي.. بدأت أشعر بفحيح شهوات الرجال المُتأججة، تحرق جسدي، وأيضًا تُضرِم النار في أحاسيسي الكامنة.. بدأت أمشي وأُتابع نظرات وعيون الناس لي، هل فعلًا يُقدرون جمالي؟! هل هُمْ أيضًا يُصنفونني على اُنني مُوْزّة؟! لا تنظُرين إليّ هكذا.. أنا لستُ إنسانة تافهه أو معتوهة.. أنا بدأت أشعُر بنفسي أو بمعنى أصح قيمة جمالي.. وفي يوم مشؤوم لم تطلع لهُ شمس، عملت فحوصات طبية، مِثل كُل الفُحوصات الطبية الدورية التي يعملها الناس للاطمئنان على صِحتهم، إذ كُنت في الأول اهتم بجمالي قيراط، المفروض الآن اهتم بجمالي 24 قيراط، لأنني مُوْزّة! كانت صدمة مُروعة، للأسف أنا مريضة بمرض خبيث قاتل، وللأسف في منطقة مُتعلقة بأنوثتي، الأفضل أن أموت، لا أستطيع احتمال صدمة أخرى، حينما يعلم زوجي بحقيقة مرضي سوف يُطلقني، وإذا لم يُطلقني لا أُريده أن يري نهش المرض لجسدي الجميل، لا أُريده أن يسمع صرخات الألم الذي يعتصرني، لا أُريده أن يري ذبول ودمار جسدي. أنا امرأة مُحطمة، لا أستطيع أحتمال نظرات الناس المُشفقة، لا أستطيع أحتمال إبتعاد الناس عني خوفًا مِنْ أن يُصابوا بنفس المرض مع أن المرض غير مُعدي، لا أستطيع احتمال شماتة البعض اللآتي كُن يغِرنّ مِني، بالتأكيد أنا في منتهي التعاسة لأنني سأفقد الاسم الذي منحوه لي وتعودوا أن يُنادوني بهِ! قاطعتها قائلة: لماذا كل هذه الأفكار السلبية المُتشائمة؟ ولماذا تفترضين أنه ليس هُناك أمل في الشفاء؟ ولماذا تفترضين أنكِ ستموتين؟ ولماذا تفترضين أن زوجك سيُطلقك؟ قالت: أنا لست مُتشائمة، بل العلم والطب يقول إن هذا المرض يُدمر الإنسان ويقتُله، كما أن إحتمالات الشفاء ضعيفة جدًا، كما أن زوجي يعشق الجمال، أنهُ تزوجني لأنني مُوْزّة! قُلت لها هذا الكلام ليس صحيحًا، ليس هُناك رجُل يتزوج امرأة فقط لأنها مُوْزّه، بل لأن لديها الكثير من الصفات التي تجعلها زوجة مُناسبة له، الذي يختار أمراة فقط لأنها مُوْزّة، هذا الرجل يطلُب امرأة للمُتعة وليس للزواج، ربما لو زوجك عرف بموضوع مرضِك، يكون أقرب إنسان بجانبك في محنتك، وهُنا ستظهر مدي صدق محبته لك، إذا كان يُحبك لشخصك أم لجسدك! قُلت لها أهم شئ في حالتك أن تُفكري في نفسك اولًا، فكري في مُوْزّه، ليس مُهمًا الناس، وردور أفعالهم، وتقبلُهم لكي بوضعك الجديد، ليس مُهمًا أن موقف زوجك سيكون سلبيًا أو إيجابيًا، المُهم ثِقتك في نفسك، المُهم تحديكي للمرض، وإصرارك على الشفاء، وأهم مِنْ كل شئ الثقة في الشافي. بدأت تهدأ.. بدأت تبتسِم ابتسامة أضاءت وجهها الجميل.. بدأت تستأذن في الإنصراف، طلبت رقم تليفوني، هل عندك مانع في الاتصال؟ قُلت؛ بكل سرور وافترقنا كُل في طريقه.. في اليوم التالي دق التليفون.. أنا مُوْزّة.. خفق قلبي، أهلا يا مُوْزّة.. قالت؛ مُش حتصدقي ما قاله زوجي! قال: أنا لم أخترك لأنك مُوْزّة، بل اخترتك لأنكِ جُزء مِني، نحنُ جسدان في جسد واحد، وروح واحدة في جسدين، نبضات قلبك هي نبضات قلبي، إذا توقفت نبضات قلبك سوف تتوقف نبضات قلبي أيضًا، لازم تعيشي علشان أنا كمان أعيش. أنا مُوْزّة قررت أن أتحدى المرض وأُشفى وأعيش، من أجل ومع مَنْ أُحبه قلبي، ولابد أن أظل دائمًا مُوْزّة!