أياما قضيتها فى راحة بعيدا عن القيل والقال ، فى دولة على شكل جزيرة تقع على النهر بين البحرين ، بلد الموز ، كبيرة مترامية الأطراف ، أهلها لا يأكلون إلا الموز ، رجل الشارع تراه وفى جعبته الموز ، النساء يذهبن لأعمالهن يرتدين ثيابا صنعت من قشر الموز ، الأطفال يلعبون بدمى صغيرة أخذت شكل الموز ، السيارات كبيرها وصغيرها بلون وهيئة الموز ، حتى الشوارع والحارات والأزقة تتلاقى كلها لتصنع هيئة موزة كبيرة ، الموظفون لايستخدمون الشوارع عبورا إلى أماكن عملهم ، ولكنهم " يتشعبطون" فى أسلاك مدّتها الحكومة فى الهواء ليتنقل بها المارة من مكان لآخر ، والأغرب أنهم يتسلقونهاويعبرون الطرقات بها فى سهولة ويسر ،يا إلهى ، ولا أدرى سر اختيارى لهذه الجزيرة الغريبة ، فقد ذهبت إلى المطار فوجدت تذكرة واحدة لدى إحدى شركات السياحة ، ينادى مديرها : باقى واحدة .. واحدة فقط .. تذكرة لجزيرة الراحة .. فول بنسيون .. أفطار غداء عشاء .. فحجزت التذكرة وها أنا ذا هنا .. أفطر موزا .. أتغدى موزا .. أتعشى موزا .. رغما عنى .. طرقت باب المدير أسأله : هذه جزيرة جميلة .. لكن ألست معى أن كثرةالموز أفسد جمالها ؟ .. أسرع الرجل بدفعى داخل الغرفة وهمس فى رعب : أخفض صوتك أيها السائح .. هل جننت ؟ .. سألته وأنا فى رعب أشد : وما الجنون فى سؤالى ؟ .. وضع الرجل كفه على فمى حتى لا أزيد كلمة واحدةأخرى : أتدرى ما الذى يحدث لو سمعك أحدهم ؟ .. لم أفهم من هو هذا ال" أحدهم" ولكنى ابتلعت لسانى .. وأردف قائلا : نحن نعيش هنا فى نعيم ورغد .. راضين برضى الحاكم المغوار الذى انتصر على أعدائه فى غمضة عين ، هل تريده أن يغضب عليك ويقتلك ؟ .. لم أجد فى مقولته أى تفسير لما سألت ، فما علاقة سؤالى بالحاكم الغضنفر الذى لايقهر ، .. سألته : إنه سؤال برىء ياسيدى .. ماعلاقة الموز بالحاكم .. ولماذا سيغضب منى إذ تعجبت من هذا الموز الذى تقع العين عليه هنا وهناك ؟ طردنى الرجل خارج الغرفة وأغلق بابه وهو يتصبب عرقا ..
وأنا أعبر الطريق لأزور متحف الجزيرة وقعت عينى على لافتة مطعم صغير ، فتذكرت أنه لم يدخل جوفى سوى أصابع موز ، وشعرت بمعدتى تصرخ من الجوع ، فدخلت المطعم أعد نقودى ، واخترت طاولة تطل على الشارع المنحنى انحناءة موزة عملاقة ، وفوجئت أن جميع الطاولات فى المطعم منحنية ولها طرفى موزة من الجانبين ، واستبد بى الفضول حتى أردت مبادرة الجرسون بدهشتى واستغرابى وفضولى ، إلا أننى تماسكت وخشيت أن ألاقى مالاقيته عقب سؤال المدير ، وأعطانى الجرسون قائمة الطعام وتركنى برهة لأختار ما أريد ، كدت أقفز من مقعدى فزعا حين قرأت قائمة الطعام : شوربة دجاج بالموزالحادق .. سلطة بابا غنوج بالموز المشوى ، دجاج روستو محشو بالموز،استيك ببودرة الموز .. جاتوه بقطع الموز بالكريز .. نفذ صبرى فانتفضت خارجا من المطعم ، تتعقبنى نظرات الجرسون الذى لم يفهم سر مغادرتى ، وقررت أن أبحث عن كشك يبيع أية معلبات أو بسكوت أو قطعة شيكولاتة ، ووقفت مشدوها وأنا أتطلع إلى غلاف قطع الحلوى وقد كتب عليها جميعا : حلوى بالموز .. شيكوبالموز .. ظننت أنى أحلم ، أو أننى بالأحرى فى كابوس مخيف ، والغريب فى الأمر أن جميع من بالجزيرة يبدون فى تجهم واضح ، يبتسمون وكأن الابتسامة عقاب لهم ، كأنهم جميعا يرتدون قناعا واحدا .. مساءا قررت أن أذهب إلى الملاهى .. وقفت أمام شباك التذاكر .. ليس لدينا يا سيدى سوى لعبة واحدة .. التزلج .. –هايل ، أنا أجيد التزحلق على الجليد فقد مارسته فى أوربا .. – ولكن التزلج هنا ليس على الجليد .. على قشر الموز .. عدت سريعا إلى الفندق وأنا أنوى العودة على أول طائرة ، فى الطريق لافتة إعلان ضخم : أول أوبرا على أرض الجزيرة ، أنا وحبيبى والموز .. أدرت التلقزيون .. المذيع : قدمنا لكم سيداتى آنساتى سادتى نشرة الأخبار والآن مع الفيلم الوثائقى : تحسين سلالات الموز .. قررت أن أعود القهقرى وأغادر الجزيرة غير آسف ، ولا أريد حتى أن أعرف سر هذه الجزيرة .. فى طريقى للمطار وقفت بى السيارة على جانب الطريق ، تأسف السائق لى وقال وهو يخفض بصره : اسمح لى بالاتتظار حتى يمر موكب الزعيم . قلت له : مفهوم مفهوم . أنتم أيضا تنتظرون .. مرت دقائق وإذا بموكب فخم يمر كالسهم ، ولاحت منى نظرة عابرة لأرى الزعيم المناضل .. وتقع عينى عليه فإذا به عملاق كبير ، وفغرت فمى من العجب إذ أنه قرد .. والله قرد .. التفت إلى السائق هامسا وقلبى يدق بعنف : هذا ليس بشرا .. إنه قرد .. خفض السائق رأسه واحمرّ وجهه هامسا أيضا : نعم ياسيدى ولكنه الزعيم المفدّى .. زعيم جزيرة الموز ! غادرت دولة الموز وقد نسيت أن أنظر إلى ظهور ناسها ، هل هى حمراء مثل الزعيم ؟