مساحة لشخصيات من لحم ودم، فيهم الصالح والطالح، من يستحق التقدير والتعظيم ومن يستحق النقد والتقويم ، هنا نوزع السخرية باليمنى وباليسرى على السادة المحترمين وغيرهم. لم يعد مهمّا أن يعود الدكتور عبد المجيد محمود إلى عمله كنائب عام شرعي انتُزِعَ منه مقعده في وضح النهار ، برغم أنف القانون والدستور والهيئات القضائية وجموع الشعب المصري ( إلا .... قليلا )!! المنصب تمّ ازدراؤه وفقد بريقه ، والصيت والشهرة خرجا من الباب الخلفي هربًا من الكاميرات الخفية وأعين المتلصصين وألسنة الهتّيفة المُستأجَرين ، فقد جاءت عملية السطو العلني على المنصب والكرسي والصيت والشهرة في سيناريو أغرب من الخيال ، وبإصرار غريبٍ على هتك عرض الدستور على قارعة الطريق وأمام أعين العالم كلّه في حلقة من حلقات مسلسل القضاء على مؤسسات الدولة من أجل إعادة تركيبها بمزاج في إحدى ورش المقطّم الوهميّة ، وعلى طريق إلغاء الدولة المصريّة وإغراقها ، بماضيها العريق وحاضرها الكسيح ومستقبلها المسروق الذي لا يعلم به إلا الله في علاه ! لم يكن عبد المجيد محمود هو الهدف لذاته ، ولكنه المنصب المهيب الذي ينوب فيه صاحب المقعد عن المجتمع كله في تحريك الدعاوى الجنائية وملاحقة المعتدين على هذا المجتمع أينما كانوا ، وأيّا « مَن « كانوا ! ولأن هناك جراحًا قديمة ما تزال تنزفُ تحت طيّات الذكريات المؤلمة وفي الرؤوس المتقيّحة فقد كان من المستحبّ ، طبقا للشرائع التي لا نعرفها ولم نسمع عنها ، أن يتم تفكيك كل المفاصل القويّة في جسد الدولة حتى تهترئ وتتآكل وتتحلل ، ثمّ يتمّ تركيبها «على رواقة «، طبقًا للكتالوجات المستوردة من الخارج ، بما لا يُخالف شرع أوباما ، ولا يُغضب إسرائيل ، ولا يستفزّ الولاياتالمتحدة القطَريّة ، وبما يحقق أولى خطوات إعادة الخلافة للقضاء على ما تبقّى من الحضارة الإسلامية ، وإغراق كلّ ما هو إسلامي في مستنقع الفتن والتناحر والتخلف ، وعندما تكون مقدمة الصفوف تضربُ بأقدامها في وحل الماضي وتستمرئ التخلف وتستموت من أجل الحفاظ عليه .. فماذا تنتظرون ؟ ألا تكبّرون ؟ نحن أمام حالة فريدة ربّما لم تحدث في تاريخ الأمم المعروفة وغير المعروفة ...أن تكون في سفينة تصارع الغرق في بحرٍ لُجّيٍّ في ليلةٍ سوداء عاصفة ، وبدلا من أن تستجمع قواك وتستنفر كلّ مَن حولك ليقاتلوا من أجل النجاة ، تقوم بإقصائهم وتجاهلهم ، ثمّ تنفرد بالأجزاء السليمة في تلك السفينة وتقوم بنشرها ونخرها ونحرها وإعطابها لتهوي في قاع البحر و ...... إلى الأبد ! ولأنّ الشعب المصري طيّب وعلى نيّاته ، فقد عاش مضحوكا عليه ولم يعرف أن سبب كلّ مصائبه وبلاويه لم يكن السيّد الرئيس المخلوع وأهله وعشيرته ، بل عبد المجيد محمود والمحكمة الدستورية العليا والهيئات القضائية الأخرى والمخابرات العامة و..... يوسف الحسيني ولميس الحديدي وباسم يوسف !، ولذلك ... يتكفّل رعاة الدولة المصرية وحُماة ثورتها المباركة بأن ينتقموا لها من كلّ هؤلاء الذين كانوا السبب في تخلفها وتراجعها وتحوّلها إلى دولة مسكينة على باب الله تستدر عطف الدول التي لا تُرى بالعين المجرّدة من أجل حفنة قمح ، أو لتر سولار ، أو 3 وات كهرباء ! كان المذكورون أعلاه ومَن وراءهم من المعارضين والغاضبين والإعلام المغرض والعياذ بالله هم سبب كل البلاوي والمصائب التي نتراقص فيها الآن أو على وقْعِها وإيقاعها ، ولأن الثورة ثورة ولها مَن يحميها فلم يكن هناك مفرّ من إلغاء الشعب ووضعه تحت الوصاية في حضّانة اللا مؤاخذة الديموقراطية ، والديموقراطية الحديثة يا مواطن تعني إهدار الشرعية وذبح القانون والدستور والقفز على جثتيهما ، والرقص إن أمكن بمصاحبة فرقة حسب الله السابع عشر وفروعها في المحافظات والكفور والقرى والنجوع ، ولعلك لا تنسى ولن تنسى كيف سار بنا منحنى السواد والضياع بسرعته الفائقة منذ الليلة الهباب التي وُلد فيها الإعلان الدستوري ( اللا دستوري ) في 21 نوفمبر 2012م ، فقبلها تلك الليلة كان النزيف تحت السيطرة ، والآلام في منطقة الاحتمال ، والكوابيس والمخاوف والبلاوي الزرقاء ... أيضا عند الحد المتعارف عليه في مثل حالتنا ، كانت هناك دماء وشهداء ومصابون وحرامية وخونة وكلاب ثورات يلعبون مع الكل ضد الكل ، لكننا كنا نقول : هكذا الحال ، كان الاحتياطي الدولاري يتناقص ، والموارد تتآكل ، لكننا لم نكن خائفين ، كنا ندرك أننا ندفع ضريبة التحوّل والانتقال إلى مستقبل يليق بالمصريين وبتضحيات أجدادهم وآبائهم وأبنائهم ، ولكنها تلك الليلة المشؤومة باغتتنا بأمطارها السوداء وعواصفها الاستبدادية التي اقتلعت الدستور من جذوره وألقته طريحا تحت أقدام المارة ، وجاء الحطّابون المأجورون ليقوموا بتمزيق ما تبقّى منه على قارعة الفضائيات العشوائية ، والناس حائرون ... يتساءلون : أهذه ثورةٌ يا عمّ الحاج ؟ كان الناس في بلادي واهمين ، لأنهم طيّبون ، لم يكونوا يدركون أنهم سوف يدفعون ثمن هذه الطيبة بكاءً وندما ، وها هم يتجاوزون مرحلة البكاء بالدم بعد أن استنفدوا رصيدهم ومدّخراتهم من الدموع ، وماذا عساهم أن يفعلوا ؟ نعم : ماذا يفعلون ؟ دولة تمت سرقتها ويتم تفكيكها وإعادة تركيبها طبقا للكتالوجات إيّاها ، فإذا ما انتفض الغاضبون وثاروا كالعادة حاصرتهم الميليشيات من كلّ فجٍّ عميق ، وأخطرها تلك التي تتلاعب بالقانون ، وهي أخطر من حصار المحكمة الدستورية الذي سيبقى وصمة عار في الصفحة الأولى من تاريخنا الحديث ، التلاعب بالقانون يسير في عدة اتجاهات على رأسها نسفه من أعلى سلطة وبعدها يقوم سلاح المُشاة البرّاني بالزحف المقدّس في الشوارع والميادين والهتاف بتأييد النسف والمطالبة بنسف جديد ( نسف لكل مواطن ) ، وعلى الجانب الآخر تقوم الميليشيات القانونية بالانقضاض على الآخرين قبل أن يتحرّكوا ويتم إنهاك القضاة وتضييع الوقت في إجراءات جانبية فارغة ، وكلّه باسم القانون الذي لا يحترمونه أصلا !! وتكتمل الصورة قتامة عندما نرى الكيل بعدة مكاييل في سوابق جديدة ، أو ابتكارات لا نظير لها في حقل العدالة الذي أصبح مستباحا كحقل برسيم ليس له صاحب ! قتلة ومجرمون أمام الجميع ، عيني عينك ، وعلى سبيل المثال : وقائع الاتحادية ، تراهم يعربدون ويلعبون ويروحون ويجيئون والعدالة لا تراهم لأنهم يلبسون طاقية الإخفاء ، وأناس يقومون بدور الشرطة فيقبضون على الأبرياء ويسحلونهم ويعذّبونهم ويقتلعون منهم اعترافات عن جرائم لم يرتكبوها ، ثم يسلمونهم للشرطة الرسمية والنيابة العامة و..... ينصرفون ! كيف لم تقبض عليهم خالتك عدالة في الحال ؟ أين هم ؟ أين قاتلو شهداء الاتحادية ؟ وأين حارقو مقر حزب الوفد ومحطّمو صحيفة الوطن ؟ أين قاتلو جيكا وكريستي ومحمد الجندي ؟ ولماذا لم نسمع عن طلبات ضبط وإحضار لتجار الدين الذين يتسكعون على نواصي الفضائيات التي تسيء إلى الدين وتجعل منه سلعة رخيصة يرتزق منها الجهلة والعاطلون عن العمل والفعل الإيجابي ! لماذا هذا الأكلان التلقائي أو الأوتوماتيكي ضد كل ما هو معارضة شجاعة كاشفة لا تخفي رؤوسها في الرمال ؟ أتريدونها معارضة من النوع المطاطي ؟ لديكم كثيرون وكشفناهم وسيلقون مصيرهم الذي يوعدون ، أم حسبتم أنها مصر لقمة سائغة تأكلونها بدماء الشهداء وأبواق المنافقين وتصفيق المنتفعين وحشرات كلّ العصور ؟ ما هو الهدف من وراء تشويه صورة الجيش المصري البطل ومخابراته ، وإطلاق سيول الشائعات المهينة والمسيئة ضد هؤلاء المثابرين الصامتين القابضين على الجمر ؟ لماذا يتم اللعب بركائز الوطن : الجيش ، الشرطة ، القضاء ، وإطلاق الضعف والوهن في شرايين الدولة بالكامل بزرع أولي الثقة من أهل السمع والطاعة على حساب الكفاءات ومستقبل الوطن ؟ ومَن المستفيد من كل هذه الالتفافات على الأحكام القضائية لتعطيل تنفيذها وشغْل وقت القضاء بالتوافه والغبار الجانبي ؟ وعندما يصدر حكمٌ ما من محكمةٍ ما ضدّ مؤسسة الرئاسة أو أية سلطة تنفيذية فما دخل حزب العدالة والحريّة في الموضوع ؟ لماذا يسارع أفراده بالتصريحات الرافضة والمستنكرة والمهددة بالتصعيد والاستنئاف وال... مش عارف أيه ... ما دخلكم ؟ ولماذا هذه الحُرقة وأنتم حزب محظور ومقضي عليكم بالبطلان والانعدام بحكم نهائي ؟ هل تظنون أن مجلس الشورى يعطيكم صفة الأغلبية وهو باطل أصلا ولا يزيد عن حجم زائدة دودية في أمعاء نملة ؟ وهل ما زلتم تكابرون بعد أن تأكد أنكم محظورون بالثلاثة مهما التففتم ومهما حاولتم التوفيق أو التلفيق بقوانين تم تفصيلها على مقاسكم ؟ شيء غريب .. أن يصدر حكم قضائي أو رأي معارض شجاع أو كلمة حقّ من أي طرف وأي اتجاه فيخرج علينا المتحدثون الثرثارون بصيغة واحدة وكأنهم نسخ من شريط كاسيت ، وكل واحد منهم يجرّ خلفه مقطورة ألقاب ومسميات لا قيمة لها ولا تعنينا في شيء ، ثم ينفتحون رغيا لا تجني منه جملة مفيدة ( مثل مراوح السقف كما شبّهتهم سابقا ) ، أنتم الآن خارج اللعبة ، وإن كان هذا الخراب يرضي غروركم فنرجوكم أن تريحونا من الكلام ، وأن تتركوا مؤسسة الرئاسة تتعامل مع أحكام القضاء بطريقتها ، ولتكن نصائحكم في السرّ فربنا أمر بالستر ، وإن كنتم ترون المآسي كلها في عدد من الإعلاميين والغاضبين ، فنحن نرى فيكم أسوأ ما تظنون ، وعند لحظة الحساب لن يشفع لكم مجلس شورى باطل ينزف قوانين منعدمة تولد ميتة ، ولن يشفع لكم صياحكم وتهديدكم بعدما أهدرتم كل الفرص التي كان من الممكن أن ترتفعوا بها وترفعوا هذا الوطن ، أما الطريقة الحلزونية في الالتفاف على الأحكام القضائية وإشعال الفتن هنا وهناك وشغل الرأي العام بتوافه الأمور وسفاسفها ، فلن نجني من كل ذلك إلا الخراب والدمار والتخلف ، وهذه الأشياء لن تنتقي ولن تعفيكم من زحفها ، وعندما تقفون في طابور الجياع ستكونون أول الضحايا فأنتم السبب . ويا دكتور عبد المجيد محمود ، هنيئا لك ، وللقضاء ، هذا الحكم ورد الاعتبار ، وعليك أن تغلق الصفحة وتذهب بعيدا وتستريح ، اترك الصراع لغيرك واغسل يديك وانصرف ، فالأمل كل الأمل في شباب النيابة والقضاة وزملائهم في كل المحافل القانونية ، وعندما تشرق الشمس ينكمش الظلام ويتلاشى كأن لم يكن .