كتب الأديب خيرى شلبى مقالًا فى مجلة "الإذاعة والتليفزيون"، عام 1980، بعنوان: «النفق.. الحارة المصرية» عن شيخ الملحنين سيد مكاوى. وسيد مكاوى هو ابن الحارة المصرية حقيقة لا مجازًا، وهو الحارة المصرية بكل زخمها وعيلها وتطجينها وحلاوة طبعها وحسن عشرتها ودفء مودتها ولذع لسانها، وانفساح صدرها وثراء قاموسها. الحارة المصرية سوق ومدرسة وملتقى أحبة، ومقهاة صاخبة يلعلع فى جنباتها صوت المغنى والرباب والأرغول والدربكة والرق والعود قبل اختراع الراديو بقرون طويلة. الغناء فى مصر طقس شعبى راسخ ومتين، لغة تعمية يعبر بها المصريون عن فرحهم وابتهاجهم ومواجعهم ومكنون أحزانهم يستعينون به على تخفيف الشفاء فى العمل فى البناء فى الزرع وفى الحصاد ويتقربون به إلى الله، حتى الباعة فى الأسواق تتحول نداءاتهم إلى غناء مشحون بالعاطفة السخنة، حتى الميلاد والموت له أغنياته، ناهيك عن السبوع والطهور والخطوبة والدخلة والصباحية. فى حارة سد فى أعماق حى الحنفى بالسيدة زينب كان سيد مكاوى فى طفولته وصباه يرتاد المقاهى الشعبية ليستمع ويدخر الأنغام، من أسرة فقيرة معدمة تعانى شظف العيش، ورث عن أمه خفة الظل وموهبة النكتة، لكنه أصيب بالعمى فى طفولة مبكرة. العميان لا عائل لهم سوى القرآن الكريم، يلوذون به، ونعم المصير يحفظه ويجوده، وقد انتمى مكاوى إلى ألحان السماء، إلا أن الولد الشقى لم يوقفه العمى عن اللعب والظينة فى الحارة ملتحقًا بمواكب ركوب الخليفة فى مولد السيدة زينب ومولد الحنفى والسيدة عائشة والسيدة نفيسة. نشأ الصبى مفطورًا على حب الحياة والفن والفكاهة، ومن ترسخ موسيقى القرآن بجانبها البهيج الدينوى عكف على حفظ ألحان صديقه الشيخ زكريا أحمد كتدريبات صوتية عظيمة تؤهله إلى الغناء الدينى. صوته أشبه بالنفق السحرى يعبره المستمع من القديم إلى الحديث، قدمه الناقد حسن إمام عمر إلى الإذاعة فتم تقييده، وكتب له أغنية دينوية قام سيد بتلحينها وغنائها وتسجيلها لمختارات الإذاعة، ثم توج رحلته بالمسحراتى أعظم عمل غنائى قدمته الإذاعة.