يوسف الصديق (عليه السلام) واحد من أنبياء الله الكرام.. هو مثل ونموذج لعمق الإيمان وقوة الصبر وصلابة الإرادة والقدرة الفائقة على الاحتمال.. وكم هي كثيرة تلك الدروس والعظات والعبر التي يمكن أن نستلهمها من قصة حياته التي امتلأت بالمحن والشدائد والشجون.. وقد ألقينا في الحلقات الماضية ضوءا على هذه المحن، حتى وصلنا إلى مرحلة التمكين، حيث أصبح يوسف أحد أهم الأعمدة الرئيسية لإدارة الاقتصاد في مصر، ورأينا كيف أنه خطط -بناء على وحى من الله تعالى - لتفادى فترة القحط التي سوف تصيب البلاد والعباد.. وعندما جاء إخوته إلى مصر، وسمح لهم بالدخول عليه، دار بينهم الحوار التالي: سأل يوسف: ما أقدمكم بلادي؟ قالوا: جئنا للميرة (أي للطعام)، قال: لعلكم عيون (أي جواسيس) علينا؟ قالوا: معاذ الله، قال فمن أين أتيتم؟ قالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبى الله، قال: وله أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا أثنى عشرة فذهب أصغرنا وهلك في البرية - وكان أحبنا إليه - وبقى شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه وجئنا نحن العشرة، فأمر (يوسف) بإنزالهم وإكرامهم (تفسير الجلالين 2 249).. مع ذلك، لم يفطن إخوة يوسف للمغزى من وراء أسئلته ولماذا اختصهم بها دون غيرهم، فقد كان همهم أن يحصلوا على ما جاءوا من أجله، وربما منعهم سلطان يوسف وهيبته من مراجعته.... والواضح أن يوسف رغبهم ثم توعدهم حتى يمتثلوا لأوامره.. جاء في البحر المحيط (5 322): "والظاهر أن كل ما فعله يوسف عليه السلام كان بوحى من الله، وإلا فمقتضى البر أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه، لكن الله أراد تكميل أجر يعقوب ومحنته،إذ مما لا شك فيه أن هذا الأمر سوف يثير استفسارات كثيرة لديهم، لعل أهمها وأبرزها هو: هل إعادة المال إليهم كانت أمرا مقصودا، أم إهمالا، أم غفلة، أم لأسباب خفيت عليهم؟ وأيا كان الحال، فقد كان من الضرورى أن يعودوا مرة أخرى إلى يوسف؛ أولا: لاحتياجهم لطعام جديد، وبالتالى إعادة المال إليه، ثانيا: إحضار أخيه معهم بناء على طلبه، وثالثا: لتقديم الشكر له على تعامله الكريم معهم.. (وللحديث بقية إن شاء الله).