في الوقت الذي لا يزال فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يعتقد أن الضغط على الصين لكبح جماح رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، هو أفضل وسيلة للرد على خطط التوسع النووي لبيونج يانج، التي كان آخر مظاهرها إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات يمكن أن يصل إلى ألاسكا. إلا أنه ليس من مصلحة بكين أن تطيح الولاياتالمتحدةالأمريكية بنظام بيونج يانج أو تؤثر عليه. وترى وكالة بلومبيرج الأمريكية في تقرير لها الجمعة، أن السبب وراء ذلك، هو أن الرئيس الصيني، شي جين بينج، ورغم تجاوز بيونج يانج الكثير من المحاذير الدولية، لا يملك سببًا قويًا، يدفعه للاعتراض على سياسة الضمان النووي التي تنتهجها كورية الشمالية لحماية نفسها من التهديد بالإطاحة بها من قبل الولاياتالمتحدة. وتحرص الصين على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، إذ يساهم في ازدهار التجارة، وهي لا ترغب بوقوع حرب نووية في "فنائها الخلفي". كما أنها لن تستفيد من انهيار نظام كيم الذي سيجعل الكوريتين موحدتين تحت سيطرة كوريا الجنوبية، حليفة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتدرك الصين أن الولاياتالمتحدة لا يمكنها أن تهاجم كوريا الشمالية بسبب عدد الأمريكيين والكوريين الجنوبيين الذين سيقتلون نتيجةً للهجوم. وبالنتيجة لا تفقد الصين الكثير بازدياد قوة كوريا الشمالية عدا عن أنها ستكسب الكثير من الناحية الإستراتيجية، حيث تتحول الدولة الوسيطة أكثر إلى حصن منيع. وبحسب "بلومبيرج"، فإن فهم هذه "اللعبة الجيوسياسية" يبدأ بتتبع جهود ترامب حتى الآن. في البداية، رد ترامب على جهود كوريا الشمالية من خلال وساطة الصين عبر تغريدة على "تويتر" قائلًا "إن الصين ستستفيد من صفقة تجارية جديدة مع الولاياتالمتحدة إذا ما حلت مشكلة كوريا الشمالية". لكن حتى اللحظة، لم يحدث شيء على أرض الواقع فلم تكن الصين تملك الكثير لكسبه، لأن ترامب لم يكن واضحًا حيال المكاسب التي تحدث عنها، حيث قال لاحقًا بتغريدة إنه محبط لأن الصين لم تساعد في ذلك. وأرسل هذا التسلسل المؤسف لكوريا الشمالية إشارة تفيد بأن ترامب أصبح يدرك أنه ليس بإمكانه فعل الكثير. واستجابت كوريا الشمالية بمواصلة اختبار الصواريخ. وأخيرًا تمكنت من جعل صواريخها الباليستية العابرة للقارات فعالة وهو نجاح كبير للنظام الذي غالبًا ما تفشل اختبارات الصواريخ التي يجريها. من جانبه، وجه ترامب انتباهه نحو الصين لكن من خلال التهديد هذه المرة. فغرّد عبر "تويتر" أنه يجب على الولاياتالمتحدة ألا تتاجر مع الدول التي لا تساعدها، وأشار إلى الزيادة المفترضة في التجارة بين الصينوكوريا الشمالية. وهو ما يمكن أن يكون بحد ذاته إشارة إلى أن بكين تحاول تعميق علاقاتها مع بيونغ يانغ للحصول على النفوذ. كما حاولت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة نيكي هالي الضغط على الصين فهددت باقتراح عقوبات جديدة من الأممالمتحدة ضد كوريا الشمالية أمام مجلس الأمن الدولي والذي من شأنه أن يضع الصين في موقف محرج يتمثل في الاضطرار إلى ممارسة حق النقض لمنع هذا التحرك. ومن جانبها، لا تملك كوريا الشمالية أي حافز يدفعها للتراجع، وهي مهتمة بالحصول على الأسلحة التي تحتاجها لتحصن نفسها من أي هجوم خارجي. وتخدم قدرتها النووية هذه الغاية عن طريق تعزيز تهديدها باستخدام الأسلحة التقليدية ضد سيؤول. ولو كانت كوريا الشمالية تملك نظامًا يستفيد من التجارة الإقليمية والعالمية كان من الممكن التفاوض معها على اتفاقٍ يؤخر من اقتنائها للأسلحة تمامًا كما فعلت إدارة الرئيس باراك أوباما مع إيران. وبما أن طهران لم تكن قد طوّرت بعد قدرة مناسبة لتنفيذ ضربات نووية، كان الحافز للدخول في اتفاقية أقوى لديها. إلا أن كوريا الشمالية لا تشارك في الاقتصاد العالمي بشكل فعّال إلا من خلال التجارة مع الصين؛ ففلسفتها القائمة عليها، والتي تطلق عليها اسم "جوش"، هي في الأساس شكل من أشكال الاكتفاء الذاتي، لذلك هي ليست عرضة للإغراءات من الخارج. وفي المقابل، ترغب الصين بأن تكون لاعبًا عالميًا مؤثرًا، وترغب بتجنب عدم الاستقرار الإقليمي الذي قد يتسبب بنشوب الحرب، فيما أخطأ ترامب في الاعتقاد بأن هذا يترجم إلى دافع لتنفيذ رغبات الولاياتالمتحدة ضد كوريا الشمالية. وتدرك الصين أن نهاية المزايدات من منظور الغرب سينتج عنها تغيير النظام في بيونج يانج، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى توحيد الكوريتين ولن ينفذ ذلك إلا من خلال وجود آلاف القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية وهو أمر تجده الصين خطرًا. والرئيس الصيني، شي جين بينغ، يقوم حاليًا بتوسيع الموقع الإستراتيجي للصين إقليميًا وعالميًا، وآخر ما يرغب فيه هو إعطاء الولاياتالمتحدة فرصة لاتخاذ إجراء مضاد، ولهذا السبب يحتاج لأن تبقى كوريا الشمالية مستقرة. وترجح الوكالة عدم نجاح تهديدات ترامب للصين تمامًا كما لن تنجح إطراءاته، مبينة أن الأمر الوحيد الذي سيحرك الصين هو التهديد الحقيقي بوقوع حرب في شبه الجزيرة الكورية، لكن باستطاعة الرئيس الصيني أن يتأكد من أن ترامب لن يصل إلى هذا الحد لأن مثل هذه الحرب ستكون مكلفة للغاية من حيث الأرواح التي ستزهق من كوريا الجنوبية ومن قوات الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة. ويشير إيلي ليك، من وكالة "بلومبيرج"، إلى أن خيار الولاياتالمتحدةالأمريكية الآن هو إما التنازل أو الحرب. ومن المتوقّع أن تتنازل الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا أن إدارة ترامب لن تسميه تنازلًا.