نشأت الدول الديمقراطية على مبدأ تغليب أحكام القانون واستقلال القضاء، على اعتبار أن القانون هو سيد الجميع؛ تسرى عليهم أحكامه، فالكل أمام القانون سواء، وحينما يحدث جور فى الحكم يكون ميزان العدل قد اختل، وتكون الدولة مهددة بالخراب؛ لأن العدل أساس الملك. لقد سعت كل دولة لأن تكون تحت هذه السيادة من الرئيس حتى أصغر مواطن، حتى الحكومات الفاسدة تقنن فسادها بترزية القوانين، فلا يستطيع أحد أن يطعن عليها، ولم يجرؤ عاقل ولا محتال أن يصطدم مع القضاء. لكن هذا حديث مع العقلاء الذين يريدون الحفاظ على دولهم، أو الخبثاء الذين يحتالون لإبقاء أنظمتهم، أما من سعى للاصطدام بما لا يصح الاصطدام به فَقَدْ فَقَدَ عقله. لقد أصدرت المحكمة الدستورية فى إسبانيا حكما بعدم تسليم حسين سالم لمصر، فالتزمت جميع الأطراف الإسبانية، انحنى الجميع للمحكمة الدستورية العليا، ولم يخرج عندهم من يتهم المحكمة بالرشوة من رجل فاسد، ولعل من عندنا يعتبرون. ثم كان قرار المجلس الدستورى فى فرنسا - والذى يساوى المحكمة الدستورية عندنا- بإلغاء القرار الحكومى القاضى بفرض ضرائب استثنائية على الأغنياء الذين يبلغ دخلهم أكثر من مليون يورو، معتبرًا أن فرض هذه الضريبة يتنافى مع مبدأ المساواة. فما كان من رئيس الوزراء الفرنسى إلا أن ذكر أن الحكومة ستطرح مشروعا جديدا، وتعهد أن يكون المشروع بما يتفق مع المبادئ المنصوص عليها فى قرار المجلس الدستورى، على الرغم من أن قرار الضريبة كان ضمن التعهدات التى قطعها الرئيس الفرنسى خلال حملته الرئاسية. أين محدودو الدخل والمجتمع المدنى والأحزاب؟ لم يتهموا المجلس الدستورى بالانحياز لفئة الأغنياء. والحزب الحاكم لم يتهمه بتعمد إحراج الرئيس فى عدم وفائه بتعهداته الانتخابية، لا أحد يفتح فمه بكلمة؛ لأنك باختصار.. فى دولة القانون. ثم أصدم حينما أحيل النظر إلى مصر وما يحدث فيها. فما أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارات بعدم دستورية قانون العزل، وقانون انتخابات البرلمان، والجمعية التأسيسية، حتى قامت الدنيا ولم تقعد، ووجهت الاتهامات للمحكمة وقضاتها. واتُّهمت المحكمة بالتزوير، واتخذت سبيل القانون لتبرئة ساحتها، وزهق باطل المرجفين، فاتخذوا وسائل غوغائية من اعتصامات أمام المحكمة وتعدٍّ على القضاة ومنعهم من ممارسة أعمالهم، وكل ذلك تحت سمع وبصر الرئيس وقياداتهم التى ينتمون إليها. أين هذه التصرفات مما حدث فى كل من إسبانياوفرنسا؟ شتان بين الثرى والثريا، بين النظام والفوضى. وقفت أمام إسبانياوفرنسا، ثم راجعت أحداث المحكمة الدستورية المصرية فأصابنى الغثيان، وساورتنى الشكوك حول المستقبل الغامض لهذه البلاد، هل سيكون هناك قانون حقًّا، أم شريعة الغاب؟ ومع كل اجتراء على حكم يتم الدفع بالكتل البشرية لتملأ الميادين، ويخرج انتهاك القانون تحت شعار "الشعب يريد".