تواجه الطبقة المتوسطة أخطارًا كبيرة تهدد بقاءها واستمرارها في المجتمع، وخلال الفترة الأخيرة التي تلت قرار التعويم زادت التخوفات من انصهار تلك الطبقة وانضمامها للطبقة الدنيا، خاصة أن الطبقة المتوسطة متسعة وتحتوي على شرائح مجتمعية مختلفة الأنماط والحالة الاقتصادية. وبدأ ظهور الطبقة المتوسطة في عهد محمد على باشا إذ مثلت العمود الفقري للمجتمع المصري وعجلة الإنتاج والدفع للدور النهضوي الذي تطلعت إليه مصر آنذاك وبالفعل لعبت دورًا محوريًا في أن ينشئ محمد على دولة قوية معتمدا على التعليم في المقام الأول. وفي كل الأزمنة لعبت الطبقة المتوسطة دورًا محوريًا في صياغة المستقبل بشكل أو بآخر، وبكل تأكيد لا يمكن أن تكون الطبقة المتوسطة كتلة واحدة متماسكة جامدة، فهي متعددة الشرائح المجتمعية وكذا المراكز والأدوار والأفكار إلا أن الثقافة العامة تجمع كل تلك الشرائح تحت مظلتها، وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبد الحميد زيد، رئيس قسم الاجتماع في جامعة الفيوم، أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الملقب برئيس الفقراء، جاء على أكتاف الطبقة المتوسطة صاحبة المواقف السياسية والمشاركة الأساسية في الإضرابات والثورات والحركات السياسية في الشارع المصري، وبالفعل استغل ذلك عبدالناصر وعمد إلى زيادة نسبتها، إذ تقدم بطرح رؤية تتبنى رفع مستوى معيشة الفقراء وضمهم إلى الطبقة المتوسطة ورفع سقف تطلعاتهم وألا يكتفي الفلاح بالزراعة في الأرض وأن يكون له تطلعات في عالم «الأفندية». وحسب الإحصاءات الأخيرة لعام 2016 فإن معدل الفقراء في مصر وصل إلى ما يقرب من 27% من إجمالى عدد السكان، فضلا عن أن بعض الخبراء يرون أن الطبقة المتوسطة هي التي يصل معدل دخلها إلى 60 ألف جنيه سنويا على الأقل حتى جاء تعويم الجنيه ليزيح نسبة ليست بالقلية من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الدنيا. ماذا فعل تعويم الجنيه في الطبقة المتوسطة؟ هناك العديد من الدلالات التي تصل بنا إلى إجابة هذا السؤال، الطبقة المتوسطة تأثرت جراء الأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية خلال السنوات الخمس التي مضت، فملامح وأسلوب التطورات الحياتية تبدو على الطبقة المتوسطة أكثر من أي طبقة أخرى لأن أفراد الطبقة الوسطى لا يمكن أن تصفهم بالأغنياء فهم فقط «مستورون»، وأغلب الطبقة المتوسطة يعتمدون على الرواتب والأجور الثابتة والتي لم يطرأ عليها أي زيادة والدولة تراجع دورها خلال تلك الفترة مما أثر في الرواتب خلافها، الدلالة الأخيرة اختفاء الشركات الحكومية واكتظاظها بالموظفين واكتفاؤها من العمالة، لم تقف الأمور عند هذا الحد بل وصل إلى ارتفاع أسعار السلع الجنوني وكذا المواد البترولية كل تلك العوامل وضعت أبناء الطبقة المتوسطة في موقف مهتز، ومؤشر خطر بإزاحتهم من تلك الطبقة ليصبوا إلى الطبقة الأكثر فقرًا. تتواتر معلومة مؤكدة عن وجود نية لدى الحكومة في رفع أسعار ما يقرب من 27 سلعة أساسية، فضلا عن زيادة أسعار المواد البترولية وأيضا شرائح الكهرباء والمياه مع بداية شهر يوليو المقبل، والتي من شأنها أن تؤثر سلبا في حياة المواطنين خاصة هؤلاء من أبناء الطبقة الفقيرة، هذا إلى جانب تهديده للطبقات المتوسطة بأن تسقط شرائح أخرى منها ضمن الطبقة الفقيرة، خاصة أن الفترة الماضية وعلى مدى عامين تم تحميل تكلفة سياسات الحكومة الاقتصادية على كاهل المواطن في الشارع، واضطر أصحاب الطبقة المتوسطة إلى التنازل عن العديد من رفاهيات الحياة والتي في أصل الأمور كانت تميزهم عن الطبقات الدنيا، وزادت الخطورة مع زيادة الأسعار الجنونية التي من شأنها أن تحدث ضررًا كبيرًا. ويؤكد الدكتور عبد الحميد زيد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن الطبقة المتوسطة تعتمد في المقام الأول على عائد التنمية في الدولة وطريقة توزيعها، محذرا من خطورة استمرار السياسات المعاندة لتوزيع عائد التنمية بشكل غير عادل وأنه سيسبب أزمة مجتمعية في مصر قريبا، خاصة أن الزيادات التي تأتي على فترات متقاربة تصيب السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن، وكذا المواد البترولية التي تزيد من أسعار باقي السلع التي تعتمد على النقل والتوريد وخلافه من سبل إيصال السلعة إلى المواطن.