في الوقت الذي تضاعفت فيه مشكلات وهموم قطر المالية والاقتصادية، بعد المقاطعة الخليجية والعربية، تفجّرت في لندن فضيحة بنك باركليز، بعد اتهام بعض المسؤولين السابقين في البنك ب "الاحتيال والفساد والتآمر للاحتيال، والحصول على مساعدة مالية غير مشروعة" وعلى علاقة بجمع تبرعات من قطر في 2008 تصل قيمتها إلى مليارات الجنيهات. وبحسب موقع «24 الإماراتي» سيُحاكم بموجب هذه الاتهامات عدد من كبار المسؤولين في البنك بتهمة الفساد ودفع رشاوى تصل قيمتها إلى 322 مليون إسترليني، لشخصيات ومسؤولين قطريين بعد الحصول على قرض ب 3 مليارات جنيه إسترليني، وربطت تقارير إعلامية وصحافية، بين فضيحة باركليز الجديدة، ورئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني. ويُعد بن جاسم من الشخصيات المحورية في الدوحة، ليس بسبب منصبه ومهامه السياسية الخطيرة التي لعبها في تاريخ قطر في عهد الأمير الأسبق الشيخ حمد بن خليفة، وأيضًا منذ عهد الأمير السابق أو الأمير الجد، خليفة بن حمد آل ثاني الذي انقلب عليه ابنه بدعم وتورط من بن جاسم في 1995. وفي الدوحة كان بن جاسم ولا يزال يُصر على أنه وصل السلطة لتحقيق أهداف سياسية نبيلة، وليس للإثراء أو لتحقيق مآرب شخصية، خاصةً أنه "سليل عائلة غنية وذات ثراء". فضيحة باركليز وبعد فضيحة باركليز الجديدة، نظرًا لعدد القضايا الكثيرة والمشابهة التي تورط فيها البنك البريطاني الشهير على امتداد السنوات، يكشف تورط البنك، جانبًا غير معروف في شخصية بن جاسم، والذي كشفته قبل ذلك بالتفاصيل، التقارير الإعلامية والاستخباراتية الكثيرة، إلى جانب عشرات الكتب التي تخصص أصحابها في التعاطي مع "إتش بي جي" اسم الشهرة الذي عرف به الوزير والمستشار القطري السابق، في الأوساط الإعلامية العالمية. وفي كتابهما الشهير "قطر: سر الخزانة" للصحافيين الفرنسيين الشهيرين، كريستيان شينونست، وجورج مالبرونو، الذين تعرضا إلى جانب من الوقائع والتجاوزات الخطيرة التي ارتكبها حمد بن جاسم، الذي أطلقا عليه لقب تاليران القطري، تشبيهًا بالشخصية الفرنسية المثيرة للجدل تاليران، المستشار المقرب من لويس السادس عشر، قبل الثورة، ثم نابليون الأول، وبعده لويس الثامن عشر، ثم شارل العاشر، وأخيرًا لويس فيليب، قبل عود الجمهورية. ظهر حمد بن جاسم على الساحة القطرية قبل انقلاب حمد على والده خليفة بسنوات طويلة، وحسب الكاتبين الفرنسيين، فرض نفسه على محيط الأمير الجد قبل عزله، بفضل مهارته في عقد الصفقات التي كان يُفيد منها الأمير المعزول، وحمد بن جاسم شخصيًا. وفي هذا السياق يروي الكتاب بعض الوقائع التي تُعطي صورة واضحةً عن جشع ونهم حمد بن جاسم، مثل الحادثة التي أوردها الكاتبان والتي تعود إلى بداية التسعينيات من القرن الماضي، ويرويان كيف أن رجلي أعمال فرنسيين، قصدا الأمير الجد، في قصره الفخم الواقع في مدينة كان جنوبفرنسا في زيارة مجاملة، لعرض مشاريعهما على الأمير، ونواياهم الاستثمار في قطر والتوسع فيها. ويروي الكتاب "لم يكن خليفة مهتمًا بشكل خاص بالصفقات وتفاصيلها، ووجد نفسه في حرج حقيقي مع الضيفين، فهمس في أذن وزير الخارجية إتش بي جي، كيف يُمكنني التخلص منهما؟ رد حمد بن جاسم، قل لهما، إذا أردتما التعمق في الأمر عليكما مراجعة حمد". ويُضيف الكتاب "بعد فترة من الزمن سافر الرجلان إلى قطر للقاء الأمير، الذي استقبلهما في قصر الريان، وبعد لقاء قصير هم بالمغادرة، ثم التفت إلى الفرنسيين قائلًا: أما عن أعمالنا ومصالحنا فيمكنما عرضها ومناقشتها على حمد، ثم انصرف". أول 20 مليون وبمجرد أن نهض الأمير، حتى قفز حمد بن جاسم من مكانه لمرافقته " وسار إلى جانب الأمير وكأنه يتحدث إليه هامسًا حتى خروجه من القاعة، ثم عاد سريعًا إلى الضيفين الفرنسيين ليقول، إن سمو الأمير كلفني، وأنا في غاية الحرج والخجل، أن أطلب باسمه 20 مليون دولار مقابل مصاريفه الخاصة، لإنهاء الصفقات بيننا". ويُضيف الكتاب "كانت أول 20 مليون دولار يحصل عليها حمد بن جاسم في حياته، والثابت أن الأمير الجد لم يعرف عنها شيئًا حتى اليوم"، محققًا بذلك قفزة عملاقة في مسيرته المهنية والشخصية، بعد أن كان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، مجرد مسئول عن السجل العقاري في الدوحة. طمع بلا حدود ولكن شهية وطمع حمد بن جاسم لم تعرف الحدود اليوم، ولم تتوقف أبدًا، فارتبط بأكثر المشاريع التي نفذتها قطر، وصناديقها المختلفة، وشركاتها، وحتى تلك التي لا تهم سوى العائلة الحاكمة في البلاد، ليجد لنفسه بطريقة أو بأخرى مصلحة فيها، ويحقق منها مكاسب مالية كبرى. وفي سنوات قليلة، نجح حمد بن جاسم في تحقيق نجاحات حقيقية حسب الكتاب "رئيس الخطوط الجوية القطرية، رئيس بنك قطر الدولي، نائب رئيس الصندوق السيادي القطري، ونائب رئيس مجموعة قطر للاستثمار، الذراع المالية المكلفة بشراء العقارات والاستثمارات الضخمة في الخارج، إلى جانب استحواذه باسمه الخاص على فنادق ويست باي، وفور سيسزنس في الدوحة، إلى جانب فندقي شيرشيل وراديسون في العاصمة البريطانية لندن". وإلى جانب هذه الآلية المالية المهمة، يتمتع حمد بن جاسم "بآليات أخرى لا تقل خطورة، وفسادًا حسب الكتاب، مثل شركة شالنغ، المتورطة في 2008 في تمويل بنك باركليز، بعد شراء الصندوق السيادي القطري حصة 6.8% من رأس مال البنك مقابل 6.5 مليارات جنيه إسترليني"، وهي القضية التي عادت لتطفو على السطح مجددًا في لندن هذه الأيام، واتهام إدارتها السابقة بالفساد والرشوة، ما يُشير مباشرة إلى الأدوار المشبوهة التي لعبها حمد بن جاسم. وبالتوازي مع الأدوار العلنية التي كان يلعبها لم يتحرج الوزير والمستشار المقرب السابق من أمير قطر، من لعب أدوار أخرى غير مُشرفة عن طريق صداقات وشركات وهمية أو حقيقية تعمل لمصلحته الخاصة والشخصية، بإدارة مجموعة من المقربين منه أهمهم عائلة الفردان الموالية لإيران، والتي يعمل أبناؤها جميعًا حسين الأب، وعلي، وفهد، وعمر، على تبييض الصفقات الأقل شرعية التي يعقدها حمد بن جاسم وشركاته المختلفة. وحسب الكاتبين الفرنسيين، يتميز حمد بن جاسم بخصال كثيرة، مثل الذكاء، والنباهة، ولكنه أيضًا يُعاني عقدة نفسية "تجعله يرى أن الجميع معروض للبيع وقابل للبيع أو الشراء، فقط يجب دفع الثمن المناسب لذلك". عنجهية ويورد الكتاب نماذج كثيرة وأمثلة عديدة لعنجهية وقلة لباقة وزير الخارجية القطري السابق ومن الأمثلة على ذلك "في بداية الأزمة السورية، نجحت الدوحة في فرض برهان غليون على المعارضة السورية والعواصم العربية المؤيدة لها في اجتماع لجامعة الدول العربية، قائلًا في اجتماع رسمي إن هذا الرجل يُمثل 80% من السوريين، وعندما حاول وزير الخارجية الجزائري يومها مراد مدلسي، مناقشة هذه الحقائق معه فاجأه أمام المجتمعين قائلًا: اخرس، سيأتي الدور عليكم قريبًا، مُضيفًا الأمريكان يؤيدوننا ولا يمكن تغيير ذلك". وحتى بعد إقالته من مناصبه الرسمية، احتفظ حمد بن جاسم ولا يزال بكل امتيازاته السابقة وثروته التي حصل على أكثرها بطرق أقل غير مشروعة، ما يعني أنها كانت حسب الكاتبين جزءًا من فساد أكبر، من ذلك "حصوله شخصيًا على عمولة ب 400 مليون دولار بعد صفقة الاستحواذ على مركز التسوق الشهير هارودز في لندن من المالك السابق المصري محمد الفايد". أما في فرنسا فيؤكد الكاتبان أن "بن جاسم حصل على عمولة ب 200 مليون يورو من شركة إنشاءات عملاقة في البلاد بعد وعود بالمساعدة على إقامة جسر ضخم بين قطر والبحرين، المشروع الذي لم يُنفذ أبدًا والذي لا يبدو أنه سينفذ في يوم ما".