في فارقة تاريخية لعبت فيها الصدفة دورا كبيرا، تزامن أمس الأحد الموافق 18 يونيو، والذي وضع فيه الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، حجر أساس إسكان العاملين بالهيئة بمحافظة بورسعيد، وقام بإطلاق إشارة البدء في إنشاء 4 قاطرات جديدة بسواعد عمال ترسانة بورسعيد البحرية وتصميم مصرى 100% مع ذكرى عيد الجلاء الموافق 18 يونيو 1956. رفع العلم ففي نفس التاريخ ونفس التوقيت الصباحي ولكن في عام 1965 زار أيضًا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عبد الناصر محافظة بورسعيد، وقام برفع علم مصر على مبنى إرشاد هيئة قناة السويس بالمحافظة في ذات التوقيت عقب خروج الباخرة البريطانية "إيفان جب"، وعلى ظهرها آخر فوج من العساكر الإنجليز الذين كانوا في مبنى البحرية في بورسعيد، يوم 13 يونيو 1956. ورفع عبدالناصر العلم وعيناه تدمعان يوم 18 يونيو 1956 فأصبح هذا اليوم في تاريخ مصر عيد الجلاء، بعدما ظلت مصر تحت الاحتلال منذ عام 1882 بحجة حماية عرش توفيق من الثورة الشعبية التي قادها الأميرلاى أحمد عرابي. وقال أهالي بورسعيد معقبين على تلك المصادفة الغريبة: "سبحان الله تاريخ 18 يونيو تتكرر فيه حادثتين مرتبطين بقناة السويس ببورسعيد، الأولى الزعيم عبد الناصر يرفع العلم على مبنى الإرشاد ببورسعيد في عام 1956، والثانية الفريق مميش يضع حجر الأساس لمشروع إسكان للعاملين بالهيئة ببورسعيد ويعلن إنشاء 4 قاطرات بسواعد مصرية أيضًا من بورسعيد ولكن في 18 يونيو 2017". مطلب الجلاء وتعود ذكرى جلاء الإنجليز عن مصر إلى سلسلة من الأحداث والتي انطلقت بقيادة مصطفى كامل الذي التقى مع الخديو عباس حلمى الثانى في 1898، فأصبح لمطلب الجلاء سند من السلطة الشرعية، وأخذ يندد بالاحتلال في مصر وأوروبا، وأنشأ نادي المدارس العليا، والحزب الوطنى (ديسمبر 1907). محمد فريد يكمل المسيرة وعندما توفى" مصطفى كامل" في ريعان شبابه (10 فبراير 1908) خلفه في الزعامة محمد فريد الذي عمل على توسيع دائرة الحزب، بحيث لا تقتصر عضويته على الأفندية من أبناء المدن، وضم العمال، وأسهم في تكوين نقابة عمال الصنائع اليدوية (1909)، وأخذت السلطات الإنجليزية تتعقب نشاطه حتى قررت اعتقاله مرة أخرى في مطلع عام 1912. واندلعت الحرب العالمية الأولى في صيف 1914 ولما انضمت الدولة العثمانية (تركيا) صاحبة الولاية على مصر، إلى النمسا وألمانيا أعداء إنجلترا وحلفائها، أعلنت إنجلترا الحماية على مصر (ديسمبر 1914)، وعزلت الخديو عباس حلمى الثانى ومنعته من العودة إلى مصر. سعد زغلول وهذا هو المنعطف الذي تشكل فيه "الوفد المصري" بزعامة سعد زغلول (وكيل الجمعية التشريعية 1913) التي توقفت أعمالها عند اندلاع الحرب. وبعد توقيع الهدنة في 11 نوفمبر 1918 قابل سعد زغلول المندوب السامى البريطانى وطلب منه السماح له بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح المزمع عقده هناك، ولم يوافق المندوب السامي، واعتقل سعد زغلول ورفاقه (8 مارس 1919)، وأبعدهم إلى جزيرة مالطة، فاندلعت الثورة في اليوم التالى (9 مارس). وعقب ذلك أعلنت بريطانيا في 28 فبراير 1922 تصريحًا بأن مصر دولة مستقلة، لكنه كان استقلالا عن الدولة العثمانية (تركيا) تحت الحماية البريطانية، إذا لم يصبح المندوب السامى البريطانى سفيرا ولم تكن لمصر سفارة في لندن ولم تنضم إلى عصبة الأمم التي تشكلت في آخر سنة 1919 لأنها منظمة تضم الدول المستقلة. ومن المعروف أن هذا الاستقلال كان معلقًا بتحفظات أربعة تصبح محل مفاوضات بين الطرفين، ثم تم عقد معاهدة 1936، والتي نصت على أن مدتها عشرين سنة مع جواز الدخول في مفاوضات من أجل التعديل أو الحذف في أي يوم بعد انقضاء العشر سنوات الأولى وبموافقة الطرفين، لكن الحكومة البريطانية رفضت إعادة النظر في نصوص المعاهدة بما يسمح بالجلاء ومن هنا أقدم مصطفى النحاس على إلغاء المعاهدة في 8 أكتوبر 1951. ثورة 23 يوليو وبناء على إلغاء المعاهدة وقعت المواجهات مع الإنجليز (معارك الفدائيين) حتى قامت الثورة ليلة 23 يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر واستولت على الحكم. وكان أول أهداف الثورة تحقيق الجلاء وتولى عبد الناصر هذا الملف، وبدأت المفاوضات في 27 أبريل 1953 لمدة خمسة عشر شهر بشكل متقطع انتهت في 27 يوليو 1954. بيان عبد الناصر ولقد دخلها عبد الناصر مستندا إلى قوة العمل الفدائى الذي استمر ضد معسكرات الإنجليز في منطقة قناة السويس، ولم تكن المفاوضات أمرا سهلا، وانتهت بالتوقيع على اتفاقية الجلاء بالأحرف الأولى (27 يوليو 1954). وبهذه المناسبة أصدر جمال عبد الناصر بيانا جاء فيه: "وقعنا الآن بالأحرف الأولى اتفاقا ينهى الاحتلال وينظم عملية جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر الخالدة وبذلك خلصت أرض الوطن لأبنائه شريفة عزيزة منيعة". بيان أكتوبر وفى 19 أكتوبر 1954 أذاع بيانًا بمناسبة التصديق على الاتفاقية جاء فيه: "لعل أجدادنا يتطلعون إلينا من المثوى الأبدى الذي تسكنه أرواحهم في هذا اليوم برضا وفخر.. ولعل أحفادنا الذين ما زالوا في مجاهل المستقبل سوف يعودون بعد مئات السنين إلى ذكرى هذا اليوم باعتزاز وتقدير.. أيها المواطنون تعالوا نبنى وطننا من جديد بالحب والتسامح والفهم المتبادل.