شباب تحدوا إعاقتهم وقهروا المستحيل، قفزوا فوق عجزهم، متسلحين بالعزيمة والإصرار، ارتكنوا إلى المتاح، وعملوا معا كفريق متناغم ومتفاهم. الرباعى «علاء مصطفى، ومحمود جميل، وليد حمدالله، وسعد شداد»، أبناء مدينة ملوى جنوب محافظة المنيا، حرموا من نعمة السمع والكلام، تحسسوا طريقهم وسط الصعاب؛ لكسب لقمة العيش بالحلال. الإعاقة ليست إعاقة جسد، وإنما إعاقة فكر، فحينما فكروا في إنشاء مشروع لهم، اختاروا عدة أمتار على ترعة الإبراهيمية، المقابلة لمحطة السكة الحديد بملوي، وبمبالغ زهيدة أنشأوا كشكا متواضعا من الخشب، على حافة الترعة، تعلوه لافتة مدون عليها «قهوة الخرس»، تضم أدوات متواضعة لعمل القهوة والشاي، ومقاعد بسيطة، فرشوها لاستقبال الوافدين والمسافرين إلى المدينة. «علاء مصطفى»، 32 عاما، متزوج، ولديه طفلة تدعى «سلمى»، 4 سنوات، من خريجى مدرسة الصم والبكم، يشير بيديه بإشارات حديثية، فسرها «رامى على حسن»، دارس للغة الإشارات، «عندما تخرجت من مدرسة الصم والبكم، كنت احتسب أن الحكومة تصدق في حديثها بخصوص 5% تعيين لذوى الاحتياجات الخاصة في أي جهة حكومية، ولكن اصطدمت بالواقع المرير، فالشعب المصرى لا يحترم ذوى الإعاقة، حيث كنا نتعرض لمضايقات من قبل أصحاب المقاهي، ونحن نجلس عليها، فهم لا يعرفون إشارات التعامل معنا، وكانوا يستهزئون بنا، وهذا ما أدخلنا في مشاجرات عديدة.. طرقنا جميع أبواب المسئولين التنفيذيين، مطالبين إياهم بالتعيين، كحق لذوى الإعاقة، ولكن دون جدوى». وتدخل «محمود جميل»، 33 عاما، متزوج، ولديه 3 أبناء، في أعمار مختلفة، قائلا: «كان لدينا أصدقاء من الصم والبكم أيضا، قرروا أن ينشئوا مشروعا يساعدنا جميعا على كسب لقمة عيش بالحلال، فقررنا فتح مقهى، أطلق عليه الوافدون «قهوة الخرس»، وهذا المقهى البسيط، غير مقتصر على «الصم والبكم فقط»، ولكن للجميع. وأضاف «محمود»: «في البداية كنا نواجه صعوبة مع المترددين على المكان، من الأشخاص الأسوياء، فهم لا يفهموننا، ونحن لا نفهمهم، وبعد وقت ليس بطويل، بقى عندنا زبائن، وبدءوا يعرفون الكثير من الإشارات في الحديث، وأصبحت التعاملات بيننا سهلة إلى حد ما، وعلمناهم لغة الصم والبكم». «الحلال أفضل بكثير من لقمة العيش الحرام» بتلك الكلمات بدأ «وليد حمدالله» الحديث، قائلا: «رغم إهمال الحكومة الشديد لذوى الإعاقة عامة، والصم والبكم خاصة، إلا أننا لم نتجه إلى أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى، فقررنا أن لقمة عيشنا بتاعتنا وبتاعت أولادنا تكون بالحلال، وبدأت قوات الأمن تتعاطف معنا في عدم التفتيش، بعدما تأكدت تماما أننا شباب ليس بيننا السكير أو المدمن أو ما يشبه ذلك، فكلما مرت دورية من دوريات التفتيش، التابعة لقسم الشرطة، يلقون علينا السلام، كنوع من الإيمان بفكرتنا وتعبنا ومجهودنا في كسب لقمة العيش الحلال.