بفضل رواية "ابن سيد اليتم" لآدام جونسون لم تجد الرواية الأمريكية نفسها يتيمة هذا العام على مائدة جوائز بوليترز، وذلك كما حدث فى العام الماضى، وإن كانت هذه الرواية الفائزة ببوليترز-2013 والتى تتناول الحياة فى كوريا الشمالية، تثير تساؤلات ملحة عن مسألة الاعتبارات السياسية وتسييس الأدب فى أهم الجوائز الأمريكية. ورجحت لجنة البوليتزر كفة هذه الرواية الصادرة عن دار نشر "راندوم هاوس" على روايتين منافستين فى التصفيات النهائية هما: "ما الذى نقوله عندما نتحدث عن آن فرانك" لناثان أنجلاندر، و"طفل الثلج" لأيوين إيفى. وتتناول رواية "ابن سيد اليتم"- بأسلوب يعيد للأذهان رؤى جورج أورويل بشأن الأنظمة الشمولية وبروح كافكاوية- مغامرات جندىّ كورى شمالى يسعى لأن يبقى على قيد الحياة ويصعد فى هياكل السلطة الجامدة ببلاده التى لاتكف أجهزتها الدعائية عن تحذير الشعب من مخاطر وشرور العدو الأمريكى وأذنابه فى كوريا الجنوبية واليابان. وبطل الرواية الكورى الشمالى خون دو، كما صنعه خيال الكاتب الأمريكى آدام جونسون، وبخبرات السفر يحاول أن يعثر على موضع قدم والتكيف فى بلد يمكن أن يؤدى فيه أى خطأ غير مقصود للإعدام أو السجن والتعذيب. وواقع الحال أن الرواية وإن كانت من نسج الخيال إلا أن الكاتب آدام جونسون زار من قبل كوريا الشمالية، كما اعتمد على شهادات لمنشقين كوريين شماليين يعيشون فى المنفى، فيما يعج عمله الفائز بجائزة بوليتزر لهذا العام بالعلاقات المسمومة بين الآباء والأبناء والأزواج والزوجات فى مجتمع يخضع لحاكم يتأله. ولآدام جونسون مجموعة قصص قصيرة صدرت عام 2002 بعنوان "المتجر الكبير"، وهو صاحب أسلوب مشوق وساخر ويعبر عن توجس دائم من الحياة القلقة والمتعددة المخاطر وصعوبة التواصل الوجدانى فى عالم يراه زاخرًا بالمفارقات العبثية والعشوائية، سواء فى تلك المجموعة أو فى روايته تلك الفائزة بجائزة البوليتزر. وفى "ابن سيد اليتم" يطرح آدام جونسون سؤالًا طريفًا ومهمّا عن موقع الحب فى ظل نظام قمعى؛ حيث يهيم بطل الرواية شوقا وحبّا لأشهر ممثلة كورية شمالية فإذا بمسار حياته يتغير. ولم يبتعد آدام جونسون عن نزعة الواقعية السحرية التى تخدم بشدة هذا النوع من السرد الروائى وتتناول الحياة فى ظل الأنظمة القمعية كنظام الزعيم الكورى الشمالى الراحل كيم جونج أيل، حيث معسكرات الاعتقال الوحشية والرجم بالحجارة حتى الموت وكل ما جادت به مخيلة الكاتب من صنوف التعذيب وأفانين الاستجواب لأى شخص مشكوك فى ولائه للنظام. لكن السؤال الذى لابد وأن يطرحه أى ناقد جادّ ومنصف: "ألا تؤثر الرؤية السياسية والصور النمطية والتحيزات المسبقة للكاتب على تناوله لواقع الحياة فى كوريا الشمالية التى تناصب بلاده العداء وتهددها الآن بقصفها نوويّا؟!" لا ريب أن هناك مبالغات تتجلى فى "ابن سيد اليتم" بقدر ما تعبر عن مدى التحيز لكاتب الرواية وتحامله على بلد يشكل "العدو" فى الذهنية الأمريكية حتى وإن ذهبت صحيفة "نيويورك تايمز" التى فازت بأكبر عدد من جوائز بوليتزر للصحافة هذا العام، إلى أن هذه الرواية "جريئة وملفتة". وعلى أى حال، فإن "ابن سيد اليتم" تثير أسئلة مختلفة عن أسئلة الرواية الأمريكية فى سياق جوائز بوليترز لعام 2012؛ حيث قيل حينئذ :"لا عزاء للرواية الأمريكية" بعد أن حجبت جائزتها عند الإعلان عن أهم الجوائز الأمريكية، وهى جوائز بوليتزر التى تمنحها جامعة كولومبيا فى نيويورك. وكان حجب جائزة البوليتزر للرواية فى العام الماضى بمثابة صدمة؛ "فالرواية الفائزة تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات.. وهى جائزة تترقبها دومًا دوائر صناعة النشر"، كما أنه منذ عام 1977 لم تحجب جائزة البوليتزر فى الرواية أبدًا. وتتوزع جوائز البوليتزر بين مجالات الصحافة والرواية والشعر والموسيقى والمسرح والتاريخ والسيرة الذاتية والعلوم العامة، غير أن أكثرها أهمية وشهرة هى جوائزها المخصصة للصحافة. وذهبت جائزة الشعر هذا العام لشارون أولدز عن ديوان "قفزة الظبى"، وفى الدراما المسرحية فاز نص "المهان" لآياد اختر، وفى الصحافة فازت "نيويورك تايمز" بأربع جوائز، بمعدل جائزتين عن ممارسات بعض الشركات الكبرى مثل "آبل"، و"وال مارت أوفرسيز"، فضلا عن جائزة لاستقصاء حول ما وصف بالثروة الخفية لرئيس الحكومة الصينية، وجائزة رابعة لتحقيق عن تساقط الثلوج بانهيالات كارثية فى واشنطن. ويعد ذلك ثالث أكبر عدد من الجوائز تحصدها "نيويورك تايمز" فى تاريخ جوائز بوليتزر للصحافة؛ إذ فازت في عام 2002 بسبع جوائز، وحظيت فى عام 2009 بخمس جوائز، فيما فازت العام الماضى بجائزتين عن موضوعين، أحدهما حول أفريقيا، والآخر تحقيق استقصائى عن الثغرات التى تتيح للأثرياء فى أمريكا التهرب من الضرائب. وإذا كانت الصحف الإلكترونية التى تفرض وجودها فى عالم الميديا داخل أمريكا وخارجها لم تكن غائبة عن جوائز البوليتزر عام 2012، حيث فازت صحيفتا "هوفينجنون بوست"، و"بوليتيكيو" الإلكترونيتين بجائزتين تؤكدان مدى قوة المنافسة بين الإعلام الجديد والصحافة الورقية العريقة - فإن الظاهرة استمرت هذا العام؛ لتشى بالمزيد من التغيرات فى صناعة الإعلام وما يعرف بالإعلام المستقل وغير الهادف للربح والمعنى بقضايا البيئة والمحليات. وهكذا فازت شبكة "أخبار المناخ" المنتمية إلى الإعلام الجديد والبيئى بجائزة من جوائز بوليتزر للصحافة عام 2013 عن تغطيتها لموضوع المخاطر التى تنطوى عليها أنابيب النفط، كما فازت "ستار تريبيون "التى تصدر من مينابوليس بجائزتين عن التغطية المحلية لقضية ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال فى مراكز الحضانة سيئة التنظيم والأخرى لكاريكاتير افتتاحى لستيف ساك. ولم تبخل البوليترز هذا العام على صحيفة "واشنطن بوست" بجائزة لموضوع عن النقد الفنى والقوى الاجتماعية، وجائزة واحدة أيضًا ل"دينفير بوست" عن تغطيتها الخبرية السريعة فى مجال المسرح، وباستغلال جيد لآليات مواقع التواصل الإجتماعى على شبكة الإنترنت. وفى التاريخ ذهبت جائزة البوليتزر لفريدريك لوجفال عن كتاب "جمرات الحرب"، ويتناول الحرب الفيتنامية.. وفى الموسيقى فازت كارولين شو عن عملها "بارتيتة لثمانية أصوات". أما جائزة السيرة الذاتية فكانت من نصيب توم رايس عن كتاب "الكونت الأسود: المجد والثورة والخيانة وكونت مونت كريستو الحقيقى". وفى العلوم العامة فاز جيلبيرت كينج بجائزة عن كتابه: "شيطان فى الغابة الصغيرة: أطفال جادات الأشجار وفجر أميركا الجديدة"، وهى الجائزة التى منحت العام الماضى لستيفن جريينبلات عن كتاب :"الانحراف المفاجئ: كيف يصبح العالم حديثًا؟"، وينطلق من واقعة اكتشاف قصيدة شعر منذ 600 عام، وكانت قد كتبت أصلًا قبل 2000 عام، لتتحول إلى فكرة محورية توحى للمؤلف بكيفية تشكل العالم وتطوره. وإذا كانت جوائز البوليتزر فى الأدب لا ترقى لمصاف جوائز نوبل، فإن البوليتزر التى دخلت عامها السابع والتسعين لا تقل أهمية عن جوائز "المان بوكر" البريطانية. وتمهد البوليتزر الطريق أمام الفائز ليصبح نجمًا عالميّا، وهو ما حدث مع روائيين وشعراء أمريكيين سبق أن فازوا بهذه الجائزة التى تجعل صاحبها مسموع الكلمة فى وسائل الإعلام بقدر ما تحقق لأعماله رواجًا كبيرًا داخل الولاياتالمتحدة والدول الناطقة بالإنجليزية.