لا عزاء للرواية الأمريكية بعد أن حجبت جائزتها هذا العام في أهم الجوائز الأمريكية؛ وهي جوائز بوليتزر التي تمنحها جامعة كولومبيا في نيويورك، وأعلنت نتائجها في وقت متأخر من مساء أمس الأول "الاثنين". وتقول صحيفة نيويورك تايمز: "إن حجب جائزة البوليتزر للرواية هذا العام، كان بمثابة صدمة؛ "فالرواية الفائزة تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات.. وهى جائزة تترقبها دومًا دوائر صناعة النشر".
ومع أن بعض الروايات مثل "أحلام القطار" لدينيس جونسون وصلت بالفعل للمرحلة النهائية للمحكمين في جامعة كولومبيا فإن القرار جاء في نهاية المطاف حاسما بحجب الجائزة هذا العام.
ومنذ عام 1977 لم تحجب أبدا جائزة البوليتزر في الرواية فيما أثار حجبها هذا العام تساؤلات حول مستوى الرواية الأمريكية على وجه العموم وموقعها من الأدب العالمي .
ومن المتوقع أن تزداد حدة الجدل خلال الأيام القليلة المقبلة لأن فرع الرواية في البوليتزر عادة ما يكون موضع تنافس كبير ومثير بين الكتاب الروائيين الأمريكيين.
وبدأت ردود الأفعال بتصريح أعرب فيه الناشر الأمريكي جوناثان جالاسي صاحب دار "فارار شتراوس& جيروكس" عن الشعور بالصدمة "لحجب جائزة البوليتزر للرواية هذا العام".
وقال جالاسى، إنها: "فرصة كبيرة أهدرت؛ فجائزة البوليتزر في الرواية هامة للغاية على صعيد توجيه الأنظار للرواية الفائزة"، موضحا أن البوليتزر شأنها شأن أي جائزة كبرى تنشط حركة بيع الكتب، فيما أضاف لصحيفة نيويورك تايمز: "اننى أشعر بحزن بالغ .. والأمر أشبه بسفينة تاهت وضلت سبيلها في البحر".
وتتوزع جوائز البوليتزر بين مجالات الصحافة والرواية والشعر والموسيقى والمسرح والتاريخ والسيرة الذاتية والعلوم العامة غير أن أكثرها أهمية وشهرة هي جوائزها المخصصة للصحافة.
وفازت الشاعرة تريسى سميث بجائزة البوليتزر للشعر عن ديوان :"الحياة في المريخ"، وكان من الطريف أن فوزها بالجائزة تزامن مع يوم احتفالها بعيد ميلادها الأربعين، وكأن الأقدار تعوضها بعض الشيء عن محنتها بعد وفاة والدها وهو عالم فضاء ارتبطت به بشدة، وجاء هذا الديوان من وحى تلك العلاقة بين الابنة والأب الراحل.
ويصف الناقد جويل بروير الشاعرة تريسى سميث بأنها "شاعرة ذات طموحات وآفاق غير عادية، فيما كان ديوانها محاولة إبداعية للتصالح بين همومها الخاصة وهموم العالم. وفى المسرح فازت الكاتبة كياريا هوديس البالغة من العمر 34 عاما عن نصها الدرامي المسرحي: "مياه بملء ملعقة" التي تتناول فيه شخصية جندي أمريكي عائد من حرب العراق.
وفى الموسيقى فاز بجائزة البوليتزر كيفن بوتس هذا العام عن عمله الأوبرالي :"الليل الصامت" وهو عمل مستلهم من زمن الحرب العالمية الأولى، وصفه المحكمون بأنه "ينفذ مباشرة للقلب ويثير أعذب المشاعر".
وفى الصحافة التي تعد أهم فرع في جوائز البوليتزر-اقتنصت صحيفة نيويورك تايمز جائزتين عن موضوعين احدهما حول أفريقيا والآخر تحقيق استقصائى عن الثغرات التي تتيح للأثرياء في أمريكا التهرب من الضرائب.
غير أن الصحف الالكترونية التي تفرض وجودها في عالم الميديا داخل أمريكا وخارجها لم تكن غائبة عن جوائز البوليتزر هذا العام حيث فازت صحيفتى "هوفينجنون بوست" و"بوليتيكيو" الالكترونيتين بجائزتين تؤكدان مدى قوة المنافسة بين الإعلام الجديد والصحافة الورقية العريقة.
وكان من الدال أن تفوز صحيفة "فيلادلفيا انكوايرر" التي تواجه متاعب حادة كغيرها من الصحف الإقليمية الورقية تهدد استمرارها بإحدى جوائز البوليتزر في الصحافة عن موضوع يتناول العنف بين الأطفال في فيلادلفيا.
وإذا كانت جائزة البوليتزر للرواية قد حجبت هذا العام فإن الجائزة المخصصة للمقالة الافتتاحية في الصحافة قد حجبت بدورها وكأن الأمر يشير إلى محنة في عالم الكتابة الرفيعة المستوى!.
وفى التاريخ ذهبت جائزة البوليتزر لكاتب توفى هو مانينج ماربل عن كتابه "مالكولم اكس:حياة من التجدد الخلاق " وكان قد قضى عن 60 عاما في شهر أبريل من العام الماضي قبل ثلاثة أيام من ظهور هذا الكتاب الذي يتحدث عن شخصية من أهم الشخصيات في تاريخ المسلمين الأمريكيين.
أما جائزة بوليتزر للسيرة الذاتية هذا العام فكانت من نصيب جون لويس جاديس عن كتاب "جورج كينان:حياة أمريكية" وهو كتاب يقع في 800 صفحة عن سيرة المفكر الاستراتيجى الأمريكي جورج كينان .
وكان كينان قد وافق على أن يكون جون لويس جاديس هو كاتب سيرته الذاتية على أن تنشر بعد وفاته، وأنجزت السيرة بالفعل لتنتظر سنوات طويلة حتى تنشر في كتاب لأن كينان عاش حتى تجاوز المائة عام بعام واحد ليعانى من الآم الشيخوخة ويعانى مؤلف سيرته الذاتية من آلم الانتظار حتى ينشر كتابه الذي اقتضى جهدا هائلا حتى أنه خشي أن يموت هو قبل نشر الكتاب!.
ويبدو أن جون جاديس حصل على البوليتزر هذا العام بشق الأنفس بالفعل لأن المحكمين قرروا في آخر لحظة نقل كتاب "مالكولم اكس" من فرع السيرة الذاتية لفرع التاريخ ربما حتى تحل مشكلة المفاضلة في فرع واحد بين هذا الكتاب وكتاب "جورج كينان".
وفى العلوم العامة فاز ستيفن جريينبلات بجائزة البوليتزر عن كتاب :"الانحراف المفاجيء: كيف يصبح العالم حديثا؟" وهذا الكتاب لأستاذ الدراسات الإنسانية بجامعة هارفارد ينطلق من واقعة اكتشاف قصيدة شعر منذ 600 عام وكانت قد كتبت أصلا قبل 2000 عام لتتحول إلى فكرة محورية توحى له بكيفية تشكل العالم وتطوره.
وفى العام الماضى فازت جينيفر ايجان بجائزة بوليتزر في الرواية عن عملها الإبداعى الروائى "زيارة لزمرة القاتل المأجور" فيما ذهبت جائزة الشعر لكاى ريبان عن ديوانها:"الأفضل من بينها".
بينما فاز بروس نوريس بجائزة المسرح للبوليتزر في العام الماضي عن عمله "حديقة كلايبورن" وفاز الموسيقار زو لونج الأمريكى من أصل صيني بجائزة الموسيقى وكانت جائزة التاريخ للباحث ايريك فونر من جامعة كولومبيا عن دراسته :"طريق عنيف: ابراهام لينكولن والعبودية الأمريكية"، وفى السيرة الذاتية ذهبت الجائزة لرون تشيرناو عن كتاب "واشنطن:حياة" وفاز بجائزة العلوم العامة في عام 2011 الباحث سيدهارتا موخيرجى عن "إمبراطور الأمراض:سيرة للسرطان".
وذهبت أغلب جوائز بوليتزر للصحافة في العام الماضي لصحيفتى نيويورك تايمز ولوس انجلوس تايمز، واستمرت صحيفة النيويورك تايمز في صدارة البوليتزر هذا العام، بينما غابت صحيفتان من أكبر وأهم الصحف الأمريكية عن الجوائز في عام 2012 وهما "وول ستريت جورنال" و"يو اس ايه توداى".
وإذا كانت جوائز البوليتزر الأكاديمية الأمريكية في الأدب لا ترقى لمصاف جوائز نوبل فان البوليتزر التى دخلت عامها السادس والتسعين لا تقل أهمية عن جوائز المان بوكر البريطانية.
و تمهد البوليتزر الطريق أمام الفائز ليصبح نجما عالميا وهو ما حدث مع روائيين وشعراء أمريكيين سبق وأن فازوا بهذه الجائزة التي تجعل صاحبها مسموع الكلمة في وسائل الإعلام بقدر ما تحقق لأعماله رواجا كبيرا داخل الولاياتالمتحدة والدول الناطقة بالإنجليزية.
كما أن البوليتزر توجه الاهتمام النقدي للفائزين بما يعزز فرص المبدعين الأمريكيين في الحصول على جائزة نوبل في الآداب، فيما يلاحظ أن هذه الجوائز تنحاز في الإبداع للحداثة وما بعد الحداثة.
ويبدو أن حالة الصدمة التي تسود الساحة الثقافية والروائية الأمريكية منذ الإعلان عن حجب جائزة البوليتزر في الرواية هذا العام، تبرهن في حد ذاتها على أهمية هذه الجائزة، حتى وإن لم تصل لمستوى نوبل!