حرب الاستنزاف مدرسة أعدت الجيش للعبور والنصر هزيمة 5 يونيو 67 بالرغم من مرارتها فإنها كانت جرس إنذار للجيش المصرى ليستعيد مكانته في العالم أجمع، ورغم أن الضربة كانت موجعة فإنها لم تقض عليه، فانتصار إسرائيل لم يستمر إلا أيامًا معدودة بعدها انتفض المارد المصرى لينتقم أشرس انتقام، ولعل الانتصارات التي حققها المصريون خلال أيام من النكسة خير دليل على ذلك. أكد اللواء طيار سمير عزيز، أيقونة القوات الجوية في حربى الاستنزاف وأكتوبر، أن الجيش المصرى لم يستسلم للهزيمة التي قطعت أوصاله وسرعان ما استعاد قوته للأخذ بالثأر، وأضاف عزيز في حوار خاص ل "فيتو" بمناسبة الذكرى الخمسين لنكسة يونيو، أن مصر تلقت ضربة موجعة في هذا اليوم الحزين؛ بسبب تضارب التصريحات والأدوار من القيادات وقتها، فبعضهم كان يعلم أن إسرائيل ستوجه ضربة لمصر بسبب قرار الرئيس عبد الناصر بإغلاق خليج العقبة الذي كان بمثابة الإعلان الصريح من عبد الناصر بدق طبول الحرب. .. وإلى نص الحوار: بداية.. حدثنا عن تفاصيل ما شاهدته يوم 5 يونيو 1967؟ لابد من التأكيد أولا أن القوات الجوية في حالة تأهب كامل منذ 15 مايو 67 قبل الضربة مباشرة، وكنت أنا في حالة أولى على الممر من 6 إلى 8 صباحًا في مطار فايد يوم 5 يونيو، بمعنى أننى أجلس في كابينة طائرتى على أول الممر مسلح ومستعد للإقلاع في أي لحظة للاشتباك، وكان معنا بالمطار طائرات سوخوي-7 وسرب يسمى سرب العروبة وبه طائرات ميج-19. وبعد انتهاء المدة نزلت من الطائرة إلى داخل المطار لأرتاح قليلا حتى يأتى دوري القادم، وفى تمام الساعة التاسعة والربع تحديدا سمعت أصوات انفجار ضخم حولي، وشاهدت الطائرات تحترق على أول الممر والطائرات الإسرائيلية تلقى قنابلها على كل هدف ثابت ومتحرك، وركبت أنا وأحد زملائى الطيارين سيارة جيب وتوجهنا إلى أول الممر نبحث عن أي طائرة سليمة نقلع بها ولكن كان هناك 4 طائرات تم قصفها بالكامل ولا تصلح للإقلاع وحاولت أن أفعل شيئا ولكن للأسف، واستمرت الطائرات الإسرائيلية تقصف الطائرات في أماكنها حتى أصابتها بالشلل التام، وكانت طائرات الميج-21 مرصوصة تفصلها مسافات بسيطة وأمامها السوخوى-7 في صف مقابل، ومن المشاهد التي علّمت في ودفعتنى كثيرًا للثأر عندما جاءت طائرة إسرائيلية وقصفت طائرة ميج-21 موجودة بالمطار فانفجرت، وسرعان ما اشتعلت النار في الطائرة المجاورة لها التي خرج منها صاروخ انفجر بطائرة سوخوى 7، وبعدها ذهبنا إلى قاعدة أنشاص فوجدنا نفس المشهد يتكرر. وماذا عن دور الجزائر في دعم مصر خلال حرب يونيو 67؟ الرئيس عبد الناصر ساعد الجزائريين في ثورتهم وكانوا يعشقونه ويتمنون رد الجميل له ولمصر وبعد ضرب المطارات بيوم أو اثنين طلبت قيادة القوات الجوية منى أنا وبعض زملائى الطيارين الذهاب إلى الجزائر لإحضار طائرات نحارب بها وفور وصولنا وجدنا 6 طائرات ميج-21 فقط جاهزة للطيران، وعاد الطيارون الأعلى في الرتبة بتلك الطائرات، ثم دخلنا إلى «هنجر» وجدنا به طائرات ميج-17 عبارة عن جسم الطائرة والجناحين مفككين، وانتظرنا يوما حتى تم تجهيز عدد من الطائرات وعدنا بها من الجزائر. كيف استعادت القوات الجوية قوتها في فترة وجيزة قبل حرب أكتوبر؟ أولا بدأنا في دراسة نقاط الضعف التي استغلها العدو وكبدتنا خسائر هائلة في فقد الكثير من قدرات سلاح القوات الجوية، وكانت البداية ببناء «دشم» للطائرات في كل المطارات حتى لا تكون مكشوفة لرادارات العدو والحفاظ عليها، واشترك في بناء الدشم شركات من القطاع المدني، وبالفعل وفرت الدشم حماية كاملة للطائرات ولم تدمر طائرة واحدة على الأرض حتى حرب أكتوبر المجيدة وأثنائها، يضاف إلى ذلك أن القوات الجوية أعادت بناء وإصلاح ممرات الإقلاع والهبوط، وتم إنشاء ممرات سرية لا تظهر من السماء معدة للطوارئ. ووصلت إلى مصر بعد ذلك طائرة جديدة تسمى Mig-21 FL واختاروا أفضل الطيارين للعمل عليها وكنت منهم، وكانت هذه الطائرة مزودة بصاروخين فقط ولا يوجد بها مدفع وكانت تعتمد على الرادار في الكشف عن الهدف. ماذا عن الاستعداد لحرب أكتوبر؟ عقب نكسة يونيو بدأت القوات المسلحة في بناء نفسها، وفى نفس الوقت التدريب العملى على مسرح العمليات للحرب القادمة وهو ما سمى "حرب الاستنزاف" وكان لها هدفان الأول: استنزاف العدو ماديا ومعنويا من خلال تنفيذ عمليات مستمرة على جبهة القتال وفى عمق سيناء خلف خطوط العدو. الهدف الثاني: هو التدريب على مسرح العمليات الحقيقى وهى أرض سيناء بالكامل وتوفيرا للذخيرة بدلا من إطلاقها على أهداف غير حقيقية كما يحدث في التدريبات العادية، وهو ما جعل الحرب أسهل بكثير لأننا نعرف الهدف جيدا وتدربنا عليه عشرات المرات مما أنجح الضربة الجوية الأولى. ما الخطة التي وضعتها القوات الجوية لنجاح أهدافها في حرب أكتوبر؟ قيادات القوات الجوية بالكامل كانوا على قناعة تامة بضرورة مفاجأة العدو بالطيران المنخفض لتفادى الرادارات المتطورة، وهذا يتطلب مجهودًا كبيرًا من طيارى الاستطلاع لتصوير طرق الهجوم وجغرافيا الأرض والهضاب والتلال، وأيضا يتطلب مجهودا كبيرا من طيارى القاذفات لتطوير أسلوب الطيران المنخفض والتعود عليه كأسلوب طيران وحيد لحسم المعركة. وخطة الهجوم الجوى تقوم أساسًا على تنفيذ الضربة الجوية بأكبر عدد متاح من الطائرات ومن مطارات مختلفة وفى نفس التوقيت وعلى أقل ارتفاع ممكن، وهو ما حقق عنصر المفاجأة التي شلت العدو.