أبرزها الحاسبات.. 4 كليات بجامعة الأقصر الأهلية في تنسيق الجامعات 2025    وزير قطاع الأعمال: قصر غرناطة سيتم تشغيله كمركز ثقافي وسياحي    المركز الفلسطيني للمفقودين: مواطنون ذهبوا للحصول على المساعدات ولم يعودوا حتى الآن    طاقم حكام مباراة الأهلي وفاركو في الدوري الممتاز    مدير أعمال طارق حامد يكشف حقيقة مفاوضات الزمالك    ألقيا حجر على رأسه من أعلى المسجد.. الإعدام والمؤبد لقاتلي شاب في الإسكندرية    "إعلام النواب" ترفض غلق بيوت الثقافة.. والوزير يكشف عن موقفه    بالصور.. تامر حسني وأبطال فيلم "ريستارت" يحتفلون بالعرض الخاص في السعودية    لتقديم خدمات الأورام.. التأمين الصحي الشامل توقع تعاقدًا مع مركز "جوستاف روسي"    اختيار "ولاد الشمس" و"وتقابل حبيب" أفضل دراما قصيرة وطويلة في حفل جوائز قمة الإبداع    مفتي الجمهورية يدين اقتحام مستوطنين ومسؤولين في الكيان المحتل للمسجد الأقصى المبارك    سفارة أذربيجان تحتفل بالذكرى ال 107 لعيد الاستقلال    ماريسكا: التتويج بدوري المؤتمر الأوروبي سيكون إنجازًا تاريخيًا    الفاتيكان يدعو إلى وقف القصف الإسرائيلي على غزة    توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الأوقاف والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية    ابحث عن ناد جديد.. ديلي ميل: أموريم يطرد جارناتشو أمام زملائه في مانشستر يونايتد    حواء على طريق الريادة| خلية نحل بالأكاديمية الوطنية لإنجاز برنامج «المرأة تقود للتنفيذيات»    «الأرصاد» تكشف تفاصيل حالة الطقس المتوقعة غدًا الأربعاء    رئيس الوزراء يشهد احتفالية تطوير مدينة غرناطة بمصر الجديدة.. بعد قليل    الرئيس اللبناني: دعم الإمارات يجسد عمق العلاقة الأخوية    مسؤول إسرائيلي: تصاعد الإنفاق العسكري على حرب غزة يهدد التعليم والصحة    زاهي حواس: أفحمت جو روجان ودافعت عن الحضارة المصرية بكل قوة    من الكويت إلى دبا.. مصعب السالم يعيد صياغة يونسكو بلغة معاصرة    هل يأثم من ترك صيام يوم عرفة؟.. أمين الفتوى يحسم الجدل    فتاة تسأل.. هل أصارح خطيبي بمرضي؟.. أمين الفتوى يجيب    أمانة الإعلام بحزب الجبهة الوطنية: حرية تداول المعلومات حق المواطن    حالة الطقس غدا الأربعاء 28-5-2025 في محافظة الفيوم    بسبب تراكم الديون... شخص ينهي حياته بعد مروره بأزمة نفسية بالفيوم    غضب لاعبي الزمالك بسبب نقل مفاجئ لتدريبات الفريق (خاص)    أسهم شركات "الصلب" و"الأدوية" تتصدر مكاسب البورصة المصرية وتراجع قطاع الاستثمار    «متى تبدأ؟».. امتحانات الفصل الدراسي الثاني للشهادة الاعدادية 2025 بالمنيا (جدول)    «حيازة مخدرات».. المشدد 6 سنوات ل عامل وابنه في المنيا    رئيس اتحاد النحالين يكشف حقيقة فيديو العسل المغشوش: غير دقيق ويضرب الصناعة الوطنية    ب"فستان جريء"..هدى الإتربي تنشر صورًا جديدة من مشاركتها في مهرجان كان    بيان عاجل بشأن العامل صاحب فيديو التعنيف من مسؤول عمل سعودي    السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    بعد دخوله غرفة العمليات..تامر عاشور يعتذر عن حفلاته خلال الفترة المقبلة    نائب رئيس جامعة بنها تتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التربية الرياضية    «الإفتاء» تكشف عن آخر موعد لقص الشعر والأظافر ل«المُضحي»    وكيل صحة البحيرة يتفقد العمل بوحدة صحة الأسرة بالجرادات بأبو حمص    6 أدعية مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أيام لا تُعوض    غياب ثلاثي الأهلي وبيراميدز.. قائمة منتخب المغرب لفترة التوقف الدولي المقبلة    تشابي ألونسو يسعى لخطف "جوهرة باريس"    ميار شريف تخسر منافسات الزوجي وتودع رولان جاروس من الدور الأول    ذكرى ميلاد فاتن حمامة فى كاريكاتير اليوم السابع    «حنفي»: المنطقة العربية تملك فرصًا كبيرة لتكون مركزًا لوجستيًا عالميًا    نشاط للرياح وارتفاع أمواج البحر على سواحل البحر المتوسط بالإسكندرية.. فيديو    الإدارة العامة للمرور تبدأ تجربة «الرادار الروبوت» المتحرك لضبط المخالفات على الطرق السريعة    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو مشاجرة بورسعيد    قراءة فى نصوص اتفاقية مكافحة الأوبئة    قرار جمهوري بإنشاء جامعة القاهرة الأهلية    «الداخلية»: ضبط شخصين استوقفا أوتوبيسًا وطلبا أموالًا من السائق وتعديا على الركاب (فيديو)    تؤكد قوة الاقتصاد الوطني، تفاصيل تقرير برلماني عن العلاوة الدورية    حادث ليفربول.. رئيس البلدية يعلن تسجيل 4 إصابات حرجة    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية.. شاهد    الزمالك يتفق مع مدرب دجلة السابق على تدريب الكرة النسائية    وزير الكهرباء يستقبل وزير التجارة الخارجية والتعاون الدولي بالسويد لبحث سبل التعاون    في إطار التعاون الثنائي وتعزيز الأمن الصحي الإقليمي.. «الصحة»: اختتام أعمال قافلتين طبيتين بجيبوتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البسطاء.. وحكايا النهر!
نشر في فيتو يوم 30 - 05 - 2017

اعتاد عم محمد شعبان أو عم "محمد السقا" حسبما كانوا ينادونه في القرية.. على أن يذهب إلى النهر ب"قِربَتهِ" مرتين، واحدة في مطلع كل شمس، والأخرى قرب ساعات الغروب، إلا في يوم "شم النسيم" عادة ما كان يذهب إلى النهر مرة واحدة، بعد صلاة الفجر، ليختلسَ من "النهر النائم" شربة ماء تجعله أقوى رجالات الأرض، وليملأ قربته الجديدة بماء النيل الجديد حسبُ ظَنهِ، الذي أخبره بأن مَن يسبق إلى النهر في شم النسيم، ويملأ جرته قبل الآخر، سوف تتحول مياه النهر في بيته إلى "ذهب"!
فكان السقاء يحرص في ذلك اليوم بالتحديد على أن يذهب بقربته المليئة بماء النسيم، ليصبها في "زِيرِ" بيته، ثم يذهب لينامَ، ويحلم بالتِبر!
ورغم أن النيل لم يَصدقه يومًا، فإنه ظل طيلة عمره يسابق شباب القرية إلى ماء النسيم، أملًا في أن يشفيه ماء النيل النائم من أوجاع الزمن التي ألهبت مفاصل قدميه، حتى لم يعد قادرا على التجوال بقربته في أنحاء جزيرتنا، أو أملًا في أن يتحول مائه إلى ذهب! وكأنه وجد في الأمل حياة؛ تستحق أن يسابق الجميع إلى النهر من أجلها!
ومات عم محمد شعبان ولم ينل من ماء النسيم سوى شربة ماء من كوب وضع أسفل "الزير" الذي نضحَ منه ماءُ النهر! وكأن تلك الأسطورة نُسِجَّت من خيالِ الأغنياء؛ كى يظل "السقاء" يملأ "أزيار" القرية دون مللٍ أو تمرد.. ليس فقط من أجل حفنة من الحبوب يتحصل عليها السقاء، في كل موسم حصاد، ولكن على أمل أن تأتي اللحظة التي يتحول فيها ماء النيل إلى ذهب؛ فتتحول معه حياة السقاء إلى نعيم!
ليس النيل في كل الأوقات كما هو.. ففى حين يعشق أهل الجزيرة الجلوس على شاطئيه عند الغروب، يستوحشون النظر إليه أو السير على جانبيه في العتمة.. فلا تزال "حكايا النهر" في جزيرتنا تطارد أخيلة الأطفال والصبية وأصحاب القلوب الرهيفة.. فلم أنسَ أبدًا عًم "حمدى المراكبى" الذي كان ينقلنا بمركبه عبر النهر، ورُغم طِيبتهِ المتناهية، فإن "البياض" الذي في عَيّنهِ؛ كما كان يُرعِبُنا في الصِغَرِ، كان يُثيرُ في أنفسنا أسئلةً كثيرةً في الكِبَر، أهمها: لماذا عينه بيضاء هكذا؟ مما جعلنى أتجرأ يوما وأسأل وَالِدي رحمة الله عليه عن سرِ البياضِ الذي في عَيّنهِ اليُمنَى، فحكى لى: أنه ذات يوم كان يقفُ "عم حمدى" بمركبه الصغير على شاطئ النهر، وإذا ب"جثة" مَكفَيّةٍ على البطن تعوم في النهر، مما يدل على أنها جثة ل"أنثى" وليست لذكر، ف"جثث الذكور" عادة ما تأتى عائمة على الظهر، حسبما كان يُحكىَ لنا في الصِغَر!
فناداها عم حمدى على الفور بالنداء الذي اعتاده الجميع في مثل هذه المواقف "يا جثة حَلِّت الدفنة" وإذا بالجثة تأتى إليه ليُكرِمُها بالدفن! وحين شرع عم حمدى في دفنها في الرمل الجاثم على شاطئ النهر، نظر إلى فَرجِها وقال "لو كنت حفظتيه ما كان قد فُعِلّ بك هكذا.. وإذا بالجثة تصفعه بكفها على عَيِّنِه، فيصيبه العمى في الحال! وظل عم حمدى يَذكرُ حكايته مع الجثة حتى مات، تاركًا خلفه درسًا لأبناء جزيرتنا، بألا يخوضوا في أعراض الناس بلا دليل!
لا تتعجبوا.. فهذه ليس حكايات ماتت عن النهر، لكنها ما زالت حيَّة، تتوارثها أجيال جزيرتنا حتى الآن، لتكمل جملة الأساطير التي ربطها المصريون بالنيل على مر التاريخ، حيث كان النيل بالنسبة للمصريين رمزا، نَسَجَت حوله أخيلةُ المصريين عديدًا من الحكايا، التي أوصلته ذات يوم ليصبح بالنسبة لهم "إلهًا" تقربوا إليه بأجمل فتياتهم في "عيد الوفاء" وصلى له المسلمون حتى يجرى، وحين تمرد النيل؛ أرسل له عمر بن الخطاب برقية تهديد!
وهناك أيضًا قصص ما زالت تُروى لأطفال جزيرتنا أغربها حكاية "المَسحُوُر".. والمسحور هو "رجل" أعدت له زوجته سحرًا، يجعله يُفَضِّلُ الحياة في النهر، فيتحول من إنسان يعيش خارج النهر، إلى وحش لا يمكنه العيش سوى في داخله!
وكانت عملية السحر هذه بمثابة عملية تأديب، إذ بإمكان الزوجة أن تفك السحر، بشرط ألا يمضى على نزوله النهر أربعون يومًا كاملة، فإذا أردت أن تستعيده مجددا ذهبت إلى النهر، ومعها زوج من الحمام، نصفه مطهو ونصفه الآخر نَيئ، ووقفت على شاطئ النهر تناديه باسم "أمهِ"، فإذا سمع المسحور صوتها حَلَّ إليها، فتقدم إليه الحمامتين المطهوة والنيئة، فإذا فضل المطهوة أعادته إلى بيتها، أما إذا استحسن النيئ على الطيب؛ علمت الزوجة بأنه لا أمل في عودته؛ فقد صار وحشًا!
ورغم عدم منطقية هذه الأسطورة، فإنها كانت مُصدقة لديهم.. وكانت ترمز دائمًا لجبروت المرأة هناك، وتكرس في عقيدةِ البسطاءِ من الناس، أن الرجل ألعوبة المرأة، وأن المرأة دائمًا كانت ألعوبةَ إبليس.. وعلى الرجل دومًا أن يتوخى الحَذَر!
فلم تكن حكايا المسحور في جزيرتنا مجرد أسطورة تتناقلها مجالس الكبار والأطفال، فبخلاف أنه "البعبع" الذي تهدد به الأمهات أطفالها المتمردين، فقد بات بمثابة مبرر قوى، لغرق كثيرٍ من أطفال القرية وصبيانها، ليظل النيل في سكينتهِ دائمًا، شاهدًا على جرائم الليل المعتم!
فكما كان النيل في الصعيد بسيطًا متواضعًا، كانت حكايا البسطاء أيضًا بسيطة، ترسم كل يوم خصائص الإنسان في الصعيد، الذي حركته يومًا إلى النهر شَربَة ماءٍ من قِربَةِ سقاء، وأخَافتهُ من النهر "حكايا المسحور"!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.