كانت مصر وما زالت بلدًا متقبلًا لكل مظاهر البهجة، فالمصري عُرف دومًا بخفة دمه، وروحه التي تميل إلى كل شيء مبهج، فاستغل الفراعنة القدامى هذه السمات المتأصلة في المصريين في حكمهم بالإبهار، فكانت المواكب الفرعونية تأخذ بالأبصار ومن بعدها العقول والقلوب، فما إن يشاهد المصريون الكادحون هذه المواكب المزركشة فتسارع الرهبة والإجلال للدخول في نفوسهم تجاه أصحاب هذه المواكب. وجاء الفاطميون لمصر رافعين الأعلام السوداء لعقيدتهم، فيرجع أصل الدولة الفاطمية إلى العقيدة الشيعية التي تتخذ من الأعلام السوداء شعارًا لها؛ حزنًا على الحسين، ولكن مع مصر الوضع كان مختلفًا، فالمصريون لم يكونوا ليتقبلوا تلك الأوشحة السوداء، فكفاهم سواد معيشتهم، ومن ثم وجد الفاطميون أن يتقربوا للمصريين بما يناسبهم، ويجذب قلوبهم فسارع الفاطميون بصبغ حياة المصريين بكل الأشياء المبهجة، كألوان القماش المزركش الذي يرجع أصله إلى بلاد فارس. وارتبطت هذه الأقمشة المزركشة بالمناسبات الدينية ولا سيما رمضان، فاتخذوا منه أعلامًا تبعث على البهجة بدلًا من تلك الأعلام السوداء التي لم تتقبلها عيون المصريين، وأُضيئت المصابيح بالألوان لتستقبل رمضان بشكل مميز لم يعهده المصريون، لتدخل العقيدة الجديدة في قلوبهم وكان سبيل دخولها أعينهم، وكذلك ارتبطت كل المناسبات الدينية بالأكلات الفاطمية الجديدة، فظهرت الكنافة والقطائف، ولكن هذا الظهور الموسمي لم يكن يستمر طوال العام، فما إن ينتهي رمضان تنتهي معه هذه الأكلات، لتظهر أكلات أخرى في مناسبات أخرى. وحديثا تبين أن السنين صبغت زينة رمضان بذاكرة الزمن، فأضافت رسومًا لشخصيات كرتونية أبرزها بكار على القماش الفارسي المزركش، وكان المكان متسعًا لدخول عرائس الأطفال بوجي وطمطم هذا السباق، بل والأعجب دخول أبلة فاهيتا والمفتش كرومبو في ساحات أقمشة رمضان المزركشة، وفي منطقة الخيامية في قلب القاهرة الفاطمية تُباع كل هذه الزينة سواء مُجمعة أو جاهزة أو قطع تحتاج إلى تجهيز وإعادة إنتاج. ويعيد "أبو يوسف" في هذا المكان روح البهجة لفوانيس السنوات السابقة، بل ويصنع الفوانيس الجديدة تحت الطلب، فيمكنك تحديد الحجم والألوان والتحكم أيضا في السعر، فهنا يُصنع الفانوس العمولة، ويُصلح الفانوس "الخربان" لإعادته جديدا. ولم يعد قماش الزينة قاصرًا على الشوارع فحسب، بل أصبح يدخل في تركيب كل أثاث البيت، ليعطيه نكهة رمضانية مُحببة للنفوس، فعلب المناديل وسلات القمامة وأواني الفاكهة كُسيت بهذا القماش الفارسي، الذي نُسي أنه فارسي أو فاطمي، مُكتفيًا فقط بهويته الرمضانية، ليس هذا فحسب، فلرمضان تتزين كل الأشياء الشوارع والبيوت والسلال وحتى "القلل". ومع غلاء الأسعار لديكورات رمضان المنزلية، قررت معظم العائلات أن تقوم هي بصنع هذه الزينة مكتفية بشراء المواد الخام، لتضفي على البيت بهجة أثناء صناعتها وتضيف كذلك بعض الأموال إلى ميزانية رمضان التي لا تعرف إلى الآن مراكز الأبحاث العالمية ولا صندوق النقد الدولي كيف تضمن للأسر المصرية تدبير ميزانية هذا الشهر!