نؤمن بدولة مدنية قائمة على التعدد ولسنا معصومين من الخطأ الاجتهاد بغير علم «جريمة».. وبعض مشايخ الفضائيات «غوغائيون» قال الدكتور عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بالقاهرة؛ إن من يلقبون أنفسهم ب"الباحثين والمفكرين" لا يحق لهم التصدى للإجتهاد والتجديد في الدين، لأن هؤلاء حينما تناظر أحدهم لا تجد عنده بديهيات العلم، مؤكدًا أن "عامة الناس ليسوا أهلًا للحكم على خريجى الأزهر الشريف". وكشف "العواري" في حواره مع "فيتو"؛ حقيقة سعى علماء الأزهر الشريف إلى إقامة دولة دينية، والسبب الذي يجعلهم يرفضون توجيه أي نقد لكتاب "الجامع الصحيح" الذي ألفه الإمام البخاري، وغير ذلك من التفاصيل التي نسردها في الحوار التالي. باعتباركم عميدا لكلية أصول الدين، ما تصوركم بشأن تجديد الخطاب الدينى؟ -التجديد معناه إحياء ما اندرس من العلوم وإبرازها للناس وبيان محاسن الإسلام وإيضاح صورته الحقيقية، وإزالة ما علق بهذه الصورة من شوائب، وكذلك النظر في مسائل القدامى وكتب التراث بالتحقيق والدراسة، وإن وجه نقد لسابق فهذا ليس عيبا فيه، وكما يقولون: "كفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه"، وما سبق يجعلنا نؤكد بأن التجديد شأن خاص بالبحث العلمي، وليس أمرًا يطرح للتسلية على القنوات الفضائية ووسائل الإعلام؛ لأن ما يدور من حوارات على هذه القنوات حول هذا الأمر لا يتعدى المعارك الغوغائية التي لا تفيد شيئًا. وهل الأزهر الشريف يسعى في تجديده للخطاب الدينى إلى تحقيق ما ذكرته من معان لهذا المصطلح؟ بالتأكيد؛ لأن الأزهر الشريف بمختلف هيئاته بدءًا من المعاهد والجامعة ومجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للأزهر، وحتى هيئة كبار العلماء، وهى أعلى هيئة عندنا؛ الجميع يعمل على قضية التجديد منذ سنوات بعيدة وليس الأمر وليد اليوم كما يظن البعض، وإذا لم ينجح الأزهر في التجديد فمن ينجح إذًا؟ وهل باب الاجتهاد مفتوح للجميع ومن حق أي شخص أن يدلى فيه بدلوه؟ لا.. باب الاجتهاد مفتوح فقط لمن يملك أدواته، وليس من يلقبون أنفسهم أو يطلق عليهم بعض الإعلاميين بالباحث أو المفكر؛ لأن هؤلاء حينما تناظر أحدهم لا تجد عنده بديهيات العلم، ومعروف أن الذي يخوض فيما لا يعلم يتقول على الله تعالى بغير علم، وهذه جريمة حرمها الشرع وقرنها بالشرك، واقرأ إن شئت قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، وكذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار". وما أدوات الاجتهاد المطلوب توافرها في المجددين؟ أدوات الاجتهاد كثيرة جدًا، أولها: اشتراط صحة عقيدة المرء وملازمته للسنة، وأن يكون محصلًا لجملة من العلوم أوصلها البعض إلى 19 علمًا شرعيًا ولغويًا وتاريخيًا، أهمها: العلم بالفقه وقواعده وأصوله، والقراءات وتوجيهها، وأصول الحديث، وأحوال البشر وعادات الناس، ومعرفة سيرة النبى صلى الله عليه وسلم لأنها تطبيق عملى للقرآن، وإجادة النحو والتصريف والاشتقاق وغير ذلك من فروع اللغة، وتحصيل علوم البلاغة من معان وبيان وبديع، وهناك شرط هام يجب توافره فيمن يتصدى للاجتهاد وهو أن يكون عالمًا بالأدب قديمه وحديثه أو ما يسمى ديوان العرب. هذا التقييد يجعل البعض يقول إن الأزهر الشريف يسعى إلى إقامة دولة دينية؟ هذه ادعاءات مغرضة وخبيثة، وأبلغ رد عليها هو إعلان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير بأن الأزهر مرجعية لكافة طوائف الشعب المصري، وأبوابه مفتوحة للجميع، وفى مقولته الخالدة: "الأزهر فوق مهاترات الأحزاب" دليل قاطع على بطلان هذه الادعاءات، ومؤشر واضح على أن علماء الأزهر لا يبحثون عن سلطة؛ لأنهم لو أرادوها لما ابتعدوا عن الأحزاب، ونحن لا نؤمن بما يسمى الدولة أو السلطة الدينية أو الكهنوتية؛ شأننا في ذلك شأن الإسلام الذي نؤمن به وندافع عنه ونحمل لواءه وننشره في ربوع العالمين؛ الأزهر يؤمن بالدولة المدنية القائمة على التعددية، ولا نعترف من قريب أو بعيد ب"الدولة الدينية" لأن هذا مصطلح غربى لا يمت للإسلام بصلة. هل الأزهر هو المرجعية الوحيدة المخول لها القيام بشئون الإسلام وتبليغ الدعوة؟ نعم، وهذا بنص الدستور والقانون. لماذا تضيقون ذرعًا بالنقد.. ألستم بشرًا تصيبون وتخطئون ومن حق غيركم مواجهتكم بما يراه عيبًا فيكم؟ العصمة عندنا لا تكون إلا لنبي، والعالم الأزهرى ليس معصومًا ومثلما يصيب في اجتهاده فهو معرض للخطأ، ونحن نرحب دومًا بالنقد البناء القائم على أصول، ولكننا في الوقت ذاته حينما نرى نقدًا هدامًا ومدمرًا لن نسكت؛ لأننا إن سكتنا نتهم بأننا لسنا على قدر المسئولية. وهل نجحت وسطية الأزهر في مواجهة موجات التطرف والتكفير؟ الأزهر الشريف جهوده في محاربة الفكر المتطرف والتكفيري، أكثر من أن تذكر وأكثر من أن تحصى، ووقوفه ضد المتطرفين بكل ما يملك من وسائل أمر يراه كل ذى عينين؛ فعلى سبيل المثال وليس الحصر تجد المرصد العالمى لمكافحة التطرف الذي يتتبع فتاوى الجماعات المتطرفة على مستوى العالم بعشرة لغات، حيث يرصد العاملين به كافة الأفكار المغلوطة ويترجمونها إلى العربية، ثم يردون عليها، ويعيدونها ثانية إلى لغتها التي نشرت بها لتفنيد كل شبهة وردت بكل لغات العالم. كما أن الأزهر على مدار السنوات الماضية أطلق العديد من المبادرات وعقد مجموعة من المؤتمرات، جميعها تدور في إطار محاربة الفكر المتطرف والإرهاب حول العالم، ومنها مبادرة "الأزهر يجمعنا"، وكذلك انشأ "بيت العائلة" بهدف إيجاد سبل للتنسيق والعلاج والوقاية من وقوع الجريمة وإنهاء الخلافات قبل أن تتفاقم بين المسلميين والمسيحيين. وفى 2014، أقام الأزهر مؤتمر "الأزهر في مواجهة التطرف والإرهاب"، والذي دعا له جميع رؤساء الكنائس الشرقية، من أجل إصدار وثيقة تدين الإرهاب بشتى أنواعه، وتبعه عدة مؤتمرات أهمها "الحرية والمواطنة" والذي صدرت عنه وثيقة قيام المعاملات بين المسلمين وغيرهم التي تقوم على مبدأ المساواة، دون النظر إلى الجنس أو العرق أو الدين. وأخيرًا وليس آخرًا مؤتمر "الأزهر العالمى للسلام"، والذي شهد به القاصى والداني، ورأينا كيف لقب الحاضرون الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ب"إمام السلام"، وهذا ما نطق به بابا الفاتيكان "البابا فرانسيس" حينما قال في كلمته: "الأخ الكبير الأستاذ الدكتور أحمد الطيب إمام السلام وشيخ الأزهر"، وكل هذا قليل من كثير بذله وما زال الأزهر الشريف في مجال مكافحة الفكر المتطرف، ولا ينكر هذه الجهود إلا جاحد.