طبيب مشهور في عصره، وفى نفس الوقت كان مؤرخا للطب والأطباء، سواء قبل الإسلام أو بعده. ومزج ابن أبي أصيبعة بين العلم والتاريخ، فأخرج كتابات رائعة عن الطب والأطباء، وحفظ الأمجاد التاريخية والحضارية للأمة الإسلامية. ولد في دمشق عام 596 هجرية الموافق 1200 ميلادية، وتوفي في جبل صرخد، إحدى مدن جبل حوران عام 668 هجرية الموافق 1270 ميلادية، إنه موفق الدين أحمد بن القاسم بن خليفة الحكيم الخزرجي، وكانت كنيته "أبو العباس"، ويلقب "بابن أبي أصيبعة"، نسبة إلى جده الذي كان يعمل في بلاط الناصر"صلاح الدين". وقد كان لأسرة ابن أبي أصيبعة دور كبير في نشأته، حيث اشتهرت بالعلم والأدب، وكان لها علاقاتها الجيدة بالملوك في الشام ومصر، فتوافرت له أسباب التحصيل، فدرس الأدب والحكمة والعلوم على يد مشاهير عصره من العلماء في كل من دمشق والقاهرة. تلقى الطب عن والده الذي كان طبيبا يعالج الرمد في دمشق، وعلى يد عمه الذي كان عالما في العلوم الطبية، كما تتلمذ أيضا على يد الطبيب الدمشقي المشهور بابن الدخوار (628ه / 1230م)، وأخذ علم النبات والعقاقير من ابن البيطار( 646 ه/1248 م)، وقد أتم العلم في المارستان الناصري بالقاهرة، والذي التقى فيه بزميله علاء الدين أبي الحسن بن النفيس ( 687ه / 1288م). ثم انتظم في خدمة الدولة الأيوبية، وكانت شهرته قد وصلت إلى صرخد(مدينة بالشام)، فأرسل حاكمها في طلبه، فرحل إليه وظل بها إلى أن توفي. ولأنه كان عالما بالأدب والطب والتاريخ، ولأنه أحب أن يجمع بين الممارسة الطبية والتأليف، جاء مؤلفه الشهير (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، الكتاب الذي خلد اسمه على مر العصور. كان ابن أبي أصيبعة من العلماء الذين يعتقدون بأن النظرية والتجربة بالنسبة للطبيب تمثِّلان قطبي المعرفة الحقيقية، فبذل جهده في هذا الاتجاه، واستطاع وبكل جدارة أن يحصر أعمال ومؤلفات الأطباء الأفذاذ الأوائل والمعاصرين له في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، حتى أصبح المصدر الفريد من نوعه لتاريخ الطب في القديم والحديث، وللمعلومات الضرورية لعمالقة الحضارة الإسلامية في العلوم الطبية، ولم يعد بمقدور أي باحث في تاريخ الطب في جميع أرجاء العالم أن يستغني عن هذا المرجع العظيم حتى أنه اهتم في مجلده بعرض معلومات وافية عن الحياة الاجتماعية والعلمية في عصره وبأسلوب بسيط ودقيق. وقد ألف ابن أبي أصيبعة هذا الكتاب بناء على طلب الوزير أبي الحسن أمين الدولة بن غزال السامري، وزير الملك الصالح بن الملك العادل، وبدأ في تأليفه سنة (643ه)، وانتهى منه قبل وفاته بسنة واحدة. وعن مكانة هذا الكتاب يقول ألدو مييلي: "إن كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء، يزودنا بأهم المعلومات عن تاريخ الأطباء".