إنجاز ثورة 25 يناير الوحيد أنها أطاحت بنظام مبارك لن ينتهى التطرف ما دام هناك أمهات يوصين أبناءهن بعدم مشاركة الطعام مع زملائهم المسيحيين يجب الارتقاء بالخطاب السياسي والتعليمى والثقافى والصحفى حتى نواجه التطرف حسن البنا كان في نظرى مفكرا ومرشدا ثم أصبح قاتلا وخائنا أحببت بابا الفاتيكان الراحل «يوحنا بولس الثانى» كما لم أحب أحدا على هذه الأرض تبنى الدكتور على السمان قضية "حوار الأديان" وأخذ على عاتقه إيجاد نقاط التقاء بين الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية بدلا من البحث في نقاط الاختلاف والهجوم على الآخر فكرّس حياته للدفاع عن قيم الإسلام وتوضيح صورته الصحيحة بالخارج وفى 1989 حقق حلمه بإقامة حوار حقيقى بين المسلمين والمسيحيين بتأسيس مؤسسة الحوار الإسلامى المسيحى وأصبح رئيسا للاتحاد الدولى لحوار الثقافات والأديان وتعليم السلام (أديك) بأوروبا ومصر. اختاره الرئيس الراحل محمد أنور السادات ليكون مستشارا له وكان له دور بارز في معاهدة السلام كما كان رئيسا للجنة الحوار والعلاقات الإسلامية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية منذ 1996 إلى 2011 ومستشارًا للإمام الأكبر شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ لشئون الحوار من 2000 إلى 2006 وكان "السمان" قد نجح في تنظيم أول لقاء بين شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق- رحمه الله- مع الكاردينال فرانز كينج بفيينا، وكان لقاءً في غاية الأهمية لكونه أول خطوة مهدت الطريق أمام اتفاقية الحوار التي وقعت فيما بعد بين الأزهر والفاتيكان عام 1994 في بيرن بسويسرا. وحول ماهية حوار الأديان وجدوها ومدى نجاح مؤسسة "أديك" في نشر السلام كان لنا هذا اللقاء مع السمان... وإلى أهم ما جاء بالحوار: في شبابك كنت عضوا في جماعة الإخوان أيام حسن البنا ثم خرجت منها.. حدثنا عن ذلك؟ قضيت بجماعة الإخوان 5 سنوات من عمرى بداية من عام 1947، وحتى عام 1952، وكنت طالبا في المرحلة الثانوية في طنطا، الجماعة شكلت في هذا الوقت كل ما يمثل الوجه الحسن لما يريدون أن يبعثوا به إلى الرأى العام، وكنت مؤمنا بأن هؤلاء الناس طيبون وصالحون، وأن الانتماء لهم خير وسيأتى بالخير ونشر التسامح، وبعد أن بدأت في التجاوب مع أفكار وتفكير الجماعة، اتصدمت بأفعالهم المشينة وأفكارهم الغريبة، وكان حادث مقتل المستشار "الخازندار" نقطة التحول فقد كفرت بأفكارهم واكتشفت مدى العنف الذي يحويه فكرهم على غير الظاهر وكان هذا الحادث السبب الرئيسى في تقديم استقالتى من الجماعة، وتغيرت حياتى 180 درجة بعد أن اكتشفت وأدركت أن الجماعة تسير في خطين الأول الدعوة، والثانى الاغتيالات والقتل، وبعد أن كان حسن البنا في نظرى قائدا ومفكرا ومرشدا، أصبح قاتلا خائنا لابد من الابتعاد عن طريقه؛ لأنى أرفض القتل عمومًا، ومع قيام ثورة 23 يوليو تجاوبت معها لا سيما بعد الفكر الذي جاءت به من خلال التنمية الاجتماعية، وخلال تلك الفترة انضممت إلى مجموعة من الأصدقاء الذين يحملون أفكارًا مستنيرة. لك رأى رافض للمصالحة مع الإخوان رغم ما عرف عنك بالتسامح مع الآخر ولكن هناك من يؤيد فكر المصالحة كالدكتور "سعد الدين إبراهيم" وغيره بدعوى نشر السلام ولم شمل الوطن.. تعليقك ؟ المصالحة مع الإخوان أمر مرفوض كليًا؛ لأن المصالحة معهم ضد مصلحة الدولة، وإذا فكرنا في طرح مسألة المصالحة يجب أن يقدم الإخوان اعتذارًا للشعب المصري، ويعلنوا أسباب الاعتداء على الناس ومحاربة الدولة، وعليهم الابتعاد عن العنف ونبذ التطرف والاغتيالات، كل هذا يجب أن ينسوه بالكامل، وأنا أرى أن الإخوان لن يتركوا العنف طوال حياتهم، فهم المسئولون عن الإرهاب وهم من يسلحونه وينفقون، عليه، وبوجه عام المصالحة أمر صعب ولا توجد أي مؤشرات أن الجماعة لديها نية للتصالح، ومن ينادى بفكرة المصالحة أراهم منافقين، عليهم مراعاة مصلحة الوطن في المقام الأول، والتصالح مع هؤلاء لا يصب في مصلحة مصر؛ فتلك الجماعة تهدر دماء الأبرياء ولا تصالح مع من يريق الدماء، وعلينا أن نتعقل الأمور وننظر لمسألة المصالحة بوجه عام فلن نجد أن هناك أي نتائج عقلانية من تلك الخطوة. هل اختلف الإخوان في عهد حسن البنا عن إخوان العصر الحديث؟ أيديولوجية الإخوان من أيام حسن البنا وحتى الآن لم تختلف، وطوال عمرهم منهجهم هو العنف ومن ليس معنا فهو ضدنا، ولا أرى أي خلاف بين الجماعة في الوجهين، لكن ربما في عهد حسن البنا كانت هناك قيادات عاقلة، فالشيخ محمود جامع كان صديقا مقربا لى وكان عاقلا وبعيدا عن العنف ولكن هذا لا يمنع أن الميل إلى العنف والاغتيالات من أيديولوجية الجماعة، وكان هناك تنظيم سرى تحكمه مجموعة تخطط لعمليات الاغتيال، وكان هذا التنظيم هو الوجه الآخر للجماعة وكذلك في وقتنا الحالى نجد أن الجماعة ما زالت تتعامل مع الجماعات الإرهابية وتدعمهم وتنفذ عمليات إجرامية ترهب الناس، وبذلك نقول إن الجماعة لم ولن تتغير أيديولوجيتها حاليًا عن الماضى. عاصرت ثلاث ثورات.. أي واحدة منها تراها حققت أهدافها؟ الثلاث ثورات لها اعتبارات وظروف مختلفة، فثورة 23 يوليو عام 1952، بدأها مجموعة من ضباط القوات المسلحة وشكلوا مجلسًا لقيادتها، ثم التف الشعب حولها وأيدها منذ البداية؛ لذلك نجد أن الثورة حققت أهدافها المرجوة أو على أقل تقدير أغلب أهدافها قد تحققت، على رأسها العدالة الاجتماعية التي حققها جمال عبد الناصر، أما ثورة 25 يناير التي قامت لرفض نظام حسنى مبارك، فكان بها مشكلة وهى أن بعض القوى الشبابية أرادت تنفيذ ما هي مقتنعة به فقط، ولم تحقق ثورة يناير أي شيء من الأهداف المرجوة منها، ولم تفعل شيئًا إلا أنها أزالت نظام مبارك، وثورة 30 يونيو التي نسميها "ثورة تصحيح الطريق"، كانت بمثابة انتفاضة شعبية، حيث طالب الملايين الجيش بالنزول الشوارع وإنقاذ مصر من حكم الإخوان، وفى الفترة الحالية نعيش مرحلة تصحيح وحل مشكلات الوطن، ولكن بالطبع مازلنا نعانى من البيروقراطية والفساد. زيارة «بابا الفاتيكان» لمصر هل ترى أنها تصب في خانة عودة الحوار الدينى الإسلامى المسيحى أم دعم المسيحيين بعد التفجيرات الأخيرة ورفع روح المصريين المعنوية؟ زيارة بابا الفاتيكان جاءت كهبة من السماء علاج جروح المسيحيين والمصريين عموما؛ لأن البابا رمز كبير للدين المسيحى في العالم كله، وزيارته تزامنت مع مؤتمر الأزهر للسلام الذي دعا إليه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ونظرا لأن بابا الفاتيكان هو رمز للقيادة الدينية المتميزة أصر على أن تأتى الزيارة إلى مصر في موعدها رغم التفجيرات الأخيرة التي شهدتها كنيستا الإسكندريةوطنطا ومن قبلهما تفجير الكنيسة الكاتدرائية بالعباسية، فكانت بمثابة مواساة للمسيحيين وتضميد لجراحهم الغائرة في النفوس، وزيارة البابا تحمل رسائل طمأنة وتوحد وإعادة بث القوة في نفوس المصريين عامة والمسيحيين بشكل خاص مرة ثانية، ويحسب له إصراره على أن تكون الزيارة في موعدها بعد تلك الحوادث الإرهابية والتفجيرات الأخيرة، وإصرار البابا يدل على أنه رجل صاحب مبدأ. ماذا عن كواليس عقدك لاتفاقية "الحوار بين الأزهر والفاتيكان" عام 1998 ؟ بكل أمانة كان لسفير الفاتيكان في مصر «مايكل فيتزاجرالد» الذي تعاونت معه عشرة أعوام وكان نائبًا لرئيس لجنة الحوار داخل الفاتيكان دور كبير في توقيع هذه الاتفاقية 1998 وهى أول اتفاقية للحوار بين الأزهر والفاتيكان، وصحيح أن كل ذلك حدث وقت أن كان بابا الفاتيكان "يوحنا بولس الثانى" الراحل وكان المسئول عن كل ذلك وقد أحببته كما لم أحب أحدًا على هذه الأرض، التقيت به أربع مرات وهو رمز للسماحة والحب والتفاهم واليد الممدودة ولم أر إنسانًا بهذا التعقل والروح السمحة وحب الآخر، والقيادة الجديدة قد تختلف ولكن لا يجب أن نقطع خط الاتصال بيننا وبينهم، وأذكر أننى عندما كنت نائبًا للجنة الدائمة لحوار الأديان بالأزهر تقدمت والشيخ الزفزاف رئيس اللجنة بورقة عمل للفاتيكان في أحد الاجتماعات عنوانها «عدم التعميم في الأحكام» والحقيقة أن البابا الراحل نجح في أن تكون له شعبية وقبول واحترام على جميع المستويات والأديان وقد حضرت بنفسى مؤتمر اسيزى، حيث اجتمع رجال الدين من العالم كله ومن كل الأديان وكان لهذا آثاره النفسية في إحساس الناس بالاقتراب والتفاهم معه. ما ردك على الاتهامات التي تكال للأزهر الآن وتوصمه بالإرهاب؟ أنا مقتنع تمامًا أن الأزهر بريء من الاتهامات التي تلاحقه الآن بالإرهاب، وليس له علاقة بانتشار الإرهاب في الشرق الأوسط أو في مصر أو حتى في العالم كله، فالأزهر منذ نشأته وهو يتبنى منهج الوسطية وينبذ التشدد والعنف؛ لأن كما نرى الإرهاب يضرب كل بلاد العالم وليس مصر أو دول الشرق الأوسط فقط، ومسئولية تجديد الخطاب الدينى تقع على عاتق الجميع وعلينا أن نتعاون سويًا لإنقاذ مصر من الإرهاب ومخاطره. هل أنت مقتنع بفكرة «تجديد الخطاب الديني»؟ وكيف تكون آلية التجديد ولماذا تأخر رغم دعوة الرئيس للتجديد من 3 سنوات ؟ للأسف يتحمل الأزهر وحده المسئولية وينظر إليه بعين الاتهام بينما يجب تجديد الخطاب الصحفى والخطاب السياسي والخطاب التعليمى والثقافى وكل ما يمس تعليم الأجيال الجديدة حتى لا تقع في التطرف، فتجديد الخطاب الدينى عبارة عن حرب فكرية، يجب تجاوزها والنجاح فيها وذلك بإعداد العدة لها باشتراك كل مؤسسات الدولة جميعها، وعلينا أن نعترف بأن هناك مشكلة قبل حلها، ولكن هناك نوعا من العند بعدم الاعتراف بأن التعليم به نوع من الشوائب، وكذلك أن هناك تقصيرا في الناحية الثقافية، وعلينا النظر إلى الأسرة أيضًا لأن النشأة عامل معهم في تشكيل وعى الفرد ولن نقول تأخرنا ولكن علينا أن نبدأ. حدثنا عن نشأتك بمدرسة ابتدائية للأقباط في مدينة طنطا.. وهل أثرت في نمو وعيك ومستقبلك الذي جعل منك رئيسا لاتحاد الثقافات وحوار الأديان؟ في البداية كنت في مدرسة ابتدائية عادية ولم أكمل فيها سنتين، ثم التحقت بمدرسة الأقباط الابتدائية، وكنت أول تلميذ مسلم يلتحق بتلك المدرسة وتبعنى بعدها العديد من الطلاب، وأنا من عائلة متدينة جدًا، وتلك البيئة التي تربيت فيها من مدرسة للأقباط ومنزل ملتزم بتعاليم الإسلام جعلت منى شخصية متسامحة قادرة على تقبل الآخر بصدر رحب، فكنت أصلى مع والدى الفجر، ثم أذهب للمدرسة التي بها كنيسة وكنت أسمع صوت القداس، وأحترمه وهذا سبب إيمانى بحوار الأديان منذ الصغر وبمسألة حقوق الآخرين، ثم تعمقت تجربة التآلف الدينى في كطالب جامعى بجامعة الإسكندرية، ثم كطالب مسلم في مجتمع مسيحى في جامعة جرينوبل في فرنسا الآخر وعقيدتة. هل الأسرة كان لها دور في تكوين أفكارك ؟ من حسن حظى أنى نشأت في أسرة متدينة علمتنى معنى التسامح، وهذا مبدأ أصيل من مبادئ الدين والسماحة جزء كبير من شخصيتى ولا أعرف معنى كراهية الآخرين أو الحقد عليهم، ونجد حاليًا الأسر المصرية تفتقد لقيمة التسامح، فهناك عمليات شحن للأطفال ضد زملائهم المسيحيين، ونجد الأمهات يوصين أبناءهن بعدم التعامل أو اللعب أو مشاركة الطعام مع زملائهم المسيحيين، وبهذا الشكل ينمو داخل كل طفل بذرة تطرف قد تكبر إذا وجدت من يرعاها.