تسلل ضوء خافت، حيث يلقي جسده، لامس عن استيحاء ممرات وجهه، تباعدا جفناه؛ ليكشفا عن عينين تحاول النهوض، ففي الخارج مستقبل ثقيل، همَّ للنهوض، إلا أن شيئا ما يجذبه لحيث ينام، فشباب الجسد قد ولى، ولم يبق منه سوى أعضاء تصارع من أجل البقاء. «زكي أحمد» أو كما يطلق عليه «عم زكي»، تجاوز ال90 عاما، اغتصب منه الزمن كل شيء، أفقده «عذرية الكهل»، فلا مناطق محرمة لديه، سنوات العمر مبعثرة على «أسفلت» شارع النخله بالمنصورة. الزمن طبع أوجاعه فوق «وجهه»، فالمنحنيات تحكي عن مرارة الأيام التي عاشها، عصاه سنده لمواجهة انكسارات الدنيا، حذاءه الممزق يتحدث عن الممرات الضيقة التي كانت طريقه طوال ال93 عاما. في الخامسة صباحا يبدأ يومه، يخرج من منزله مستندا على عصاه، وحزاما ملفوف حول خصره، يسحب من خلاله «عربة خشبيه»، يتنقل بصعوبه بين شوارع المنصورة؛ لجمع ال«كراتين»؛ لبيعها، وجمع ثمنها لسد احتياجاته. معاناة «عم زكي» لم تكن يوما سبب ضجر أو تذمر، لكنه دائما ما يشعر بالرضى، يقاوم المرض بالعمل لسد احتياجاته، يجمع كل يوم «الكراتين» و«الأوراق» ويبيعها بمبالغ مالية بسيطة، ولكنه راض بما يقسمه له ربه بعد كل يوم من العمل. في شقة سكنية صغيرة بمنطقة الجلاء، في مدينة المنصورة، يعيش «عم زكي» بالإيجار، مع أسرته، المكونة من «الابنة» و«الزوجة»، وهو العائل الوحيد لهما. «عم زكي» لم يعتمد يوما على الآخرين، فيقول: «أعمل من صغري ولم أعتمد على مساعدة الآخرين، بالرغم من مرضي في العظام، ولكنني أعلم أن العمل عبادة، وسأظل أعمل حتى نهاية عمري، بالرغم من مساعدة الكثيرين لي، ولكنني أعشق العمل؛ من أجل أن أطعم أسرتي بالحلال». ويضيف: «بجمع الأوراق والكراتين وأقوم ببيعها وأرضى بما يقسمة ربي كل يوم.. ولكن كل ما أتمناه أن أزور بيت الله».