أما قبلُ.. حين يأخذك هواك لكتابٍ خصصه صاحبه لثقافة العرب قبل الإسلام، حتما ستقع عيناك على ازدراءٍ وامتهانٍ لحقوق المرأة، التي لم تكن آنذاك إلا خادمةً أو جاريةً في أحيان كثيرة، جردوها من حقها في الميراث، هذا إن تركوها حيّة ولم يئدوها.. هذا الازدراء يظهر جليا حين تعرف أن العرب قبل الإسلام إذا حاضت المرأة طرحوها خارج البيت، ولا تدخل إلا بعد انتهاء حيضها. بدايةً لستُ مفسرًا ولا أدعي.. إلا أن لغطًا أُثير حول تفسير الآية الكريمة «وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» لذا وجب وضع تفاسير مختلفة في هذا الشأن وإيضاح ما خفي، وما خفي كان بالفعل أعظم. لم يحمل الإسلام في جعبته كرها للنساء أو تمييزًا لهن، كل ما هنالك أن سوء تفسير قاد الكثيرين - بقصد أو بدون- إلى ما لا يُحمد عقباه.. فقبل كل شئ لابد من الإشارة إلى أن الحديث موجه للمرأة الناشز والنشوز في اللغة: الامتناع عن القيام بحقوق الزوجية. والجمع نَواْشِز ، هي الزوجة التي استعصت على زوجها ومنعته حقّه، وليس معنى ذلك أن التي لم تحضر كوب شاي لزوجها ناشز.. الناشز المرأة التي فاض الكيل في نصحها، تلك التي لا تطيع زوجها في أي شئ يطلبه منها. هذا عن معني النشوز.. فماذا يفعل الزوج معها؟ القرآن الكريم بيّن لنا في نفس الآية حكم التعامل مع تلك المرأة بأن نعظها، وهنا ذهب العلماء إلى حديث الرسول صلي الله عليه وسلم حين قال «مروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»، فربطوا بين عظة الأطفال وعظة الزوجة، فطالما أن الفترة التي نعظ فيها الأطفال ثلاث سنوات تكون نفس الفترة للزوجة، أي أنك تعظ زوجتك في أمر معين تكرهه ثلاث سنوات. هَبْ أنها لم تستجب للنصح، فأنت الآن مطالب بهجرها في المضجع، كأن تدير وجهك عنها أثناء النوم.. ولا شك أن المرأة «السوية» يؤلمها هذا الفعل أشد إيلام، فقد أوصلتَ لها أنك لا تطيق النظر إلى وجهها. أما المرحلة الثالثة في التعامل مع «الناشز» فهي الضرب شريطة ألا يكون ضربا مبرحا، يكفي أن يكون بالإصبع كنوع من أنواع التأنيب والتأديب، وألا يضربها على وجهها، وألا يشتمها بالتقبيح، فالقصد هنا حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر والانتقام. وعلي صعيد آخر وقف أحد العلماء مع حديث «واضربوهم على عشر»، وذهب بتأويلها إلي ناحية أخري حيث رأي أن المقصود بالضرب هنا ليس الضرب المعروف، حيث إن الطفل في العاشرة لم يكلف فكيف يُضرب، واستند إلى معني كلمة الضرب في الآيات التالية وأن معناه هنا ليس الضرب الذي نعرفه، قال تعالى «ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم»، حيث كلمة الضرب هنا لها معني آخر وأيضا قوله تعالى «وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة»، وقوله «أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ»، وقوله «وليضربن بخمورهن على جيوبهن» وقوله تعالى «وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا»، وقوله «فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا». فرأى أن الضرب هنا يحمل في معناه الابتعاد عن المرأة وهجرها وتركها، فكلمة ضرب في بعض الآيات السابقة تحمل هذا المعني، وربط ذلك بخصام النبي صلي الله عليه وسلم لزوجاته حين اجتمعوا عليه لزيادة النفقة، فتركهم شهرا كاملا وبقي في المسجد. بَيْدَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضرب أبدا بيده لا امرأة ولا خادم، إنما كان حديثه لتوضيح الضرب وتحجيمه، حيث قال في حديثه «لن يضرب خياركم». الغريب أن وفقا لتقرير «Human Rights Watch» فإن ضرب السيدات من الأزواج أو الأصدقاء في أوروبا سبب رئيسي في وفاة السيدات في السن بين 16 و44 عاما، حيث أوردت أن هناك 4 آلاف حالة قتل سنوية في أوروبا للسيدات من قبل الأزواج أو الأصدقاء.