مشكلة حلايب وشلاتين بين السياسة والتاريخ حلايب مصرية باعتراف مصر والسودان والسياسة لن تغير الحقائق التاريخية والجغرافية دراسة اعدها : الدكتور صفوت حسين - مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية التربية جامعة دمنهور. تحققت وحدة وادي النيل على يد محمد على بفتح السودان بين عامى 1820- 1882،والذي كان يتكون من عدة ممالك وسلطنات أهمها مملكة الفونج الإسلامية, وقد استمرت وحدة وادي النيل حتى الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، الذي استغل أحداث الثورة المهدية في السودان لإجبار مصر على الانسحاب من السودان، وهو ما تحقق بالفعل , بعد سقوط الخرطوم في يد المهدي عام 1885 . وقد أدى انسحاب مصر من السودان إلى تكالب الدول الأوروبية على ملحقات السودان في اريتريا والصومال وبحر الغزال وخط الاستواء وأوغندة ، التي كانت تخضع جميعها لمصر , لذا قررت بريطانيا - حرصا على مصالحها - استرجاع السودان ،وهو ما تحقق بالفعل من خلال الحملة العسكرية (المصرية - البريطانية) المشتركة على السودان التي استمرت من 1896 الي 1898 . وقد فرضت بريطانيا على مصر - عقب استرداد السودان - نظاماً لحكم السودان عرف بنظام الحكم الثنائي، والذي وضع أساسه اللورد كرومر، وقد صرح بأنه "من الممكن للسودان ألا يصبح إنجليزيا ولا مصريا بل يكون إنجليزيا مصريا". وقد ترجمت هذه النظرية من خلال اتفاقية الحكم الثنائي 1899 التي نصت المادة الأولى منها على "تطلق لفظة السودان في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة إلى جنوبي الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض ..." لقد جاءت هذه المادة لتكرس الانفصال بين شطري وادي النيل , بوضع حدود مصطنعة بين مصر والسودان لأول مرة منذ تحقيق وحدة وادي النيل في عهد محمد على , في الوقت الذي تجاهلت فيه الاتفاقية تحديد باقي حدود السودان تنفيذا للسياسة البريطانية القائمة على فصل جنوب وادي النيل عن شماله . لقد ترتب على وضع هذه الحدود المصطنعة لأول مرة بين مصر والسودان ظهور بعض المشكلات على أرض الواقع , فقد قسمت هذه الحدود قبائل البشاريين والعبابدة المنتشرة على خط الحدود الى نصفين , لذلك تدخل ناظر "وزير " الداخلية المصري لإصدار عدد من القرارات عام 1899و1902و1907 لتحقيق وحدة القبائل، وما يعنينا هو القرار الذي أصدره وزير الداخلية مصطفى باشا فهمي بإلحاق أراضى قبيلة البشاريين شمال خط عرض 22 في منطقة حلايب وشلاتين الخاضعة لمصر للإدارة السودانية . وتمر السنوات , وفى أعقاب مشكلة 1958 توارارت المشكلة تماما من الساحة بعد الانقلاب العسكرى الذى قاده عبود 1958 فى السودان ثم شهدت العلاقات تحسنا فى عهد جعفر نميرى (1969 – 1985) الذى تصاعد فيه الحديث عن التكامل بين البلدين، وبعد الانقلاب الذى قاده سوار الذهب على النميرى عام 1985، وإجراء الانتخابات تولى زعيم حزب الأمة الصادق المهدى الوزارة عام 1986 , فقد ساءت العلاقات فى عهده مع مصر . ثم وقع انقلاب البشير في يونيو1989 الذي رحبت به مصر فى البداية، ولكن سرعان ما توترت العلاقات بين مصر والسودان بعد أن تكشفت العلاقة بين البشير وحسن الترابى زعيم الجبهة القومية الإسلامية، وماترتب عليها من دعم السودان للإسلاميين , بالإضافة الى ازدياد وتيرة العلاقة بين السودان وايران، وفى ظل الأجواء المتوترة بين البلدين طفت على السطح مشكلة حلايب مرة أخرى وبقوة عام 1991 بعد أن منح السودان إحدى الشركات الكندية حق التنقيب عن البترول فى حلايب، وسمح لبعثة يابانية بالتنقيب على الآثار بها ، وهو ما اعترضت عليه مصر, واعتبرت الخطوات التى قامت بها السودان اخلالا بالسيادة المصرية على حلايب ، وقامت مصر بطرح مزايدة للتنقيب عن البترول فيها، وأعلنت عن خطة لتعمير حلايب، وهو ما ردت عليه السودان بخطة مماثلة ، وحاولت كل دولة تدعيم وجودها على الأرض . وقد جرت اتصالات دبلوماسية بين البلدين لإحتواء المشكلة , وتم تشكيل لجنة برئاسة وكيلى وزارة الخارجية فى البلدين، وقد عقدت اللجنة اجتماعين لتسوية المشكلة ، الأول فى مارس 1992،والثانى فى اكتوبر 1992،دون أن يتم التوصل الى أى نتائج ، وفى ديسمبر 1992 رفع السودان الأمر الى مجلس الامن , مؤكدا أن حلايب سودانية , متهما مصر باتخاذ إجراءات لتغيير هوية وضع المنطقة بحيث تصبح فى النهاية تابعة لمصر، وعلى رأس هذه الاجراءات التى ذكرتها السودان توغل القوات المصرية فى حلايب . وقد ردت مصر بمذكرة لوزير الخارجية المصرية - انذاك- عمرو موسى أكد فيه على سيادة مصر على حلايب ،وأن القوات المصرية لم تتجاوز خط 22 الذي يشكل الحد الفاصل بين مصر والسودان , ويعتبر هذا الخطاب وثيقة مهمة تعبر عن وجهة نظر مصر الرسمية من حلايب . وقد اشتعل الموقف مرة أخرى مع المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس السابق مبارك فى أديس أباباعام 1995 , وإتهام السودان بالوقوف وراء محاولة الاغتيال وتوتر العلاقات بين البلدين، وقيام مصر بفرض سيطرتها التامة على حلايب. وبعد سنوات من القطيعة , وفى ديسمبر عام 1999زار البشير مصر بناء على دعوة من الرئيس السابق مبارك , وقد اتفق الطرفان على اتخاذ عدة خطوات لتحسين العلاقات بين الدولتين , وفي ما يخص حلايب اتفق الرئيسان على ضرورة حلها في إطار أخوي والعمل على اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة لتحويل منطقة حلايب إلى منطقة للتكامل بين البلدين, وأكد الرئيس السوداني أن مشكلة حلايب لن تقف حائلاً دون عودة العلاقات مع مصر إلى مجراها. ومع تحسن العلاقات بين مصر والسودان , خاصة بعد الانفصال بين البشير والترابى , إلا أن الأزمة ظلت تطفو على السطح من حين لاخر, فى ظل بعض التصريحات الصادرة من الجانب السودانى , فقد صرح الرئيس السوداني عمر البشير لصحيفة الوطن القطرية في 17- 8- 2002م بأن منطقة حلايب وشلاتين هي أرض سودانية، مشدداً على أن بلاده لن تتنازل أبداً عن المطالبة بها، وأوضح أن الخرطوم جددت المطالبة بها قبل أشهر قليلة أمام مجلس الأمن الدولي, وهكذا تظل المشكلة وإثارتها من وقت لاخر مرتبطة بطبيعة العلاقة بين البلدين والأوضاع الداخلية. وقد جاءت زيارة د مرسى للسودان لتثير بلبلة حول قضية حلايب , بعد نقل تصريحات غير دقيقة نسبت الى موسى محمد أحمد - مساعد الرئيس السودانى -عن وعد مرسى للسودان بإعادة حلايب الى السودان ،وهو ما نفته الرئاسة المصرية , وأكدت أن المباحثات خلال الزيارة لم تتطرق لهذا الموضوع، وأكدت على موقف مصر الثابت من هذه القضية , وهو مانفاه أيضا المسئول السودانى بعد ذلك ، وقد أوضح المسئول السودانى أنه طلب من الرئيس المصري محمد مرسي- خلال لقائه بالخرطوم- إعادة الأوضاع في مثلث "حلايب" إلى ما كانت عليه قبل العام 1995 , وأن الأخير وعده ب"إزالة الاحتقان في العلاقة بين البلدين", وقد حاولت بعض القوى المعارضة للرئيس إثارة البلبلة واستغلال هذا اللغط لتوجيه الاتهام للرئيس والإخوان بالتفريط فى السيادة الوطنية. لا نريد أن ندخل فى مثل هذه المهاترات وتبادل الاتهامات فى قضية عليها إجماع وطني ، ولا أعتقد أن هناك مصري واحد يقبل بالتنازل عن ذرة تراب واحدة من أرض مصر , وقضية السيادة المصرية على حلايب قضية منتهية بالوثائق والمستندات ولا مجال للتفاوض حولها.