عام مضى على إصدار جريدة «فيتو».. الأحداث المتلاحقة لم تشعرنا بطول الأيام ولا بثقل الشهور التى مرت، رغم ما شهدته مصر من أحداث جِسام تلت ثورتنا العظيمة.. نعم شاركنا فى الأحداث، وكنا فاعلينا بها بأقلامنا وجريدتنا الورقية الأسبوعية.. لا أنسى ما عانيناه من اضطهاد نحن "الفشارين" على يد النظام السابق والنظام الذى سبقه.. فمنذ أن أمر الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعدم السماح للفشارين بالكتابة فى الصحف ونحن نعانى هنا وهناك.. تتهافت علينا الصحف العالمية ونكتب فيها، لكن كتاباتنا كانت بلا طعم أبدا.. وعندما جاء نظام مبارك تنفسنا الصعداء وقلنا لا مشكلة بيننا وبين الرجل.. وحاولنا العودة للكتابة فى الصحف المصرية إلا أن القائمين عليها خشوا على أنفسهم منا، رغم تسابقهم فى استمالتنا للكتابة بصحفهم، لكن بعد أن يحصلوا على الضوء الأخضر، من القائمين على مراقبة الصحف الذين قاموا بدورهم بسؤال القائمين على شئون القصر الجمهورى الذين لم يترددوا فى الهمس للرئيس المخلوع مبارك بأن الفشارين يرغبون فى العودة للكتابة فى الصحف المصرية، فما كان من الرجل إلا أن نهرهم وقال لهم: أنا لا أتحمل منهم هذا الكم من النقد اللاذع، ومن كشفهم لكل ما يدور فى الكواليس بطريقة لم تشهدها الصحف المصرية من قبل. لم يتردد القائم على شئون ديوان الرئاسة فى إبلاغ القائمين على رقابة الصحف بأن إياكم والفشارين، فالرئيس قلق منهم جدا، فقاموا بدورهم بإبلاغ القائمين على الصحف بألا مجال للفشارين هنا، حتى وصل إلينا الخبر.. وما كان يدهشنا فى هذا الوقت أن صحفا كانت تنطق بلسان المعارضة أبت أيضا أن تستضيفنا على صفحاتها خوفا من بطش الرئيس ورجاله، مما جعلنا ندرك –آنذاك- ألا معارضة فى مصر وأن المعارضة سواء صحفا كانت أو أحزابا ما هى إلا معارضة كرتونية، وهذا ما نشرناه فى الصحف الأجنبية، ومن يومها عرفت مصر وصحفها مصطلح أحزب كرتونية وصحف كرتونية.. ومرت السنوات تلو السنوات، حتى شاخ النظام وشاخ الرئيس وشاخ وزراؤه وشاخت بطانته وجاءتهم هجمة شبابية أطاحت بهم وألقت بهم فى السجون.. كان الشباب الصاعد الواعد أكثر اطِّلاعا وقراءة للأحداث من الأجيال السابقة، وكانوا يراسلوننا ويؤكدون لنا أنهم يقرءون ما ننشره فى صحف الخارج، وأنهم فخورون بنا ويقدرون نضالنا ضد الحكام المفسدين الذين دمروا اقتصاد مصر حتى انتشرت البطالة بين الشباب، وأصبح ال«فيس بوك» هو وسيلتهم للتعبير عن أنفسهم، وكنا فى ذلك الوقت نشاركهم التواصل ونحمسهم حتى كانت ثورة 25 يناير.. قامت الثورة وسجن من سجن وتنحى من تنحى واستشهد من أجل ذلك خيرة شباب مصر.. طالب الشباب بعودتنا لمصرنا الغالية، وأبدوا اشتياقهم لكتاباتنا فى الصحف المصرية.. ولكن كانت هناك تحذيرات ممن تسلموا السلطة من أقلامنا، وبدأت التحذيرات إلا أننا فوجئنا بالصحف المصرية كلها تتهافت على مجموعة فشارين مصر، وجاءتنا عروضا مغرية جدا.. وهنا وقف زميلى اللمض سحلول القاضى وقال: لا لن نقبل أيا من تلك العروض.. فكل هذه الصحف قد لفظتنا من قبل خوفا من بطش الحكام.. كنت استمع لسحلول وأنا منبهر.. سعيد بتلاميذى الواثقين من أنفسهم.. العروض ما زالت فى تزايد والمقابل المادى فى ارتفاع.. وزميلتى سطوطة تقول لى: هل لهذه الدرجة تغيرت مصر؟ فأقول لها: لكن الوجوه هى هى وقابلة للعودة لأصلها فى أى وقت، وكل هذه الإصدارات التى تعرض علينا الكتابة فيها كانت موجودة من قبل الثورة.. وهنا رن جرس هاتفى لأجد رقم الصديق عصام كامل -الذى كانت تربطنى به علاقة صداقة وما زالت- يطلب منى الكتابة معه فى جريدة «فيتو».. كان مقالات عصام كامل فى جريدة الأحرار تحت عنوان "فيتو" ساخرة لاذعة بالقدر الذى يجعله يزور ليمان طره كل أسبوع مرة.. وكنت متابعا جيدا لمقاله، كما كان هو متابعا جيدا لكتاباتى أنا ومجموعة الفشارين المصريين فى الخارج.. عرض عصام علينا الكتابة فى «فيتو» الوليدة، وأكد لنا أنه خصص لنا صفحة فى الجريدة أسماها ب«درب الفشارين» من قبل أن نأذن له.. ويبدو أن الشاب اللاذع الساخر كان يرى أننا لن نرفض طلبه.. نظرت إلى زملائى سحلول وسطوطة وعرفة بستلة، فرأيتهم يهزون رءوسهم بالموافقة المبدئية لأنهم رأوا فى «فيتو» جريدة وليدة واستمعوا لأفكار عصام فوجدوها جريئة ساخنة فى وجه نظام جديد لن تجدى معه المهادنة وإلا سيأكل الأخضر واليابس على أرض مصر.. قالت الزميلة سطوطة الفنجرى: سنبدأ مع «فيتو» الجديدة.. فكل الصحف التى تلهث خلفنا قد رفضتنا من قبل خوفا وهلعا من أقلامنا.. وقال سحلول: فلتكن «فيتو».. وهتف عرفة بستلة: نعم لدرب الفشارين بفيتو.. ومن هنا بدأت مسيرتنا مع الصحيفة التى أكملت عامها الأول، وها نحن نحتفل بمروره بحلوه ومره.. كانت كتاباتنا طيلة هذا العام تؤرق النظام الحاكم، سواء المجلس العسكرى أو الإخوان المسلمين من بعده.. قضايا عديدة رفعها الإخوان ومكتب إرشادهم ضد الجريدة بسبب أقلامنا، حتى ظننا أننا نرهق رئيس مجلس إدارة الجريدة حسام صبرى ورئيس التحرير عصام كامل، إلا أنهما لم يبديا لنا أى قلق أو خوف.. كنا نفشر ونفشر ونفشر فيصدقنا القراء.. لم نكن نريد من القراء أن يصدقوا ما نكتب، فنحن فقط نتوقع الأحداث حسب خيالنا.. إلا أن الإخوان المسلمين بعد أن وصلوا للحكم فاقوا كل التخيلات والتوقعات.. فلقد أجرينا حوارا افتراضيا مع مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع، وقال لنا خلاله: سنخوض الانتخابات على جميع المقاعد وهذا سر بينى وبينكم لا تنشروه.. فضحك منا القراء ساعتها، ولكنهم فوجئوا بالإخوان يفعلونها.. ثم فى حوار افتراضى أيضا مع خيرت الشاطر أجرته الزميلة سطوطة الفنجرى قال لها: إنه سيترشح للرئاسة.. فاندهش القراء منا. وقالوا: كيف هذا والإخوان وعدوا بأنهم لن يترشحوا للرئاسة.. ثم حدث ذلك بالفعل بعدها بشهر واحد.. توالت مفاجات الإخوان لنا وللقراء بأنهم يسبقون الخيال فى طمعهم ونهمهم للسلطة، حتى بات القراء يصدقوننا فى كل ما نكتب من تخيلات وتوقعات وحوارات افتراضية.. وتحولنا بفعل الإخوان إلى محللين سياسيين ومنجمين وقارئى فنجان.. أصبحنا نضحك من أنفسنا كلما هم الإخوان على فعل شيء كنا قد تنبأنا به على سبيل الفشر والتسلية.. وبعد مرور عام من إصدار الجريدة.. عام من الخيال والكتابات الافتراضية التى تحولت إلى سبق صحفى يتباهى به القائمون على جريدة "فيتو"، حتى أصبح عصام كامل رئيس التحرير يضحك منا ويقول لنا: أنتم لا تفشرون أنتم تتوقعون.. أنا أريد فشر.. الإخوان هم الفشرة الكبرى يا عصام.. الإخوان أبطلوا مفعولنا يا حسام.. زميلتى سطوطة أجرت حواراتها الافتراضية مع الجنزورى الذى شكا لها من أفعال الإخوان.. وتوقعت رحيله.. وبالفعل رحل فى نفس الأسبوع.. توقعت أنا وصول مرسى للإعادة أمام أحمد شفيق وفوز مرسى وها هو قد حدث.. كل ما كنا نظنه فوق الخيال حققه الإخوان.. لذلك قررنا نحن أعضاء درب الفشارين بجريدة «فيتو» الكف عن الفشر وعدم إجراء أى حوارات افتراضية، وخاصة مع الإخوان، فآخر حوار لى مع المرشد قال لى فيه: إن مصر ستتأخون والحرب ستكون بيننا وبين السلفيين ولن يكون هناك وجود لأى معارضة من العلمانيين والليبراليين.. فإذا تحقق هذا أيضا من الممكن أن انتحر أنا حتى أكف عن الفشر فى زمن الإخوان.. وكذلك الزميلة سطوطة فى حوارها الأخير مع الشاطر ذكر لها أنه قارون مصر، وانه اشترى نصفها وجارى شراء النصف الآخر عقب حصول الإخوان على الأغلبية فى مجلس الشعب المقبل.. فهل يتحقق هذا أيضا؟ الله أعلم.. فنحن نفشر ونفترض من أجل التسلية والإضحاك.. لكن الإخوان يسبقون كل ما هو خيالى حتى باتوا هم تسليتنا الحقيقية ومبعث ضحكنا.. لذا قررت أيضا اعتزال الفشر على يد الإخوان المسلمين واعتزلنا جميعا؛ خوفا من أن تخرج فشرة من أحدنا بأن الإخوان دمروا أمريكا وحكموا العالم فيتحقق هذا.. وتكون نكبة على العالم أجمع.. وفى النهاية لا يسعنا إلا أن نقول: تبنا إلى الله على يد الإخوان.. وكل عام ومصر بخير وقراؤنا بخير.. ورئيس مجلس إدارة «فيتو» ورئيس تحريرها ومدير تحريرها ومحرروها والعاملون بها بخير بمناسبة مرور العام الأول على مطبوعتنا الجميلة.. وشكر خاص لمستضيفنا فى درب الفشارين الصديق «حسن شاهين» الذى يقول من هول ما نحن فيه: "كذب الإخوان ولو صدفوا". وندعوكم أنا وزملائى فى درب الفشارين للاحتفل بهذه المناسبة.. قيدوا معنا أول شمعة فى عمر «فيتو» الورقية.. وبهذه المناسبة نلقاكم أيضا فى مولودنا الجديد بوابة «فيتو» الإلكترونية التى ستنطلق فى نفس الوقت بموقع ساخر هو الأول من نوعه فى الشرق الأوسط، لتملأ الفضاء الإلكترونى كما سنملأ فضاءنا ببالونات الاحتفال ب«فيتو».. كل عام وأنتم بخير وزورونا فى الموقع الساخر داخل البوابة.. فلا فشر بعد اليوم.. ففى زمن الإخوان ما حدش ضامن يمشى آمن ولا مِآمِن يمشى فين!