«فات الكتير يا بلادنا.. مبقاش إلا القليل» جملة أطلقها «غزالي»، أثناء الحرب ضد إسرائيل، وظلت معه كهتاف يعيش به، ويعيش به الوطن، كلما مر بفترة صعبة، انطلق هتاف غزالي الشهير؛ ليكون شعار الأمة وقتها. لقب الكابتن ولد محمد أحمد غزالي في يوم 10 نوفمبر 1928، بمحافظة أبنود، في قنا، إلا أنه عاش في محافظة السويس منذ الطفولة، وكانت اهتماماته وقتها هي الرياضة والقراءة فقط. عشق غزالي رياضة المصارعة، وكان لاعبا ثم مدربا في نادي اتحاد السويس القديم، ومن هنا حصل على لقب الكابتن؛ ليصبح اسم الكابتن غزالي علامة في تاريخ المقاومة الشعبية في السويس. ودرس غزالي في مدرسة السويس للصناعات البحرية، ثم قسم الدراسات الحرة في معهد «ليوناردو دافنشي»، وعمل موظفا في مديرية الزراعة في السويس. المقاومة بالشعر اتخذ الكابتن غزالي من الشعر سلاحا له؛ لمقاومة الاستعمار، ففي البداية كان غزالي هو كاتب شعارات الهتافات ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، ثم بدأت تت طباعة شعاراته على جدران المباني. ومع احتدام المعارك بين المصريين والإنجليز، وصولا لمعركة أحمد عبد القديم، والتي دمرت فيها قوات الإنجليز حي أحمد عبده كاملا، ونسفته بالمفرقعات عام 1952، نظم حلقة شعرية لشباب السويس؛ ليشدو بالأشعار والأغاني ضد الاحتلال الإنجليزي. غزالي أيضا عشق عبد الناصر، عقب ثورة 1952، وعقب جلاء الإنجليز، وكان شعره يصف دائما البطل المصري، الذي أعاد للوطن كرامته، إلا أن النكسة جاءت، ولم تأتي الرياح كما تشتهي السفن؛ ليتجه غزالي لطريق أطول وأصعب، في محاربة الاحتلال، فكون فرقة «ولاد الأرض». ولاد الأرض وقرر «غزالي» أن يجمع الشعراء والمطربين وعازفي السمسمية في فرقة واحدة؛ ليكون شعارها المقاومة بالغناء، وكانت فرقة «ولاد الأرض» والتي انضم لها لفترة، الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي. وجابت الفرقة محافظات مصر كلها، وكذلك الجبهة؛ لتكون أغانيها من نار ورصاص، تصب الغضب على المعتدين والمقصرين في الداخل؛ لتكون أول كلماته: «ملعون أي خاين.. يرعش يوم النضال». ومن أغاني فرقة «ولاد الأرض»: «وعضم ولادنا نلمه نلمه نسنه نسنه ونعمل منه مدافع وندافع ونجيب النصر هدية لمصر» وكذلك أغنية: «فات الكثير يا بلادنا.. مبقاش إلا القليل» والتي قام «منير» مؤخرا بغنائها. وكان غزالي يقول: إن العدو الإسرائيلي حينما كان يراهم يحتفلون ويغنون ويرقصون، كان يشتد غضبه، حيث تأكد أنه لم يكسر المصريين نفسيا، ومع عمليات الاستنزاف كان النصر قادم، وكان دور الفرقة كنشرة أخبار للفدائيين، ولكن بشكل فني، وكذلك وسيلة تسلية لهم، وتحفيز وتشجيع وبث لروح الوطنية. السجن والعودة للسويس كانت أشعار «غزالي» كطبول تدق ناقوس الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكانت تحفز المواطنين للمطالبة بخوض معركة الاستقلال، وكان ذلك أحد أسباب معارضته للرئيس أنور السادات، مما تسبب في اعتقاله في مارس 1973، وتحديد إقامته في بنها. ولم يعد غزالي مرة أخرى، إلا بعد الحرب، وانتهاء حصار السويس، ولكنه عاد ليعرف أن فكرته ظلت باقية، وأغانيه تشدو مع المقاومة في غيابه حتى؛ لتكون ولاد الأرض فكرة، والفكرة لا تموت؛ لتنتشر فكرة المقاومة بالغناء في كل أنحاء مدن القناة عقب ذلك. استمرار المقاومة وكأن المقاومة فرضت عليه حتى في السلم، اتخذ غزالي طريق مقاومة الجهل، فكان يلتف حوله الأدباء والمثقفين، والشباب يلتمسون منه العلم والفكر والثقافة والسياسة، وحلقات شعر الكابتن غزالي عقب 1973، سجلتها السينما في فيلم «الغريب»، وحتى موت الكابتن غزالي، وهو على مشارف أن يصل عمره إلى 90 عاما، كان يخرج على قدميه يفتح دكانه، والذي كان عبارة عن مكتبة ضخمة، بها آلاف الكتب؛ ليقوم بتوزيع الكتب على محتاجينها من الشباب، راغبي العلم والثقافة، ثم يجلس على مقاهي السويس القديمة؛ ليقول رأيه في كل القضايا المحيطة، أو يشجع شباب الشعراء الجدد في نوادي الأدب. ولم يكن داعما للشباب فقط في الشعر، ولكن في السياسة أيضا، فغزالي أحد مشاركي ثورة 25 يناير، وكذلك 30 يونيو، بتوقيعه على استمارة «تمرد» داخل مكتبه.