وفقًا للأرقام والتقارير الرسمية، سيكون من الطبيعى التأكيد أن مصر لم تشهد ملفا أكثر تعقيدًا مثل ملف "أراضى الدولة" بمختلف جهات الولاية عليها، فوضع اليد أو التملك دون دفع المقابل يمكن القول إنه أصبح بمثابة "الميراث الصعب" الذي تتناقله الحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد، مع الأخذ في الاعتبار هنا أن الحكومات تلك فشلت في تحصيل حق الشعب، أو حتى التوفيق بين جهاتها الرسمية المتنازعة، بعد أن حصلت جهات حكومية كثيرة على أراض ملك لجهات أخرى في الدولة دون تسديد أي رسوم على مدى عقود لتتراكم المليارات عليها، ولعل المثال الصارخ لهذا الأمر الأزمة الحالية بين محافظة الإسكندرية وهيئة الإصلاح الزراعى التي لها متأخرات لدى المحافظة وبعض الجهات العامة والخاصة بها تقدر بمليارات الجنيهات. تفاصيل الأزمة كشفها طلب وزير الزراعة واستصلاح الأراضى الدكتور عبد المنعم البنا، من هيئة الإصلاح الزراعى بيانا عن أكثر المحافظات والجهات مديونية للهيئة، ليقدم له تقرير يكشف أن محافظة الإسكندرية تدين للهيئة ب3.2 مليارات جنيه تراكمت عبر السنوات، وتمثل 90% من مديونيات جهات الدولة للإصلاح الزراعي. المديونية الأكبر في محافظة الإسكندرية لوزارة الزراعة كانت من نصيب نادي سموحة الرياضى الذي يدين لهيئة الإصلاح الزراعى ب2.1 مليار جنيه، قيمة إيجار مساحة 150 فدانا و3 قراريط و7 أسهم من أراضى الإصلاح الزراعي، وهى مساحات وضع النادي يده عليها ضمن المساحات السابق تسليمها لمحافظة الإسكندرية بالمحضر المحرر في أكتوبر 1975 ولم تقم المحافظة بشرائها. وتقدم النادي عام 1992 بطلب لوزير الزراعة وقتها لشراء الأرض وفقًا للثمن الذي تحدده الوزارة، وهو ما تمت الموافقة عليه من قبل هيئة التعمير والتنمية الزراعية، لكن بعد أن يدفع النادي المديونيات المقررة عليه، وطالبت الوزارة النادي بدفع المتأخرات المتوقفة عليه عام 1998 رد النادي أن الأرض ليست إيجارًا وإنما ملكه ومخصصة له، وأن المبالغ محل الطلب مقام بشأنها دعوى إبراء ذمة، وهو ما تصرفت تجاهه الوزارة بالتعامل مع النادي كمستأجر للأرض، والسير في الإجراءات القانوينة لتحصيل حقوق الهيئة، قبل أن تتم مطالبة النادي بالمتأخرات مرة أخرى في أبريل من عام 2016. لكن وإن كان ذلك مسلك أحد الأندية الخاصة، فمحافظة الإسكندرية نفسها تجاهلت الزراعة ورفضت الدفع، بعد أن وضعت يدها على مساحة 49 فدانا و5 قراريط و16 سهما لإقامة مساكن شعبية في ثلاثة أحياء ( المنتزه أول والمنتزه وحى شرق) عام 1980 بقرار من المحافظ آنذاك بتسليم أراضى الإصلاح الزراعى غير المستغلة، ووافق مجلس الهيئة بالقرار رقم 10 للجلسة رقم 216 بتاريخ 27 مايو 2000 باعتماد بيع تلك المساحات للمحافظة، لتتراكم على المحافظة مديونيات إيجار لهيئة الإصلاح بلغت أكثر من 565 مليون جنيه، الأمر الذي دفع وزير الزراعة –وقتها- لمخاطبة محافظ الإسكندرية آنذاك لسداد ما تأخر على المحافظة من إيجار، لكن تجاهل المحافظ الخطاب حتى طالبت الهيئة مرة أخرى المحافظة بنفس المديونيات العام الماضى. الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية، هي الأخرى شملها التقرير ذاتها، حيث اتضح أنها تراكمت عليها مديونيات لهيئة الإصلاح الزراعى مقابل إيجار مساحة 7 فدادين و9 قراريط و4 أسهم حتى وصلت إلى 137 مليون جنيه منذ إبرام عقد الإيجار عام 1960، وترفض الهيئة سداداها. التقرير ذاته تضمن تفاصيل مديونية الهيئة لدى مجمع مدارس "زهران" بالإسكندرية والبالغة 282 مليون جنيه قيمة إيجار أرض مساحتها 19000 متر ولاية الهيئة مقام عليها مجمع مدارس، وهى مساحة خارج الأراضى المستبعدة من المساحة المسلمة لمحافظة الإسكندرية عام 1975، حيث سبق وتقم السيد محمد زهران بطلب للدكتور يوسف والى لشراء الأرض، ووجه الوزير رئيس الهيئة وقتها بالاطلاع على الأمر واتخاذ الازم وفقا لتقدير اللجنة العليا لأراضى الدولة.