الولد الصغير مخاطبًا والده الذي كان يمسك بيده وهما عائدين من المدرسة: بابا.. بابا.. أنا عايز شيكولاتة يا بابا. الوالد غاضبا بشدة: شيكولاتة إيه بس ؟؟ وكلام فارغ إيه ؟!! امشى يا ولد وبطل دوشة.. الولد راميا نفسه في الأرض ورافسا بقدميه: ماليش دعوة يا بابا أنا عايز شيكولاتة زى بقية العيال اللى معايا في المدرسة.. وااااااااااع... يحاول الأب أن يفهم ابنه بكل ما أوتى من قوة مستخدما أسلوبا بسيطا يناسب سنه الصغيرة عله يقدر ظروفه فيحدثه قائلا: يا ابنى إحنا ظروفنا وحشة جدا.. إنت ما تعرفش أن إحنا فقرا قوى ؟!! هو أنا قادر أكفيك أنت وإخواتك فول وطعمية لما هاجيب لك شيكولاتة ؟!! يزداد الابن بكاءً؛ ويدخل في نوبة انتحاب صامت يغرق به وجهه بالدموع السخينة التي تمزق بسكين صدئة نياط قلب أبيه المسكين؛ فيقرر أن يخوض المجازفة أيا كانت العواقب، ويطلب من ابنه الانتظار حتى يأوب إليه بطلبه من السوبرماركت القريب الذي يدخله كأنه زبون عادي، ولكنه كان من داخله خائفا يتلفت؛ ولما اطمأن على غير الحقيقة أن أحدًا لا يراه دس في جيبه إصبع شيكولاتة وحيدا قبع فريدا في جيبه الخالى من أي شيء آخر سوى بطاقة الرقم القومي، واستبق الباب مع الزبائن الآخرين ليخرج لابنه بكنزه الثمين، ولكنه لم يكد يتجاوز «الكاونتر» الخاص بالحساب حتى انقض عليه رجال الأمن يسومونه سوء العذاب، يسحلونه من بين يديه ومن خلفه.. يجرونه من رجليه، أمام ابنه البائس الذي أدرك مبكرًا معنى أن تكون فقيرًا في وطن أضحى يكافح أبناءه الفقراء؛ سعيا للتخلص من الفقر الكئيب بالتخلص من الفقراء ؟!! تلك الحكمة المبتذلة التي غناها ساخرا يوما الشيخ إمام في كلمات لرفيق دربه أحمد فؤاد نجم قائلا: «هاتقول لى الفقرا ومشكلاتهم دى مسائل عايزة التفانين... وأنا من رأيى نحلها ربانى ونموّت كل الجعانين»، وأمام وكيل النائب العام كان الأب يقف بشموخ معترفا بجريمته النكراء وأنه فقط كان يحاول مسح دموع ابنه بإصبع شيكولاتة يتيم لم يكن معه ثمنه في وطن أصبح مصرًا على احتكار السعادة والفرحة لكل من يمتلك ثمنها في محفظته، ليفاجئه وكيل النائب العام بقرار بالحبس لمدة 15 يوما على ذمة القضية، وعندما سأله عن جسم الجريمة «إصبع الشيكولاتة»، أجاب بكل عزة وكرامة مستقبلا مصيره المجهول: الشيكولاتة لا تزال في جيبي... لا يتقبل الرأى العام ما حدث مع هذا الأب المكلوم من أمور خارج المنطق، وتصبح سيرته على كل لسان بعد أن غناها الشاعر الشعبى على الربابة على أنغام أغنية الفنانة الكبيرة سعاد حسنى عن الشيكولاتة قائلا: حبستنى الشيكولاتة.. ورحت بلاش يا وله وده مخ أكيد من «باتا»... والأسباب الغلا امسح دموعك يا ابني ده عياطك بيعذبني لهوجنى قوام كركبني وسرقت الشيكولاتة آه يا وله حبستنى الشيكولاتة.. ورحت بلاش يا وله وده مخ أكيد من «باتا».. والأسباب الغلا يا وكيل النائب كيفك ؟! ريحت يا باشا ضميرك ؟! كنت ادفع لى من جيبك وما اتحبسش أونطة آه يا وله حبستنى الشيكولاتة ورحت بلاش يا وله وده مخ أكيد من «باتا» والأسباب الغلا يا مصر إمتى هاترسي والغلبان يشرب بيبسي ده ماكنش شوال جالاكسى ؟!! ده صباع شيكولاتة آه يا وله حبستنى الشيكولاتة ورحت بلاش يا وله وده مخ أكيد من «باتا» والأسباب الغلا ؟!!