حالة من الحراك الكبير تحدث في المنظومة التعليمية ما يؤكد أن هناك رغبة قوية لدى القيادة السياسية للخروج من أزمة التعليم، وتحقيق طفرة في المجال الأهم باعتبار أن التعليم هو المشروع القومى الأهم، تلك الرغبة تتجسد في عدد من الإجراءات التي تم اتخاذها مؤخرًا في محاولة لتصحيح مسار التعليم، وعلى رأس تلك الأمور الاتجاه نحو زيادة الإنفاق بغرض تحسين جودة المنتج التعليمي، ومقارنة المناهج المصرية في العلوم والرياضيات بالوضع القائم لمثيلاتها في الدول المتقدمة تعليميًا، وعلى رأسها إنجلترا وألمانيا وفنلندا، ووضع تصور عام لتطوير تلك المناهج بدءًا من المرحلة الابتدائية بما يتوافق مع أحدث النظم العالمية، وتبنى الدولة لمشروع "المعلمون أولًا" لرفع كفاءة المعلمين وتدريبهم على أحدث طرق ونظم التدريس العالمية. ومن أهم إجراءات لتصحيح المسار تبنى الدولة مشروع "بنك المعرفة" من أجل استمرار التعلم، والتخطيط للخروج من الأزمة الحالية بالاعتماد على التعلم بدلًا من التعليم، والأول يعنى استمرار التعلم مدى الحياة بدلًا من التعليم الحالى القائم على الحفظ والتلقين، وتعيين وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى الذي تعتمد عليه القيادة السياسية في إحداث نقلة نوعية في المنظومة الحالية لإدراكه الآفات التي يعانى منها التعليم المصري. ووجود عدد من الإستراتيجيات الواضحة والتي تسعى الدولة إلى تطبيقها من أجل تحقيق الرؤية الموضوعة في إستراتيجية 2030 فيما يخص مجال التعليم ما يؤكد جدية الاتجاه نحو تطوير التعليم، هو دراسة تأسيس مفوضية عليا للتعليم قبل الجامعى تكون تابعة مباشرة لرئيس الجمهورية وتكون مهمتها هي وضع إستراتيجيات التعليم ومتابعة تنفيذها، وأن تكون وزارتا "التربية والتعليم والتعليم العالي" إحدى الجهات المنوط بها تنفيذ توصيات تلك المفوضية، ويهدف مشروع المفوضية إلى تغيير نظام القبول في الجامعات واعتماد نظام يخفف من أعباء الثانوية العامة ويحل العديد من المشكلات المترتبة على نظام التنسيق المعمول به حاليًا؛ ولكن هذا المشروع تعطل مع تعيين الدكتور طارق شوقى وزيرًا للتربية والتعليم خلفًا للدكتور الهلالى الشربيني، حيث إن مشروع المفوضية العليا للتعليم كان أحد المشاريع المهمة التي يتبناها المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى التابع للرئاسة، والذي كان "شوقي" على رأسه، فكرة مفوضية التعليم هدفها أن يكون منصب الوزير تنفيذيا بالدرجة الأولى يتابع سير العملية التعليمية وينفذ التوصيات ويكون عليه متابعة الشق الإدارى والمالى داخل وزارته، إلا أن هذا المشروع تعطل ولكنه لم يلغ، بحسب مصادر بوزارة التربية والتعليم. ولعل ما ألمح إليه وزير التعليم منذ توليه المنصب قبل نحو أسابيع من أن استراتيجيته قائمة على بناء منظومة جديدة مع الإصلاح قدر الإمكان في المنظومة الحالية والتي يرى أنها أصبحت مهترئة ولم يعد من الممكن الحديث عن التطوير في ظل هذا النظام؛ ولكن الأجدى هو التفكير في بناء سفينة جديدة للتعليم تبدأ من مرحلة رياض الأطفال مع السير بالتوازى في محاولة الإصلاح قدر الإمكان في المنظومة الحالية. الدعم الذي يلقاه وزير التعليم الحالى من كل مؤسسات الدولة بدءا من الرئاسة وحتى الوزارات الأخرى يؤكد أن هناك اتجاها قويا من أجل الارتقاء بالتعليم ودفع عجلته في الطريق الصحيح، وتسعى وزارة التربية والتعليم إلى بناء نظام جديد للتعليم قبل الجامعى تظهر نتائجه في فترة زمنية تمتد من 12 إلى 15 عامًا قادمة، مع البحث عن حلول للمشكلات التي تواجه النظام الحالي، ما تسعى إليه الوزارة يعكس التوجه نحو بناء تعليم بمستوى جيد على المدى البعيد، حيث يبدأ هذا مع الدفعة التي تلتحق برياض الأطفال العام القادم، ويتم الانتقال بها على طريق أفضل من خلال تطبيق إستراتيجية تقوم في الأساس على التعليم الممتع القائم على الأنشطة قبل المعارف العقلية، وتلك المنظومة نتائجها ستكون على المدى البعيد، في حين تستمر الوزارة في إدارة المنظومة الحالية مع الطلاب الموجودين في الصفوف الدراسية حتى نهاية المرحلة الثانوية. أساس آخر تقوم عليه إستراتيجية التربية والتعليم في البناء يتمثل في الاستفادة الفعلية من تجارب الدول الناجحة في مجال التعليم، ومن ذلك توقيع الوزارة بروتوكول تعاون بين قطاع التعليم العام بالوزارة وهيئة الجايكا اليابانية لنقل تجربة اليابان في تطوير قطاع التعليم العام، وهو القطاع المنوط به إدارة المدارس الخاصة والحكومية في المراحل من رياض الأطفال وحتى الثانوية العامة، وهو ما يعنى عدم الاكتفاء بتجربة التوكاستو التي تنفذها الوزارة في عدد من المدارس الحكومية، والتي يبدأ تطبيقها على نطاق أوسع العام الدراسى القادم، وتقوم على أن يتم الاستفادة من أنشطة التوكاستو اليابانية في تربية الطلاب بمنحهم المادة الدراسية بنسبة 50% أنشطة و50% معارف ليتحول التعليم إلى سلوكيات ودراسة من أجل تنمية الفكر الناقد بدلًا من التعليم القائم على الحشو والتلقين والذي يهدف إلى حفظ أكبر كم من المعلومات من أجل تحصيل أكبر قدر من الدرجات.