صفحة لاذعة جدا بطعم الحياة التى يحياها حرافيش وفقراء هذا الوطن, ..من خلالها نستقبل رسائل المهمشين كى نعرضها على ولاة الأمر.. هان يُهين حتى أصبح مُهانا.. هذا هو حالنا فى وطننا نحن الفقراء الغلابة الحرافيش.. نهون على الجميع.. ونهان من الجميع.. من القائمين على الحكم ومن الطامحين فى الحكم.. جميعهم يتخذون منا مبررا لأفعالهم.. حتى البلطجية والمجرمون يقتلون ويحرقون ويبررون ذلك بأنهم حرافيش هذا الوطن.. كل الساسة رفعو شعار (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية) لاستقطابنا واللعب على أوتارنا, رغم نشاز اللحن الذى يعزفه الباحثون عن السلطة, واللاهثون خلف مقاعد الرئاسة والبرلمانات.. أكتب هذه المقدمة بعد قراءتى لرسالة وصلتنى من أحد أصدقائى الحرافيش, التى جاءت على النحو التالى: عزيزى الحرفوش الكبير.. أنا أحد حرافيش هذا الوطن, ممن تعلموا فى جامعاته, وحلموا لهذا الوطن ولأنفسهم أيضا بمستقبل باهر.. حصلت فى الثانوية العامة على مجموع كبير لكنه لم يؤهلنى لكليات القمة.. كان مثلى الأعلى فى ذلك الوقت جار لى يعمل فى بنك مصر, فوددت لو أصبحت مثله يوما, فالتحقت بكلية التجارة.. أعلنت حلمى للجميع وفرح به اقربائى الحرافيش, وسعيت بالجد والمذاكرة حتى تخرجت في الجامعة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف.. وأخذت أسال عن هذا الشرف, ما معناه وإلى أين سيأخذنى؟.. طرقت أبواب القوى العاملة, أيام كان هناك قوى عاملة, لكن دون جدوى.. فمرتبة الشرف ليست هناك.. طرقت أبواب البنوك التى حلمت أياما وشهورا وسنوات بالعمل بها ولم أجد لى مكانا بها.. فالأماكن محجوزة لذوى الوساطة ولذوى المال الذين يشترون وظائفهم.. تقدمت لأكثر من مسابقة كانت تعلن عنها الحكومة فى كل الوزارات تقريبا.. تربية وتعليم.. صحة.. نقل.. كهرباء.. بترول.. وحتى الزراعة.. لكن لا مكان لخريجى الحرافيش وأبنائهم.. كان أبى يعمل "عرضحالجى".. يجلس أسفل الشهر العقارى يبيع العقود ويحررها ويرشد الناس عن كيفية إنهاء إجراءاتهم.. ما كان يحصل عليه أبى كان يكفي أسرتنا الكبيرة بالكاد.. مرض والدى فجأة فتوقف الرزق اليومى الذى كنا نقتات به.. الجميع نصحه بأن أجلس أنا مكانه بدلا من العمل فى كشك الأحذية والشباشب الذى كنت أعمل بائعا فيه.. لكن أبى كان يأبى ذلك, ويرى فيه تحطيما لى ولآماله التى بناها حول مستقبلى.. فأبى يعلم أن زملائى من خريجى التجارة والحقوق يعملون فى الشهر العقارى.. فكيف لى أن اعمل "عرضحالجى".. أجلس على كرسى خشبى وأمامى منضدة أسفل مبنى الشهر العقارى.. دخلى من كشك الأحذية لا يكفى مصاريف الأسرة الكبيرة.. صحوت من نومى وقبلت يد والدى, وقلت له: سوف أذهب مكانك وأجرب نفسى.. بكى ابى ولم يعقب.. تركته واستقبلنى زملائى الجدد من العرضحالجية, وفوجئ بى زملائى القدامى من المحاسبين وموظفى المبنى الذى أجلس أسفله, وبجوارى رجل يفترش صندوق ورنيش, وسيدة تبيع الجرجير والفجل والكرات, واثنين من العرضحالجية أمثالى, هم يختلفون عنى فى الخبرة, رغم عدم حصولهم على الابتدائية القديمة, وانا أختلف عنهم ببكالوريوس التجارة, الذى يحمل مرتبة الشرف.. يوما تلو الآخر اعتدت على الشغلانة.. توفى والدى فأصبحت ملزما بها لسد احتياجات أسرة بأكملها.. قمت بتزويج أخواتى البنات الأربعة, واحدة تلو الأخرى, فالجميع يعتبر أن عملى هذا هو ميراث والدنا الذى لم يترك غيره.. لم أشعر بعمرى الذى تخطى ال35 عاما.. قررت الزواج.. كل البنات قريباتى وجاراتى اللاتى طالما تمنين الزواج بي وأنا طالب بكلية التجارة, وكل اللاتى تمنين منهن النوم بجوارى على مرتبة الشرف التى فزت بها من الجامعة, هربن الآن منى.. تزوج منهن من تزوجت, وغيرهن ممن اصبحن عوانسا أبين الزواج من "عرضحالجى" حتى ولو كان يملك مرتبة الشرف.. لن أطيل عليك سيدى.. وجدت من تناسبنى وهى ابنة عرضحالجى آخر كان يجلس بجوارى.. فأنا بالنسبة له "ياما هنا.. ياما هناك".. السنوات تمر ويرزقنى ربى بثلاث بنات وولد والعمر يتجاوز ال45 سنة.. لا أمل عندى فى شيء سوى لقمة العيش وتربية أبنائى.. قامت ياسيدى ثورة يناير.. هرولت أثور مع الثائرين.. لم يهدأ لى بال إلا عندما امتلأت السجون برجال النظام السابق.. تنفست الصعداء وشعرت بأن الحياة تدب فى جسدى النحيل من جديد.. أخرجت شهادتى.. تأملت مرتبة الشرف.. انتظرت حتى تهدأ البلد.. أصبح لدينا رئيس كان يقول: (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية) .. حجزت لنفسى مكانا بمشروع النهضة .. مرت الايام والشهور, ووعود الرئيس تتبخر ويصبح همه هو وإخوانه المسلمين الحفاظ على السلطة.. وباقى القادة السياسيين يلهثون خلف إسقاطه واعتلاء السلطة.. الاثنان تفرقا فى كل شيء, لكنهما اجتمعا على شعار واحد "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".. لنيل دعمنا نحن الحرافيش وللنيل منا بعد ذلك كما فعل الرئيس. أكتب إليك ياسيدى الحرفوش الكبير هذه الرسالة لهدفين, الأول: أن تضع نفسك مكانى, وتقول لى هل الانتحار فى هذه الحالة حرام أم حلال.. لتضع نفسك مكانى وتقول لى هل عندما أتظاهر أكون بلطجيا؟.. والثانى: لتوصل رسالتى هذه لصندوق المظالم الظالم.. لاننى أرسلت رسائلى إليه منذ أن أكد لنا عمنا مرسى- لا رضى الله عنه- أن ديوانا للمظالم سيعيد حقوق الحرافيش.. أخشى ما أخشاه سيدى من غضبة الحرافيش اذا اجتمعوا يوما.. فهم نار ستأكل كل هذا الهشيم!