اليوم ضميرى يُعذبنى.. يضربنى بسوط جلاد.. يمزق أوتارى..يقطعنى.. أنسانى فرح الأعياد.. أراق الدمع على خدى.. لّوّن وجهى بسواد.. بقلمه خط على كفى لعنة من يوم الميلاد.. وواعدنى عذابا من ربى.. وأن أسعى فى الأرض فساد.. فضربت كفى على كفى.. من بعد عنائى وسألت.. كيف تعذبنى.. خبرنى عما أخفيت.. كونى أتحرر من قيدى.. أأكون كفرت ؟!.. كونى أتعلم من خطأى .. أأكون جهلت ؟!.. ألا يكفى أنى بدمعى اغتسلت ؟!.. تطهرت.. ولكن يهزمنى ضمير الإنسان.. يهزمنى الحاضر والماضى.. وخلط الكفر مع الإيمان.. أهرب منه.. يلاحقنى.. وأراه القاضى والسجان.. صديقى يأتى ليسمعنى.. يتأمل وجهى كالأغراب.. يتلون وجهه لايدرى.. إن كنت صادق أو كذاب.. الصمت العاصف يحمله.. لسراب والصمت عذاب.. ضاعت أيامى منى أصبحت هباء.. أحلامى تتوارى خلفى.. صارت أشلاء.. من يأتى يلملم أشلائى.. فى زمن الغربة والحقد.. وخلط الأشياء ؟!.. من يأتى يلملم أشلائى.. فى زمن الغربة والحقد وخلط الأشياء ؟! هذه المقدمة الشعرية دارت بخلدى ونطق بها لسانى عقب تلك الرسالة التى وصلتنى من أحد أصدقائى الحرافيش الذى يسكن منطقة المقطم ويعمل فى إحدى ورش النجارة التى أغلقت بفعل الأحداث التى جرت هناك، وقد جاءت الرسالة كالتالى: عزيزى الحرفوش الكبير.. لقد وضعنا فيك ثقتنا نحن حرافيش وفقراء هذا الوطن.. فأنت المنبر الوحيد الذى ننقل من خلاله همومنا وما يحيط بنا من مشكلات.. أنا ياعزيزى قبل أن ابدأ احب أن أعرفك أننى حاصل على بكالوريوس تجارة شعبة محاسبة.. بدأت حياتى بعد التخرج بالعمل فى أحد مصانع بير السلم كمحاسب فى مصنع للأخشاب.. وكان مرفقا بالمصنع ورشة للنجارة كنت أشرف على حساباتها أيضا.. إلا أن شيئا ما قد جعلنى أتقرب من الصنايعية النجارين وأتعلم منهم ما يفعلون وأشاركهم فيه.. فيرحبون بهذا الفتى صاحب التعليم العالى الذى يفعل مايفعلون.. لم يكونوا يعلمون أن شيئًا بداخلى يحدثنى بأننى قد أحتاج للعمل فى مهنتهم يوما ما.. ولا يعلمون أن سنوات 10 قد مضت على تخرجى دون الحصول على وظيفة.. لا يعلمون بأننى تورطت فى الزواج والإنجاب وأنا لست أهلا لذلك إذا ماحدثت مصيبة وتركت عملى.. المصيبة حدثت بالفعل.. قامت ثورة على النظام الذى كان سببا فى أن أعمل فى مصنع للأخشاب رغم حصولى على بكالوريوس التجارة.. الثورة جعلت الأمل يدب فى جسدى النحيل..رغم أن المصنع الذى كنت أعمل به قد قام الثوار بحرقه.. لا لشئ سوى لأن صاحبه كانا أمينا للحزب الوطنى فى دائرته.. فأراد الثوار الانتقام منه بحرق مصنعه الذى منه نقتات.. المهم اننى لم أغضب وانتظرت الأفضل.. فبالتأكيد بعد الثورة على الظلم لابد أن يكون المقبل أفضل.. يوم بعد يوم وأسبوع بعد أسبوع.. شهر يجر شهر.. عام تلاه عام..وأنا كما أنا دون عمل.. أنا كما أنا أزداد إحباطا على احباط.. فما عشته من سوء وضيق حال عقب الثورة كان كفيلا بأن أكره الثورة والثوار.. ولأننى لا أحيا بمفردى.. ولأننى رب أسرة مكونة من 3 بنات وأمهم كان لابد أن أعمل كى يقتاتن.. فجأة اخترق أذنى صوت المناشير وآلات النجارة التى تضج بورشة تجاور المنزل الذى أسكنه بمنطقة المقطم.. فتذكرت أننى أجيد التعامل مع تلك الآلات منذ ان كنت اتعلم من النجارين فى المصنع.. فأدركت ماكان يعنيه ذلك الهاتف الذى كان يحرضنى على التعلم من النجارين.. أدركت أن الهاتف كان يعلم بما ستؤول إليه الأحوال.. توكلت على الله وطلبت العمل فى الورشة التى ظل صاحبها يتأمل فى وجهى وأنا أطلب منه العمل كنجار لعلمه بشهادتى الجامعية التى لاعلاقة لها من قريب أو بعيد بمهنة النجارة.. الرجل وافق على الفور وهو يضرب كفا بكف ، ويردد: حسبى الله ونعم الوكيل.. وكأننا لم نقم بثورة فى هذا البلد.. أكثر من أربعة أشهر وأنا أعمل نجارا حتى حدث ماحدث أمام مقر الإخوان المسلمين بالمقطم فأغلقت المحال والمصانع والبنوك فى المنطقة أبوابها خوفا من التعرض للأخطار.. نعم عدت انا لنقطة الصفر.. اسبوع كامل وانا لم يدخل بيتى جنيه واحد ، لأننى أعمل باليومية.. اسبوع كامل وأنا ألعن الثورة والثوار والعن السلفيين والإخوان.. وألعن البلطجية ومموليهم حتى أصبحت لعانا يحمل شهادة جامعية .. جوعان انا وبناتى عقب ثورة كانت تحمل شعار "عيش.. حرية..عدالة اجتماعية".. لى صديق أصبح يمل منى كلما جلست أشكو له ما أنا فيه.. هو يعلم لكنه لا يبادلنى الشكوى.. هو يئن.. لكنه يكتفى بالنظر إلى وجهى ولا يتكلم.. هو مثلى لكن صمته كان يشعرنى بأننى كاذب.. صديقى يسمعنى.. يتأمل وجهى كالأغراب.. الصمت العاصف يحمله لسراب.. والصمت عذاب.. أنا لا أنتظر منك ياعزيزى الحرفوش الكبير أن تحل مشكلتى.. فأنت مثلنا حرفوش بدرجة كبيرة.. ولا أنتظر منك مشاركتى ولو حتى بالمواساة.. أنا فقط أنتظر منك أن تنشر رسالتى هذه فى باب "الحرافيش" كنداء لهم بأننا لابد أن ننزل الميادين.. بشرط أن يكون نزولنا كالجراد يأكل الأخضر واليابس.. فلا نحن ثوار ولا نريد دعما من الثوار.. ولا نحن مع النظام ولا نريد دعما من أصحاب اللحى.. كرهنا الثوار وكرهنا الرئيس وكرهنا أنفسنا فاحذرونا.. نحن قادمون !!