الوقت يمر وينقضي والعالم يدور من حولي وقلبي لا يزال على حاله منذ لقاءنا الأخير، حينما أخبرتني بأنك ستعود إليَ بعد فترة قصيرة سالما غانما لتأكل من يدي أكلتك المفضلة، وحينما أكدت لي أن غيابك لن يطول، انتظرتك كثيرا منذ ذلك الحين وأعددت لك مائدة ملكية تليق بمكانتك في قلبي ولكنك لم تف بعهدك كاملا، فبالفعل أتيت لي بعد فترة قصيرة، ولكن محمولا على الأعناق، جئت لي جثمانا ساكنًا لا يتحرك بعد أن كنت تملأ دنيتي حركة ونشاطا، أتيت لي مبتسما ابتسامة صامتة نابضة بالرضا، جئت لي يا ولدي حاملا لقب "شهيد الوطن".
انفطر قلبي برحيلك، وانهمرت الدموع أنهارا، ولم يجرني في مصيبتي ويواسيني في مصابي الأليم سوي أن روحك الطاهرة فارقت الحياة في سبيل وطنك الذي فضلته عما سواه ووضعته فوق كل اعتبار.
منذ رحيلك لم يتوقف الوطن عن فقدان رجال مثلك صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لينضموا إليك أنت ومن سبقوك من الأحياء الذين يرزقون في السماوات العلي.. عند مليك مقتدر.. يجزيكم جميعا خيرا عن تضحياتكم.. ويمنحنا نحن الأحياء سكينة وصبرا على فراقكم.
واليوم يا ولدي يومكم، يوم الشهيد، نحتفي نحن أهل الدنيا بتضحياتكم وصدق عهدكم لرب العالمين، وفي قلوبنا نحيي ذكراكم العطرة التي لم تخفت يوما ولن تمحوها السنين.. إليكم نرسل دعواتنا بالرحمة.. وإلي الله نتضرع ليمدنا بقدرة على مغالبة الحنين وألم الفقد.
سأحتفي بك وبأقرانك من الشهداء كل عام حتى ألقاك، وإن لم يُشفَ قلبي من الألم، سأحكي عنك للجميع.. سأخبرهم أن ثمة شهيد كان يعيش هنا بيننا، وقرر بكامل إرادته ترك نعيم الدنيا وزينتها وضحي بحياته ونفسه وأحلامه في سبيل وطننا.. فلتعش مع الفرحين في جنات الخلد يا ولدي.. وإلي اللقاء الذي سيكون عنده الموت محببا.