فوجئت بتعقيبها على مقالى "القهوجية لماذا بكوا ضابط قوص"، وهى تعقب فى كلمات مقتضبة جدا لكنها غنية ثرية بكل ما فيها من معانٍ، عملاقة وأحاسيس براقة، ومشاعر رقراقة.. إنها أم الشهيد الضابط إكرام الناحى الذى استشهد وهو يؤدى رسالته بالقبض على أحد المجرمين الخارجين فى قرية "حجازة قبلى"، التابعة لمركز "قوص".. وقبل أن أعلق على رسالتها اسمعوا منها ماذا تقول: "أنا أم الشهيد الملتاعة على فقد ابنها، المكلومة لفراقه، المبتهلة لربها أن يربط على قلبها كما ربط على قلب أم موسى، وأن يملأ قلبها إيمانا و نفسها صبرا وسلوانا.. سعدت بالمكتوب عن ابنى، وحمدت ربى على حسن تربيتى لأبنائى، و"إكرام" هو أصغرهم.. وفى نيتى إن شاء الله أسافر إلى قوص لأود كل من بكى ابنى وأرى المدينة التى خدم فيها ابنى وروى أرضها بدمه و أحبه أهلها وهو أحب كل الناس"..(انتهت) ◄ولأم الشهيد- التى هى أمنا كلنا - أقول: لن أجيبك بكلمات تخطها أصابعى على "الكيبورد" الآن بل أترك لدموعى تخاطبك وتعزيك ثم ترثى الشهيد مرة أخرى، وتدعو الله له أن يجعل مثواه الجنة. يا أم الشهيد.. قديمًا قالوا: "كل إناء بما فيه ينضح"، وها أنا ذا رأيت ترجمة المثل حيا واقعا فى رسالتك عن ابنك، فقد نضح إناؤك بالخير، وأثمرت تربيتك له ثمارا طيبة جناها الناس الذين بكوه بدموعهم ولايزالون يذكرون خصاله الحميدة وخلاله الجميلة، وأخلاقه العجيبة فى الخير والتواضع والتعاون، وهو يعيش بينهم يفرح لفرحهم ويترح لترحهم ويألم لألمهم، يعتبر نفسه واحدا منهم.. وها أنت قد جنيت سيرته الطيبة فى حياته وبعد مماته، فلم تخسريه بموته، بل أحييتيه مرة أخرى فسيرة المرء بعد مماته حياة أخرى. ** يا أم الشهيد.. لقد أحسنت التربية فى أبنائك وإن كان الصغير هذا خلقه وهذا أدبه وهذه سيرته فلاشك أن فروع بقية الشجرة كلها مثمرة بل مغدِقة بالثمار الطيبة، والله يقول: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه}. ** يا أم الشهيد.. لقد كانت التربية له كلمة طيبة منك وسلوكا حيا منك وأخلاقا طيبة ترضعينها له قبل رضاعه من لبنك، فأنبتت جسدا طيبا وروحا كريمة وكانت الصورة هى الصورة التى ذكرها ربنا فى سورة من سور القرآن: {ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها}. ** يا أم الشهيد.. لا نلومك فى لوعتك على فراق ابنك، ونعذرك على أنك مكلومة عليه، باكية عليه، فهذه رحمة يضعها الله فى قلوب الرحماء من عباده، وقد دمعت عينا خير خلق الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وهو لم يبلغ العامين بعد عند موته، وقال مقولته الشهيرة: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون". لكن عزاؤك شهادة الخلق فى قوص على حسن خلق ابنك، وأهل المعارف قالوها منذ القدم: "ألسنة الخلق شواهد الحق"، فليهنك ثناء الناس فى ابنك وترحمهم عليه وذكر محاسنه التى كانت رأس ماله، ولم يذكر له بفضل الله تعالى مَسلَبة واحدة، كما يذكر لغيره من أصدقائه وزملائه فى مجال عمل الشرطة مثلا، فلم أسمع حتى عنه الآن إلا ذكرا طيبا وسيرة عطرة وثناء حسنا يجعلنا نؤمل فى الله أن يجعلها شهادات حق فى حقه ترفع درجته وتكفر حوبته، وتجعله عند ربه شهيدا فى ميتة. ** يا أم الشهيد.. قوص ترحب بك رجالا ونساء إن زرتها ووددت رؤية أهلها الطيبين، وستجدين عند نزولك لها أهلها البسطاء الكرام الذين يقرون الضيف ويقومون بالواجب وقد شالوك على الأعناق وشموا فيك رائحة الشهيد واعتبروك أما لهم وأختا لهم وابنا لهم، وأروك من معادن الناس الطيبين ما شح وجوده فى أخلاق البشر ودنيا البشر. ** يا أم الشهيد.. جزاك الله خيرا على رسالتك وبارك فيك وربط على قلبك، وجمعنا وإياك وابنك الكريم {فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر} آمين . ◄آخر كبسولة ◄ إلى كل رجل شرطة وإلى كل صاحب سلطان أو صولجان: اترك سيرة طيبة ترفعك فى حياتك فى أعين الناس وقبلهم فى عين الله التى لا تغفل ولا تنام، وثق أنك ستجدها سيرة طيبة بعد مماتك تبقى لك ذكرا خالدا ولسان صدق فى الآخرين، وستجدها نافعة قد أثقلت ميزانك عند ربك فحسن الخلق يثقل الميزان يوم القيامة، يوم يصرخ الصارخ، قائلا: {يا ليتنى لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه* يا ليتها كانت القاضية* ما أغنى عنى ماليه *هلك عنى سلطانيه}. دمتم بحب [email protected]