سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قرى الجوع الكافر: «العيشة بقت ضنك».. صخور الجبل تهدد مليون ساكن «عشوائي» بالفيوم.. الموت على ممرات النخيل في «الحرية» بالمنيا.. وأسيوط تسجل رقما عالميا في البطون الخاوية
بين تضاريس الجوع ومعالم البطالة وخطوط المرض رسمت "خريطة الفقر" لنفسها مكانًا على أرض الصعيد، فوضعت أبناء محافظاتها في مهب ريح تجاهل المسئولين وسيول الموت السريع ومقابر الموارد القليلة، وفي بني سويف وأسيوطوالمنياوالفيوم "عبرة" للعيش في وطن ينخر الإهمال في جدرانه..أحدث إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لم تتأخر عن قول الحقيقة المرة في هذا الاتجاه؛ إذ كشفت أرقامها عن أن 5.3% من المصريين لا يجدون قوت يومهم نهائيًا، بينما لا تزال قرى محافظة أسيوط في صدارة القرى الأكثر فقرًا. بني سويف «تبحث عن الحياة» "لو كان الفقر رجلًا لقتلته".. لسان حال كثيرين قرى ونجوع محافظة بني سويف، تعيش في فقر مدقع، ونقص في الخدمات، وإهمال في الصحة، قرى تعيش في ظروف بدائية، لا تمت بصلة إلى العالم الذي يحيط بها، فهنا لا تتعلق المشكلة بأمور مكملة في الحياة، بل بالحياة نفسها، فأهلها يعيشون عالمهم الخالي من أي خدمات مع قسوة الفقر والحاجة، فتستمر الثنائية تطحنهم في ظل غياب حكومة، لا يهمها سوى أن تلقى بهموم ومشكلات هؤلاء الفقراء على الجمعيات الأهلية وأهل الخير. في قرية "الفقيرة" التابعة لمجلس قروى "سدس" بمركز ببا، يعيش ألفا مواطن في حالة اقتصادية تتناسب تمامًا مع اسم قريتهم، فهؤلاء البشر غارقون في دوامة توفير أبسط متطلبات الحياة لا يشعرون سوى بأنات الجوع واليأس وغياب الرجاء والأمل، ولا يهمهم سوى أن يناموا غير جائعين، بعد أن كتب عليهم القدر أن يعيشوا في وطن تسوسه حكومة لا تصل خدماتها لأهل القرية. يعيش أهل "الفقيرة" في عُزلة خلف الجبال الشرقية المحاذية لنهر النيل، وسط حالة من التجاهل التام من قبل مسئولي المحافظة، فالأطفال حفاة بملابس رثة، يلعبون وسط المقابر التي تستقبل زائري القرية، إذ لا يوجد مكان للعب أو التسلية في القرية سوى أمام المنازل المواجهة لمقابر الموتي. "محمود عاشور محمد طالب في الصف الثالث الابتدائي" اصطحبنا إلى مكان مدرسته الموجودة على الطريق، مشيرًا بإصبعه إلى المقابر المحيطة بالمدرسة من كل الجوانب، مبتسمًا وهو يقول: "إحنا بقى بنتعلم هنا، بنكون قاعدين في الفصل، ونسمع صراخ السيدات، فننظر من شباك الفصل، ونشاهد الأهالي وهم يدفنون الميت قدام عينينا". ومن الفقيرة إلى "بهنموه" في إهناسيا، يوجد أكثر من 5 آلاف مواطن، يعانون من الفقر، كما أنهم محرومون من كل الخدمات، فضلًا عن ارتفاع نسبة البطالة بينهم، خصوصًا أن تلك القرية تعيش على زراعة مساحات بسيطة من الأراضي الزراعية، ولم يمتهن قاطنوها أي حرفة أو صنعة تقوم عليها القرية؛ لمحاولة رفع المستوى المعيشي لأهالي القرية الذين يعيش أغلبهم في منازل من الطوب اللبن، وأسقف البوص تكاد تنهار عليهم في الشتاء إذا غمرتهم الأمطار. بيوت "بهنمون" يسكنها الفقر والعوز، والأمراض تريح من تصيبه من أهل القرية بالموت في النهاية، عندهم أمل وغاية لتوديع فقر حول أيامهم إلى مأساة، باختصار هم يعيشون على ما يجلبه رجالهم من عمالة في زراعات أغنياء القرى المجاورة أو بعض شباب القرية مما يعملون على عربات الفول في أحياء القاهرة. عم محمد محمود عبد القادر ( 58 عامًا)، أحد القلائل ممن رغبوا في الحديث معنا، لرفض غالبية أهالي القرية، قائلا: "بتصورونا ليكو سنين وأيام.. إحنا مش عايزين تصوير عايزين حد يحس بينا، يا بيه كل يوم قنوات وجرايد بتيجي تصور وبرضه مفيش فايدة، العيشة بقت ضنك، والبلد حالها اتشقلب ميت مرة ومع ذلك إحنا زى ما إحنا محلك سر". أما قرية دير الحديد بمركز الفشن، فتضم على أرضها 9 آلاف نسمة، يعيشون حياة مأساوية في ظل انعدام تام للخدمات الأولية كالكهرباء والمياه، وخدمات الصحة والتعليم، ولا أحد يبدي اعتراضًا هناك، فالناس راضون بكل شيء، وكل ما يطمعون فيه هو الحد الأدنى من الآدمية، فالفقر والجهل والخوف من الغد ومن لقمة العيش التي ربما لا تأتي، هو مصير هذه القرية المنسية، التي ستجد فيها استثناء لكل قاعدة، فهنا يعمل الفرد طوال اليوم سعيًا وراء 10 جنيهات، وهنا يخدمون الغير ويأخذون الفتات، وهنا قرية بين مجريين للنيل تشرب ماء ملوثًا، وهنا يقبع المرض، وهنا أيضًا يعيش الناس راضين رغم كل هذا. "بشير محمد عبد اللطيف – مزارع" تحدث عن مأساتهم، قائلا: "إن أكبر مشكلة تعانيها القرية هي الطريق الواصل بينها وبين قرية الحيبة، وهناك شخص وأولاده يقفون ضد معدات الطرق التي توسع وترصف الطريق، بعدما جاء الدعم لرصف كيلو ونصف ويتبقى لنا كيلو متر نريد رصفه من ميزانية الدولة". وأضاف: "إحنا قاعدين من غير مياه أو كهرباء وراضيين بقسمة ربنا، بس الطريق لازم يترصف، اشتكينا لطوب الأرض ومحدش بيستجيب لينا.. راجل وأولاده بيبلطجوا علينا ويمنع توسعة الطريق.. فين هيبة الدولة؟" وعلى قمة صخرية كبيرة، يعيش أكثر من مائتى أسرة في بيوت حجرية، بسيطة، بلا مياه أو كهرباء، دفعتهم الظروف أن ينشئوا خطوط مياه تربط القرية القديمة بتلك المنازل الجديدة عبر مواتير رفع تصل المياه إلى نقاط تجمع في نهايتها صنابير مياه جماعية تخدم تلك المنازل. "كريم محمود -أحد شباب القرية"- ذكر أيضا أن "الناس في الجبل اشتركت وعملت مواسير لرفع المياه، والمياه بتطلع للجبل من خلال مواتير رفع، والكهرباء نفس الحكاية، المشكلة أن خطوط الكهرباء ماشية على الأرض، وهى خطوط متهالكة، ومن السهل أن تصعق الأطفال وكبار السن". مليون فيومي خارج الخدمة أثر الموقع الجغرافي لمحافظة الفيوم في حظها من التنمية، فإذا اتجهت الدولة لتنمية الصعيد بدأت من بني سويف ونسيت الفيوم، وإذا عاد المسئولون لضخ الاستثمارات شمالا، بدءوا بالجيزة والقاهرة ونسوا الفيوم أيضًا، فهذه المحافظة لا طالت "بلح الصعيد ولا عنب بحري". ورغم أن الموقع الجغرافي للمحافظة حباها بطقس رائع طوال العام يستحق أن يخلق محافظة سياحية من الدرجة الأولى، إلا أن الموقع نفسه هو الذي تسبب في أن تنزوي الفيوم بعيدا عن أعين المسئولين وتنساها أو تتناساها الحكومات حتى أصبح في المحافظة 20 منطقة عشوائية سقطت سهوًا من ذاكرة المسئولين رغم أن عدد سكانها 3 ملايين نسمة. ويبلغ عدد سكان المناطق العشوائية 900 ألف نسمة من أبناء الفيوم، اضطرهم ضعف حالهم المادي إلى العيش في مناطق اتخذت مأوى للبلطجية والخارجين على القانون، لما تتمتع به هذه المناطق من سمعة سيئة، جعلت أيدي الشرطة لا تصل إليها، وإذا حاولت تطهيرها فكرت أجهزة الأمن ألف مرة قبل الدخول في الدروب والأزقة التي تحتاج لمرشدين. ويقبل الغالبية العظمى من أهالي هذه المناطق على العيش فيها بسبب انخفاض القيمة الإيجارية، وعدم وجود بدائل لسكن في متناول الدخول لمعظم أبناء الفيوم المنتمين للطبقة الفقيرة التي تشكل الغالبية العظمى بالمحافظة. أحد تقارير صندوق تطوير العشوائيات في مصر أكد أن عدد المناطق العشوائية في الفيوم وصل إلى 20 منطقة مقسمة على درجتين "أولى وثانية"، يتعرض سكانها لخطر انزلاق الكتل الحجرية على منازلهم، كما هو حال منطقة الربع الخالي بقرية النزلة التابعة لمركز يوسف الصديق، ولا يستطيع أهلها أن يتركوها رغم وجود الكتلة السكنية أسفل هضبة صخرية مهددة بالانهيار. ويرجع تمسك أهالي "الربع الخالي" بها إلى وجود ورش صناعة الفخار والخزف التي تشتهر بها قرية النزلة، ومن الصعب الحصول على منطقة أخرى لإقامة الورش والمنازل في وقت واحد، إضافة إلى أنها قريبة لمصدر الحصول على الطمي المستخدم في هذه الصناعة. يتكرر الأمر في مركز أبشواي، وتحديدًا منطقتي الشيخ صقر والقماش، واللتين أقيمتا على أكوام القمامة وركام المباني ومخلفات الحفر، والآن معرضتان للانهيار إذا لم تمتد يد الدولة إليهما لتطويرهما. أما في مدينة الفيوم نفسها فالمناطق العشوائية تتمتع بأسماء عشوائية أيضًا، مثل: (الخريانة، والصليبة، والفواخير، والحاكورة، وعلواية سعادة، ودرب الطباخين، والسبع دروب، والشيخ حسن، والشيخة شفا". "عبدالرحمن محمد – أحد أبناء العلواية" تحدث عن واقع تلك المناطق العشوائية، قائلا: "إن الإيجار هنا أقل كثيرًا من المناطق الشعبية لأنه مناطقهم أقيمت في غفلة من القانون منذ عشرات السنين، ورغم أن كثيرًا من عائلات الفيوم القديمة يسكن المناطق الشعبية فإن معظمها تحول إلى وكر للخارجين على القانون وتجار السلع المحرم تداولها قانونًا". فيما أضاف "على عبدالواجد – ساكن بالمنطقة أيضًا،: "إن سكان عمارات الإيواء بالصوفي يعانون أشد المعاناة لأن معظم وحدات الإيواء عبارة عن حجرة واحدة دون منافع وبعضها كان محال تجارية عجزت المحافظة عن تأجيرها، وحتى المرافق المشتركة حالتها سيئة لا تصلح للاستخدام الآدمي وتحولت إلى مقلب للقمامة، وأثرت المياه الجوفية في أساسات وحوائط عمارات الإيواء، فتصدعت وأصابتها الشروخ، ومن الممكن أن تتحول في أي وقت إلى كومة تراب؛ ما قد يتسبب في كارثة". "وائل عبدالبديع من الأهالي" أكد بدوره أن الفقر وإهمال الحكومة للمواطنين وراء ظهور عشوائيات الفيوم، مضيفًا: "بدلا من إنشاء عمارات لمحدودي الدخل في صحراء قرية على فراج والظهير الصحراوي لقرية دمشقين، صارت العشوائية هي البديل". أما سعد ربيع، من أهالي يوسف الصديق، فنبه إلى أن منطقة الربع الخالي مهددة بالدمار إذا انهارت الكتلة الصخرية التي تعلو المنطقة السكنية وورش الفخار، ورغم أن الحكومات وعدت عشرات المرات بتطويرها ورعاية صناع الفخار فإن كل الوعود ذهبت أدراج الرياح، رغم أنها منطقة تستحق الاهتمام لكونها تضم مئات الورش الصغيرة التي تعمل في صناعة الفخار الذي يصدر إلى فرنسا وألمانيا وهولندا. الكارثة الكبرى أن معظم عشوائيات الفيوم نشأت بجوار مجارٍ مائية، واعتاد أهلها على توصيل الصرف الصحي على الترع والمصارف القريبة منها. مصدر بديوان عام محافظة الفيوم رد على كل ما سبق بتأكيده أن كلية الهندسة بجامعة الفيوم أعدت تقريرًا قبل ثورة 25 يناير رصدت فيه المناطق العشوائية بمدينة ومركز الفيوم، ورسم التقرير الطريق الأمثل لتطوير هذه المناطق والإبقاء على هويتها وهوية المكان، إلا أن هذه الدراسة لم تر النور حتى الآن. المصدر نفسه شدد على أن صندوق تطوير العشوائيات سبق له أن أنفق 4 ملايين جنيه على شبكة الصرف الصحي بحي الصوفي، واستفاد منها 14 ألف وحدة سكنية و56 ألف نسمة. جائزة «الصبر» بالمنيا سكن الفقر والضيق والعوز منازل قرية الحرية التابعة لمركز المنيا، بل نحت هذا الفقر على وجوههم علامات المرض والتعب بلا رحمة، بعد أن أغشيت أعين المسئولين التنفيذيين عنهم فأصبحوا أفقر قرية على مستوى المنيا. على أرض قرية الحرية اختفت الحياة الآدمية، وسيطرت الشروخ على جدران منازلهم، وبات الإهمال الشديد في البنية الأساسية مع تدهور الخدمات العامة والإنارة والطرق غير الممهدة للسيارات شعار القرية في كل وقت ومكان. يبلغ التعداد السكاني للقرية أكثر من 15 ألف نسمة، لكنها قرية نائية فقيرة سكانها يعيشون في شبه عزلة، الوصول إليها يستلزم قطع مسافات طويلة، أما السكان أنفسهم فمنهم من لم يستقر في مكانه والبعض الآخر لا يزال في ترحال لصعوبة المعيشة، لم لا والقرية محرومة من أبسط الاحتياجات والخدمات الضرورية من مياه وكهرباء ومدارس ومستوصفات صحية وأي مشاريع تنموية من جهة حكومية أو غير حكومية. "لا حكومة ولا مسئولين ولا تنفيذيين، والفقر صعب والعيشة أصعب وبيوتنا هتقع علينا".. بهذه الكلمات الممزوجة بصرخات الحاجة، بدأ "عم محمد سيد - 77 عامًا" حديثه ل"فيتو"، مضيفًا: "منذ أكثر من 12 عامًا افتقدت تلك القرية القوافل الطبية والبيطرية، وللأسف مشروع (تكافل وكرامة) توقف عن أهالي القرية، بعد أن رقصنا فرحًا بمجرد علمنا أن القرية على خريطة هذا المشروع". بجولة صغيرة داخل القرية تبدو ملامحها جيدًا فالممرات العلوية غير الهندسية تسيطر عليها، وكثيرًا ما يلجأ الأهالي إلى تلك الممرات لتوسيع منازلهم التي لا تزيد على 30 مترًا، وللأسف هذه الممرات تنذر بكوارث مؤكدة لساكنيها؛ إذ يقول محمد شحاتة أحد الأهالي: "لجأنا إلى هذا الحل المميت بعد أن ضاق علينا منزلي بأبنائي السبع فاضطرتنا ظروف المعيشة الصعبة التي أنهكتنا إلى هذا الحل فلم نجد سوى المنزل المقابل لمنزلنا مساحته لا تتعدى 20 مترًا لكي أقوم بزواج نجلي الأكبر، فقمت بعمل ممرات علوية مشيدة بجذوع النخل.. والله بنموت من الخوف وإحنا بنعدى عليه بس ما باليد حيلة". وعلى بعد أمتار، تجلس سيدة سبعينية أمام منزلها المنهار يظهر عليها التعب والإرهاق، بعد أن استغرقت ساعات في جمع ملابسها من أسفل منزلها المنهار، لتتحدث عن حالتها، قائلة: "لا أملك من حطام الدنيا شيئًا بعد وفاة زوجي وهجرة أبنائي لي، منزلي كان مشيدًا بالطوب الأخضر، وامتلأ بالشروخ فتوجهت إلى التضامن الاجتماعي لكي يساعدوني في ترميمه باعتبار الوزارة الجهة المسئولة عن هذا ولكن لم أتلق أي إجابة". وأضافت السيدة السبعينية أنها ظلت على وضعها هذا يومًا بعد الآخر حتى انهار منزلها تماما، وأصبحت الآن في الشارع تجلس وتنام أمام حطام منزلها، قائلة: "والله ما عندي مكان والمسئولين انعدم فيهم الضمير، وحياتي فقر عشتها مريضة ومحرومة، والله أهلي البلد دى المفروض ياخدوا جائزة في صبرهم على الفقر والإهمال"، على حد قولها. 61 % من أبناء أسيوط «فقراء» تحت خط الفقر يعيش مئات الآلاف من بين 3.5 ملايين مواطن بمحافظة أسيوط، حتى صارت تلك المحافظة صاحبة المرتبة الأولى بين محافظات مصر في نسبة الفقر ومعاناة سكانها من سوء الخدمات الأساسية والبنية التحتية وتراجعها وانخفاض مستوى المعيشة وتدني الحالة الاقتصادية، خاصة بعد ثورة 25 يناير. وحسب التقارير الأخيرة لجهاز التعبئة والإحصاء، تخطت نسبة الفقر بمحافظة أسيوط حاجز ال61 %، ومن بين أفقر 1000 قرية بالجمهورية هناك 221 قرية في أسيوط وحدها، تمثل 94% من إجمالي القرى بالمحافظة، بل سجلت قرية «شقلقيل» رقمًا قياسيًا عام 2010 باعتبارها أفقر قرية على مستوى العالم. ورغم تصريحات المسئولين المتكررة وتكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي لهم بشأن محافظات الصعيد، وتوجيهه لهم برفع مستوى معيشة مواطنيها وخاصة محافظة أسيوط عبر مواجهة الفساد وتنمية البنية التحتية والنظر بعين الجدية للأزمات التي تسيطر على المحافظة فإن أغلب مواطنيها يعيشون بين المرض والتهميش وانعدام الخدمات وليس فقط نقصها، وما ترتب على ذلك من ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الجريمة. المهندس محمد فؤاد شندويلى -وكيل وزارة التضامن- قال إن الدراسات أكدت تراجع المستوى المعيشي بين أبناء محافظة أسيوط للعام 2017، حيث اختيرت أكثر من قرية كأعلى نسبة فقر بين محافظات الجمهورية، مضيفًا: "لعل قرية الشنابلة التابعة لمركز أبنوب ومن خلفها المعابدة أكثر قريتين على مستوى الجمهورية يعيش جميع سكانهما تحت خط الفقر". شندويلي أشار إلى أن بعض القرى برزت هذا العام في ارتفاع نسب الفقر في كل مركز وسجلت قرية الزاوية الأكثرا فقرًا بمركز أسيوط وبني رافع بمنفلوط وبمركز أبوتيج كانت الأعلى الزرابي والبلايزة، ثم القوصية تسابقت قريتا نزالي جانوب والصبحة على اللقب، وقرية جرف سرحان بمركز ديروط، وبصرة بالفتح، وقريتي العقال القبلي والعتمانية بمركز البداري، بينما تراجعت العامري بالغنايم. الأزمة الأكبر أمام قرى أسيوط، تراجع مستوى الخدمات ما وضعها في مرمى السيول فلاقت التهميش أكثر، فيما تناثرت حالات أخرى بين الجوع والمرض والجهل وفقد عائلها الوحيد فعانت الفقر أكثر من سابق عهدها، ورغم محاولات الرجال وبعض الشباب للهجرة والسفر للعمل بالقاهرة والخارج فإن القرى لا تزال تعاني من تراجع مستواها المعيشي. قرية عرب الشنابلة يقطنها أكثر من 12 ألف نسمة - حسب الإحصاءات الأخيرة - ولقلة أعداد سكانها تهمشت القرية ولم ينظر إليها المسئولون، ومن ثم غابت الخدمات الحكومية، حيث تقع قرية الشنابلة في زمام مركز أبنوب من الجهة البحرية وتقترب كثيرا من سفح الجبل، ومعظم مبانيها بالطوب اللبن والأسقف الخشبية من عروق النخيل، وأهلها لا يعلمون شيئًا عن الثلاجات أو البوتاجازات أو حتى وسائل الترفيه كالتليفزيون. وكغيرها من أهالي المركز تعاني السيدة نجاح (48 سنة) من كونها ساقطة قيد هي وأبناؤها الأربعة، بعد أن هجرها زوجها منذ عدة سنوات تاركَا لها أطفالًا بلا مأوى، ولا تعلم عنه شيئًا بين الجوع والمرض خشية سقوط جدران المنزل فوق رأسها، بعد أن باتت آيلة للسقوط بسبب هطول أمطار غزيرة كل عام، ولم تنجح السيدة في اقتناص أي فرصة من مبادرات إعمار المنازل الأكثر احتياجًا، وكل ما يحتاجه المنزل 25 ألف جنيه لترميمه. وإلى قرية الزاوية بمركز أسيوط التي تشتهر بارتفاع عدد سكانها وقلة مواردهم، وانتشار تجارة السلاح بها، ورغم أن القليل من قاطنيها أغنياء يملكون ملايين الجنيهات فإن أكثر من 90% من سكانها فقراء لا يمتلكون إلا سقفًا متهالكًا يحميهم من ارتفاع حرارة الجو صيفًا وبرودته خلال ليالي الشتاء وبردها القارس. "نقلا عن العدد الورقي..."