تعتبر قيم الرحمة والحرية والعدل والشورى، من أهم معالم الدين الخالد، الإسلام.. فالدعوة إليه يجب أن تكون بعيدة عن أي عنف أو غلظة، وعلى الداعية أن يختار الكلمات والوقت المناسبين للحديث عنها والترغيب فيها "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".. ويمثل النبى (صلى الله عليه وسلم) رحمة مهداة من رب العالمين إلى الناس ككل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وكان كما قال هو عن نفسه: "إنما أنا رحمة مهداة"، وكما قال أيضًا "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. ولم يكن (صلى الله عليه وسلم) إلا مبلغا عن ربه جل وعلا "إن عليك إلا البلاغ"، وإنه ليس مسلطا على الناس قاهرا لهم، يجبرهم على ما يريد "إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر"، وإن لكل إنسان الحرية الكاملة في أن يعتنق الدين الذي يريد، إذ "لا إكراه في الدين"، "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومنا شاء فليكفر".. لماذا؟ لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يكره أحدا على الإيمان به.. هو لا يريد أن يكون إيمان العباد به قسرا وجبرا، وإنما طواعية واختيارا.. هذا على الرغم من أنه سبحانه صاحب النعم كلها، بل واهب الحياة والوجود.. وقد اقتضى عدله ورحمته ألا يمنع عطاءه عن أحد -أيا كان موقفه - مؤمنا أو كافرا، طائعا أو عاصيا "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظورا".. وشتان أي شتان بين عطاء الرب وعطاء العبد.. وقد جاء الإسلام لإقامة العدل بين الناس، وإنه لا فارق أمام القانون بين الحاكم والمحكوم، بين الوزير والخفير، وبين الغنى والفقير "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"، "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"، ذلك لأن غياب العدل يؤدى حتما إلى ضياع الحقوق، وفقدان الأمن والأمان، وهدم الأساس الذي تقوم عليه الدول والمجتمعات "إنما أهلك الأمم من قبلكم، كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"، "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها".. ويقرر الإسلام بكل وضوح وحسم أن القيادة يجب أن تتسم بالرحمة والرأفة واللين في تعاملها مع من هي مسئولة عنه "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"، "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم".. وأنه - أي الإسلام - يمقت الطغيان، ويقرن بينه وبين الفساد "الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد"، وأنه ضد الديكتاتورية والاستبداد "وأمرهم شورى بينهم"، "وشاورهم في الأمر"، بما يعنى أن حرية الرأى مكفولة بل هي حق للجميع، إذ لا شورى بغير حرية.. ومن ثم، فهو يقر بحق الاختلاف في الرأى، وإن قرار الأغلبية هو القرار الصواب، أو الأقرب إلى الصواب.. وقد ثبت أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال لأبى بكر وعمر (رضى الله عنهما): "لو اجتمعتما على أمر ما خالفتكما"، وهو ما يمثل قمة الديمقراطية..