لم يكن موقف الأزهر الشريف من قضية الطلاق الشفوي جديدًا على المؤسسة الدينية الأرفع حيث ضرب عدد من شيوخ الأزهر الشريف، على مر تاريخه العامر، المثل في الحفاظ على ثوابت الإسلام، ورفضوا الخضوع لرغبات بعض الحكام، التي اصطدمت مع صحيح الدين.. نرصد جانبا منها في التقرير التالى. في العام 1948، رفض شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى، تلبية رغبة الملك فاروق، عندما طلب منه إصدار فتوى، تمنع الملكة فريدة من الزواج مرة أخرى في حياتها، مشددا على أن هذا الأمر لا يستقيم ولا يتفق مع الشرع. ويعد شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق، صاحب مواقف مشهودة وتاريخية، أبرزها: رفضه سياسة التطبيع مع إسرائيل التي كان يتبناها الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونظامه؛ وله كلمة شهيرة سجلها التاريخ بحروف من نور، وهى: «لا سلام مع المغتصبين اليهود، ولا سلام إلا بتحرير الأرض العربية»، ووصل ثبات الإمام الأكبر إلى ذروته عندما رفض استقبال الرئيس الإسرائيلى عيزرا وايزمان إبان زيارته للقاهرة عقب توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993؛ مما سبب حرجا شديدا لمبارك وحكومته ولرئيس الكيان الصهيونى المحتل، ولم يتوقف الإمام الأكبر الراحل عند هذين الموقفين السابقين، بل وبمجرد سماعه بتلك الأنباء التي ترددت وقتها حول حصول إسرائيل على حصة من مياه النيل عن طريق مشروع السلام؛ انتفض متحديًا وأطلق مقولته التاريخية: «إن حصول إسرائيل على مياه النيل أصعب من امتلاكها سطح القمر»، وبلغ الصدام بين "جاد الحق"، وبين نظام الرئيس الأسبق ذروته عام 1994، عندما امتنع، قبيل انعقاد المؤتمر الدولى للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة، عن إصدار فتاوى بإباحة الشذوذ والإجهاض وتحريم الختان ؛ كما دعا أعضاء مجمع البحوث الإسلامية لمناقشة وثيقة المؤتمر وأصدر بيانًا شديد اللهجة رفض فيه الوثيقة لأنها تخالف شريعة الإسلام، كما تصدى لقرار وزير التعليم في ذلك الوقت، بمنع ارتداء الفتيات الحجاب في المدارس الابتدائية واشتراط موافقة مكتوبة من ولى أمر الطالبة للسماح لها بارتدائه في المرحلتين الإعدادية والثانوية؛ وأصدرت وقتها لجنة الفتوى بالأزهر الشريف برئاسة الإمام الراحل بيانًا أعلنت فيه أن القرار الوزارى يخالف الشريعة الإسلامية ونصوص الدستور. وأخيرًا.. رفضت هيئة كبار العلماء برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بالإجماع مقترح توثيق الطلاق الشفوي، كشرط لصحة وقوعه بين الزوجين، وناشِدت الهيئةُ جميعَ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الحذَر من الفتاوى الشاذَّة التي يُنادى بها بعض المنتسبين إلى الأزهر الشريف وأئمة الضلال ؛ لأنَّ الأخذَ بهذه الفتاوى الشاذَّة يُوقِع المسلمين في الحُرمة، وأصدرت بيانا تاريخيا أكدت فيه وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وحتى يومنا هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق، وهو موقف ينضم إلى المواقف التاريخية لشيوخ الأزهر الشريف في مواجهة السلطة، والانتصار لصحيح الإسلام.