جدل واسع أثاره قرار النائب العام الفلسطيني المستشار أحمد براك بضبط كافة نسخ رواية "جريمة في رام الله" للكاتب عباد يحيى والمعروضة للبيع لدى المكتبات والمحال ونقاط بيع الكتب والروايات في كافة محافظاتفلسطين. أسباب المنع وجاء القرار استنادا للتحقيقات التي تجريها النيابة العامة بخصوص الرواية، والتي وردت فيها نصوص ومصطلحات مخلة بالحياء والأخلاق والآداب العامة، والتي من شأنها المساس بالمواطن – على حد قول البيان الصادر عن مكتب النائب العام- لا سيما القصّر والأطفال حماية لهم ووقاية من الانحراف. وأكد البيان أن الرواية تتنافى مع الاتفاقيات الدولية ومنظومة القوانين الفلسطينية ذات العلاقة، وقانون المطبوعات والنشر، وقانون العقوبات، وقانون حماية الأحداث، وقانون الطفل، الذي حظر نشر أو عرض أو تداول أي مصنفات مطبوعة أو مرئية أو مسموعة، تخاطب غرائز الطفل وتزيّن له السلوكيات المخالفة للنظام العام والآداب العامة. جريمة الكاتب فيما أبدى كاتب الرواية المصادرة قلقه واندهاشه من القرار ومن كل توابعه من تحقيق ومصادرة، قائلا: "أنا مندهش وقلق على واقع حرية الإبداع والتعبير والنشر والكتابة، ومصدوم فعلا من حدوث ما يجري وبهذه الطريقة!!". وأضاف الكاتب معلقًا على قرار المصادرة: "طوال فترة الجدل بشأن الرواية على فيس بوك وغيره لم أعلق، لأنني لست بصدد جدل أدبي عن طبيعة الأدب اليوم وأمس وماذا يقول وأي مساحات يطرق، خاصة حين يقارب واقعيا وخياليا حيوات متعددة، فلا فائدة من الرد على الاجتزاء المتعمد، والجهالة المقصودة، وإطلاق الأحكام دون حتى قراءة الرواية أصلا، ونزع كل الفقرات المتداولة من سياقها الكامل، أما التهجم على شخصي والتهديد الذي يطالني فحقي القانوني واضح وسأتابعه مع كل شخص تهجم أو شهّر أو هدد". وأكد: "مهم هنا التأكيد على خصوصية النص الأدبي والروائي، وسياقاته ولغته ومقتضياته الفنية، وهذا ما لا أتنازل عنه ككاتب، هذه حريتنا ببساطة". المبدعون يدافعون الأمر لم يرق مجموعة كبيرة من الأدباء والشعراء الفلسطينيين، وعلى رأسهم وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو، فكونه شاعر في الأساس جعل الدماء تتحرك في عروقه ولم يستكن لكونه واحدا من طاقم الحكومة التي صادرت الرواية. وفي خطوة غير متوقعة، أعلن بسيسو أنه ينوي شراء الرواية وقراءتها، قائلا خلال تدوينة له بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "سأبدأ اليوم قراءة رواية (جريمة في رام الله) للكاتب عباد يحيى، فقرار منع تداولها جعلني أكثر إصرارا على قراءة العمل بحثا عن مسوغات المنع، رغم رفضي لزج القانون في العملية الإبداعية، فهذه مسألة بحاجة إلى نقاش طويل قبل الخوض في تفاصيلها المتشابكة". وأضاف: "إن فكرة مصادرة أي رواية أو كتاب إبداعي بالاستناد إلى بنود قانونية، رغم عدم قبول الفكرة ثقافيا هي مسألة بحاجة إلى رأي خبراء القانون في المقام الأول من هذه المسألة والذين نتطلع إلى مداخلاتهم القانونية حول الموضوع، انتصارا للحرية والقانون معا في فلسطين، ورفضا لممارسة أي نوع من الرقابة الفكرية على الأعمال الإبداعية، فمحاكمة الإبداع تأتي عبر النقد، وليس عبر المنع الذي يحيلنا إلى حالات متعددة من كوارث الإقصاء". الاختلاف في الرؤية وتابع بسيسو: "أؤمن أنه من حق الجميع الاختلاف في رؤية الفن والأدب، ومن حق الجميع إبداء الرأي حول الأعمال الأدبية والفكرية والفنية في سياق تعددية ثقافية تسمح بنقاش حضاري وفكري، تتفق أو تعارض، توافق أو ترفض، في سياق ثقافي في هذه المساحة المتسعة للرؤى المختلفة والقابلة لتعدد الرأي، وهذا هو دور الثقافة كما أراه، وهذا هو جوهر العمل الثقافي الذي يثري المشهد العام بتنوع الآراء والرؤية والنظرة للأدب والفكر". وأكد بسيسو أنه لا يمكن القبول بأي وصاية فكرية تحددها أي جهة في المجتمع، لأنها ببساطة تفتح بابا لا يمكن إقفاله وتثير حالة قد تبدأ ولا تنتهي من الإقصاء بدواعي الوصاية وفرض الرأي، وهذا ما لا تنتظره فلسطين. وقال بسيسو: "إن منع رواية لا يصنع فكرا، ورغم هذا أقبل من يعارض جوانب معينة في أي عمل إبداعي، لكن دون محاكمة نصية للإبداع ولكن مع محاكمة إبداعية للنص، عبر النقد، والمثقفون كنقاد وقراء أذكياء بما يكفي لقبول عمل أو رفضه، عبر القراءة والنقد والمتابعة، فالجدوى من الإبداع خلق الأسئلة وفتح المجال للتأويل والنقد وليس عكس ذلك، وإلا ستنحصر مفاهيم الإبداع ونحاصر أنفسنا في حصارنا". وختم بسيسو بقوله: "فلنقرأ الرواية أولا ونناقش المسألة ثقافيا، وفي الجانب القانوني ستتابع وزارة الثقافة المسألة دون تردد مع جميع ذوي الاختصاص انتصارا لمبدأ حرية الرأي والتعبير".