انتقلت مصر الثورة شامخة فى الآفاق تبرز عزتها وكرامتها، وتبسط جناح العزة على المستوى الإقليمى والدولي، فهى التى تلقى الخطابات النارية الخاصة بالشأن السوري، وهى التى تعيد تقييم أوضاعها مع الدول العربية والإسلامية وتفتح صفحة جديدة مع إيران ضاربة - أو هكذا يبدو- بالمعارضة الأمريكية للوجود أو النفوذ الإيرانى عرض الحائط. ثم تتدخل بثقل جديد لم تعهده من قبل - أو هكذا يبدو- لإنهاء حرب غزة والاعتداء الإسرائيلى عليها، ليزهو بعض أبناء الشعب بهذه الروح الجديدة التى تسرى فى شريان الوطن الجديد، بغض النظر عن مد الأيدى لكل من هب ودب طالبة الدعم والعون، ووضع بعض الكيانات فى مصاف الدول الفاعلة والراسمة لخريطة وسياسة المنطقة حتى ولو كانت هذه الكيانات لا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها فى مواجهة مجموعة مسلحة بالعصى. دخلت مصر منافسة لم تدخلها من قبل، ليس لأنها فى هذه الحالة نظرت للعلا والمجد، ولكن لأنها نزلت للقاع، فهناك بعض المناصب كانت مصر تحصل عليها بالتزكية أو ما يقاربها، مثل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية مثلا، فلم يكن أحد يرشح أحدا لمنافسة مرشح مصر، إلا فى هذه الدورة، تطاولت قطر وضغطت لإبعاد المرشح المصرى الدكتور مصطفى الفقى، وهو من هو فى عالم السياسة والعلاقات الدولية، وتقدمت بمرشحها رئيس وزرائها، واشترطت لسحبه تغيير المرشح المصرى، وتم الرضوخ لهذا الطلب!! ثم كانت الكارثة الكبرى، وهى الترشح لرئاسة البرلمان العربى فقدمت مصر النائب على فتح الباب لمنصب رئيس البرلمان العربى، وتكون المفاجأة القاتلة، وهى حصول سيادة النائب على 3 أصوات، أعتقد أن من بينها صوته شخصيا!! وحصول منافسه الإماراتى على 43 صوتا، ليعكس ذلك مستوى قابلية مرشح مصر وسمعته داخل البرلمان العربى، كما يعكس مدى سعى مصر لتزكية مرشحها والضغط لدى الأطراف الفاعلة، وكأن مصر تعرض بضاعة كاسدة فلا تجد من يشتريها. فإذا كانت هذه هى مكانة المرشح لدى أعضاء البرلمان العربى فما هو معيار اختياره من المسئولين فى مصر. أما عن دور الخارجية والرئاسة فى مصر فى هذه الكارثة فإما أنها لم تتدخل لتزكية مرشحها، وفى هذه الحالة يتبين لنا أن الخارجية والرئاسة لا تسعى بحال من الأحوال لرفع مكانة مصر على المستوى العربى ولعلها لا تدرك أن ذلك من مظاهر الريادة، أو أنها تدخلت ولكن لم يعرها أحد اهتماما، وهذا يعكس أيضا مدى تأثير مصر فى العالم العربى، وهو كما يتضح تأثير بالسلب. وأنتقل من باب التذكير لمصر لعلها أخرى أو هي هي، ولكن حدث لها شيء ما، وهو تمثيل مصر خارجيا، فقد تم اختيار الدكتور بطرس بطرس غالى أمينًا عامًّا لمنظمة الأممالمتحدة 1992 إلى 1996، وسعت مصر لمساندته بكل ما تملك، كما حصلت على رئاسة الاتحاد البرلمانى لمنطقة الدول الإسلامية الأعضاء سنة 2000، وعضوية اللجنة البرلمانية التمهيدية لمؤتمر رؤساء برلمانات العالم 1999، ورئاسة الاتحاد العربي 1998- 2000، ورئاسة الاتحاد البرلمانى الدولى 1994 – 1997، ورئاسة اتحاد البرلمانات الأفريقية 1990- 1991. وغيرها كثير من التمثيل فى المناصب العليا، ولا يمكن تجاهل رئاسة الدكتور البرادعى للوكالة الدولية للطاقة الذرية من 1997وحتى 2009. هل كانت كل هذه الدول التى قبلت مصر فى أشخاص ممثليها فاسدة؟ أم أن مصر قامت برشوتهم جميعا؟ هل يعقل أن هذه الحال هي ما ننتظره لمصر الثورة؟ أم أنها سياسة التجريف تعم مصر، أم أن مصر "كانت ثم أصبحت"، لا أدرى، ولكن فى القلب مرارة، وفى النفس غصة، وربى عالم ليس غافلا. محمد حماد سليم