40 عاما قضاها "فرغل الكفيف"، داخل عشة دواجن، مساحتها "متر x متر"، 40 عاما تحمل بداخلها لهيب الصيف وقسوه الشتاء، بلا عائل، فحينما تطأ قدماك قرية "بنى محمد شعراوى" بأبوقرقاص، وتحاول أن تبحث عنه تجد كل الألسنة تقول جملة واحدة "موجود عند ترعة الصرف الصحى". وحينما تقترب من المكان، من أول وهلة ستظن أنه لا يتعدى كونه "عشة دواجن"، عبارة عن مبنى من طين، محاولات التقاط صور داخلية للمكان، كان الفشل حليفها، فالظلام وقف بالمرصاد، إلى جانب ضيقه بشكل واضح، فباب، ما يسمى منزل، لا يتعدى ارتفاعه 70 سم، وعرضه يكفى لمرور 40 سم، فقط لا غير. "فرغل" اختار حياته أقرب لحياة الرهبان، فالأحوال المادية المتردية حرمته من الزواج، فكان يردد دائمًا أثناء حديثنا معه "لو كان ليا ابن كان وقف جنبى ومرمانيش". فرغل توفيق عبد الباقى خليل، الاسم الكامل لذلك الكفيف، رجل سبعينى، فقد بصره منذ زمن بعيد بكاءً على المعاناة التي عايشها طيلة حياته. حينما حاولنا الاقتراب منه، وبعد إلقاء السلام، قال: "اتفضلوا جنبى معنديش مكان جوه"، وطيلة الحديث معنا كانت يداه ترتجفان من شدة البرد حينما سألناه لماذا أنت تسكن في هذا المكان قال "أنا من زمان بعيش في المكان ده ييجى من 40 سنة كده ملقتش أي مكان أقعد فيه والحال ضيق والعيشة على قدها، ولا عندى عيل ولا تيل"، على حد تعبيره. يداه لم ترحمهما سنوات الفقر، فهناك جروح متناثرة عليها، عقب على وجودها بقوله: "دى من الباب بتاع العشة كل ما ادخل أو اطلع منه أيدي تتزنق في الباب فتتعور". عندما حاولنا التواصل معه عن عائلته وأشقائه، انتابته نوبة غضب، أكمل بعد أن هدأ قليلا: معنديش أشقاء، ومتسألنيش عنهم هو انت من طرفهم، كان عندى 3 أخوات راجل واتوفى واتنين عايشين، خدوا الورث وسابونى في الشارع.. ربنا يجازيهم". " عاوز آكل.. وعاوز أشرب.. وعاوز أنام.. تعبت في حياتى نفسى ارتاح والله"، كلمات أخيرة أنهى بها "فرغل الكفيف" حديثه معنا، وبدأ يلتقط أنفاسه المتلاحقة. في المقابل، عدد من أهالي القرية، أكد لنا أن "فرغل" يتعرض للموت بسبب ذلك المكان الذي يعيش فيه، وتحديدا عندما تنزلق قدماه في ترعة في الصرف الصحى، ولولا عناية الله نسمع صوته وهو يستغيث من المياه شديدة البرودة، وينجو من الموت.