قررت حارة درب المهابيل القيام بثورة ضدي، نعم ضدي أنا، رغم أنني لا علاقة لي بأي شيء، لا أنا حاكم لهذه الحارة ولا أتدخل فى شئونها، فقط كنت أصدح أمامهم بأقوالى الخالدة بعد أن أشرب أقداح الجعة المترعة، ولا أظنكم تعرفون كيف كانت رأسى تدور بعد أول كأس، فأنا عاشق للشراب صبابة, وبعد أن تدور رأسي كنت أقف في الشعب خطيبا، ليس كأي خطيب ولكننى وفقا لطبيعتي كنت خطيبا مفوها لا أكل من الكلام ولا أمل من الحديث حتى أن البعض تصور أنني لسان نبت له رَجُل، وفي كل مرة كان أهل الحارة يطربون من خطبي، ما الذي حدث إذن؟ ما الذى جعل أهل الحارة ينظمون ثورة علىَّ؟. كانت البداية عندما وقف صديقي ابن حلزة في وسط الحارة صائحا: اليوم حرام فيه العلم، اليوم سوف يراق الدم، بعدها يا مولانا تجمع حوله أهل الحارة، قال أحدهم: ماذا تريد؟ رد ابن حلزة: سوف نثور على «أبو يكح الجوسقي». قال الناس بصوت واحد: ولماذا نثور عليه؟. أجابهم ابن حلزة: لأنه شبيه بالرئيس المصرى محمد مرسي، وقد أصابنا الضجر من هذا الرئيس وجماعته، ونظرا لأننا أحيانا نؤثر السلامة فقد قررت أن نثور جميعا على مرسي هنا في الحارة، ولأن مرسي لا يجلس بيننا إذ إنه يجلس مع أهله وعشيرته في تنظيمهم السري؛ لذلك كان من الحتمي أن نثور على من يشبهه شكلا، ولا يوجد بيننا من تقترب ملامحه من مرسي إلا الجوسقي. كان لابد أن ارد على خطبة ابن حلزة، فقلت وأنا أتصنع الهدوء والحكمة: الإخوان جماعة ربانية، والرئيس محمد مرسي رئيس رباني، والمرشد رباني، والحياة الإخوانية أصبح لونها ربانيا. حين قلت هذه العبارة فإذا بجوقة المعارضة تهب في وجهي مثل وابور الجاز الذي لم يتم تسليكه، وصاح ابن حلزة زعيم المعارضة في الحارة صائحا: الحقيقة يا أخ أبويكح الرئيس مرسي رباني وربى أهلي. نهرته قائلا: لماذا تتحدث هكذا أيها الأخ الكريم عن الأخ الكريم ابن الكريم محمد مرسي وعن جماعته الربانية، إنها لا تبتغي إلا مصلحة مصر كلها. قفز من بين الجماهير الأخ الثوري «توكلنا على الله» معترضا، واستطاع من خلال معارضته اجتذاب فئة من أهل الحارة، وفجأة تحولت الحارة إلى فئتين، فئة تريد أن تحرق مقر الإخوان في الحارة فورا، وفئة أخرى لا تريد أن تحرق مقر الإخوان، إلا إذا كان فيه إخوان. وفي الحالتين كنت خائفا ومرعوبا، فربما يدفع الشبه الذي بيني وبين مرسي أن يتهور المعارضون ويعلقوني على محل عم «دعبس» الجزار مثل الذبيحة، إلا أن قلبي اطمأن بعض الشيء, لأن الفئة الأولى التي تعارض الرئيس الرباني محمد مرسى رضي الله عنه وتريد حرق مقر الإخوان فقط, أخذت تطنطن بالكلام الناعم وتهرف بالأقاويل التي تجنح ناحية السلمية، إذ كانت تكتفي فقط بتوجيه سيل من الشتيمة للإخوان من مرشدهم إلى أصغر واحد فيهم، ولكن أصابني الخوف من الفئة الثانية التي أخذت تتوعد بالعنف حتى إنني قلت لهم: هو كله ضرب ضرب! مافيش شتيمة؟ قال الثوار من الفئة الثانية: إن مرسي لم يفعل شيئا طوال أشهر حكمه, وقام بقسمة البلد وسلم مفتاحها للإخوان وخيرت الشاطر يبيع فيها كما يشاء ويرهن ممتلكاتها للقطريين وكلاء الخواجات، وأخذ بعض المتهكمين يطلق سخريته على الرئيس الرباني ويقول إن حكم مرسي هو حكم "الاشتغالات" ولا أدري وأيم الله ما معنى اشتغالات هذه التي أصبحت كلمة دارجة على ألسنة العامة، والذي نفس مرسي بيده لأقطعن دابر هذه الفئة التي تسخر من رئيسنا المحبب. ولعلكم تلاحظون أنني أدافع عن الرئيس مرسي بكل ما أملك من قوة، وما ذلك في الحقيقة نفاقا أو لأنني شبهه أو غير ذلك، بل هو إيمان عميق بعد أن تبين لي أن الرئيس المفدى أصبح ربانيا يقول للشيء كن فيكون، وقد تأثرت واقتنعت بربانيته عندما نشر موقع إخوان أون لاين هذه المقولة، وهو موقع يمثل فئة تدافع عن الإسلام فكان من الحري عليَّ أن أصدقه وأقتنع بمقولاته. لم أحفل بدعاوى الحقد التي خرجت من أعداء الإسلام, التي تطالب بمحاسبة الرئيس الرباني محمد مرسي على إخلافه لوعوده، صحيح كنت خائفا على نفسي، فالخوف هو سيد المشاعر، ولكن القلق فارقني عندما وجدت أهل الحارة المعارضين للإخوان قرروا عقد مليونية في ميدان التحرير بدلا من أن تكون في الحارة، وأن تكون موجهة لمرسي والإخوان، وأن تطالب بإسقاطهم، ومع أن الخوف فارقني إلا أن الهواجس انتابتني: ماذا يريد هؤلاء المخربون، ولنفترض ان الرئيس مرسي لم يف بوعوده، ولكن أليس ربانيا! ربانيته تغفر له كل شيء أيها السوقة والدهماء. المهم أن الحارة كلها خرجت إلى ميدان التحرير، وتفرق القوم ، فيما بين ذاهب إلى قصر الاتحادية, وذاهب إلي شارع الشيخ ريحان وذاهب إلي ماسبيرو، المهم أن الكل تحرك، ولكن لأن الجماعة الإخوانية هي جماعة ربانية؛ لذلك لم تلتفت لهذه الترهات، فعلت كما فعل مبارك، عفوا فقد كان مبارك لديه بعض الأحاسيس، ولكن كيف تصبح جماعة الإخوان جماعة لها أحاسيس؟ هذا لعمري أعجب الأعاجيب، الرئيس مرسي يا مولانا أذن من طين وأخرى من عجين، ومرشدهم ولااااا أي اندهاش، وخيرت الشاطر باندهاشاته أعاد للأذهان الفنانة القديمة نجمة إبراهيم في فيلم "ريا وسكينة" عندما قالت لأختها بعد أن خنقت إحدى الضحايا: يوووه جتها ستين نيلة بنت الحرام، عضتني في إيدي كأني عدوتها! طبعا الاحتياطات التي اتخذها الإخوان في التحرير كانت في ذروتها، ولكن التظاهرات كانت أيضا في ذروتها، والآن بعد عدة أيام من الثورة الجديدة, أكتب لكم هذه الخاتمة السريعة، أنا أبويكح الجوسقي نزيل ليمان طرة، لست وحدي طبعا ولكن معي الرئيس السابق مرسي ومرشد الإخوان ونائبه فضلا عن رئيس الوزراء ووزير الداخلية والنائب العام، وفي باقي السجون يقبع الآن جيش البلطجية الإخواني الذي حكم مصر سبعة أشهر... أما كيف انتهى حكم الإخوان, فيبدو أن ذلك أصبح من عادات الشعب المصري, حيث تحولت التظاهرات إلى ثورة عظيمة هزمت بلطجية الإخوان وقوضت عروشهم وحاكمتهم، فأخذ الرئيس السابق وأعوانه مؤبداً, لكنني والحمد لله أخذت عاماً واحداً, فقد راعت المحكمة أنني كنت أعمل معهم بالإكراه، وأنا الآن أنتظر الإفراج قريبا وقد جلست مع الرئيس السابق ومكتب الإرشاد كي أكتب مذكراتهم، طبعا كلكم تعرفون أن الثورة ضد الإخوان كانت حديث العالم كله ولكن للأسف بعد الثورة تشكلت مئات الائتلافات للثوار, وحدثت مشاكل بين القوى السياسية حول الدستور أولا أم الانتخابات؟ واشتدت الخلافات بين الثوار والأحزاب والحركات الإسلامية، وظهر أن فصائل إسلامية وليدة عقدت تحالفات بهدف الوصول للحكم وصمموا على أن الانتخابات أولا, وقد تقدم للترشيح على منصب رئيس الجمهورية كل من: الدكتور سليم العوا وعمرو موسى ومحمد البرادعي وحازم أبو إسماعيل وعبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وأحمد شفيق.. وباباي يا شعب.