ولاء صلاح الدين: "المرأة تقود" خطوة جادة نحو تمكين المرأة في المحافظات    البلشي يدعو النواب الصحفيين لجلسة نقاشية في إطار حملة تعديل المادة (12) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    إعلام عبري: 1200 ضابط يطالبون بوقف الحرب السياسية بغزة    عشائر غزة: فشل آلية المساعدات بسبب استبعاد المؤسسات الدولية    اتحاد الكرة يتحفظ على وجود 21 فريق في الدوري الموسم الجديد ومقترح بزيادة عدد الأندية    خبير لوائح: قرار المحكمة الرياضية منطقيًا والحسم يمتد لفترة تصل لشهرين.. فيديو    إصابة 8 بينهم رضيعان أشخاص في انقلاب سيارة ميكروباص ببني سويف    بعد شائعة وفاته... جورج وسوف يحيي حفلاً في السويد ويطمئن جمهوره: محبتكم بقلبي    مهرجان الدار البيضاء يكرّم الفنان أحمد حلمي في دورته السادسة    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    "وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمتين العربية والإسلامية:بحلول شهر ذي الحجة المبارك"    حماس: آلية توزيع المساعدات فشلت وتحولت لفخ خطير يهدد حياة المدنيين    هل تحوّلت خطة المساعدات في غزة من مشروع إنساني إلى أداة لتهجير وإذلال الفلسطينيين؟    وزير قطاع الأعمال: قصر غرناطة سيتم تشغيله كمركز ثقافي وسياحي    حزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء يبحث خطة العمل بأمانة التعليم (صور)    موعد مباراة بيراميدز وسيراميكا كليوباترا والقناة الناقلة    تعرف على حكام مباريات اليوم بدورى نايل    عبد المنصف: عواد وصبحى يتعرضان للظلم.. والأهلى الأقرب لحصد لقب الدورى    طاقم مصري بقيادة شاهندا المغربي لإدارة وديتي الإمارات والبحرين في الكرة النسائية    منتخب مصر للسيدات يودع بطولة "باكو 2025" على يد هولندا    أبرزها الحاسبات.. 4 كليات بجامعة الأقصر الأهلية في تنسيق الجامعات 2025    أخبار × 24 ساعة.. بيان دار الإفتاء حول رؤية هلال ذى الحجة لعام 1446 ه    حالة الطقس اليوم الأربعاء، نشاط للرياح على هذه المناطق    2 يونيو، تسليم خطابات الندب لرؤساء لجان الثانوية العامة والمراقبين والملاحظين    محامي نوال الدجوي يكشف حقيقة إرسال بلطجية لتهديد حفيدها الراحل قبل وفاته    4 سيارات إطفاء تتصدى لحريق مخزن فراشة أفراح بكرداسة    وجبة كفتة تهدد حياة 4 من أسرة واحدة بالعمرانية    "اغتصبوا فتاة في أرض زراعية".. أحكام من النقض بشأن إعدام 11 متهم بالمنوفية    جورجينيو يعلن رحيله عن أرسنال عبر رسالة "إنستجرام"    بن جفير يتهم سياسيًا إسرائيليًا بالخيانة لقوله إن قتل الأطفال أصبح هواية لجنود الاحتلال    سلمى الشماع: تكريمي كان "مظاهرة حب" و"زووم" له مكانه خاصة بالنسبة لي    حدث بالفن | وفاة والدة مخرج وتامر عاشور يخضع لعملية جراحية وبيان من زينة    "إعلام النواب" ترفض غلق بيوت الثقافة.. والوزير يكشف عن موقفه    شاهد.. أبرز مهارات وأهداف لامين يامال مع برشلونة بعد تجديد عقده    "هآرتس": أميركا تضغط على إسرائيل وحماس للتوصل لاتفاق    لتقديم خدمات الأورام.. التأمين الصحي الشامل توقع تعاقدًا مع مركز "جوستاف روسي"    حصاد رحلة رامى ربيعة مع الأهلي قبل انتقاله للعين الإماراتى    إقبال كبير في سوق المواشي ببنها قبل أيام من عيد الأضحى المبارك    الشركة المتحدة تفوز بجائزة أفضل شركة إنتاج بحفل جوائز قمة الإبداع    سفارة أذربيجان تحتفل بالذكرى ال 107 لعيد الاستقلال    حواء على طريق الريادة| خلية نحل بالأكاديمية الوطنية لإنجاز برنامج «المرأة تقود للتنفيذيات»    زاهي حواس: أفحمت جو روجان ودافعت عن الحضارة المصرية بكل قوة    من الكويت إلى دبا.. مصعب السالم يعيد صياغة يونسكو بلغة معاصرة    أمانة الإعلام بحزب الجبهة الوطنية: حرية تداول المعلومات حق المواطن    رئيس الوزراء يشهد احتفالية تطوير مدينة غرناطة بمصر الجديدة.. بعد قليل    هل يأثم من ترك صيام يوم عرفة؟.. أمين الفتوى يحسم الجدل    توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الأوقاف والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية    حالة الطقس غدا الأربعاء 28-5-2025 في محافظة الفيوم    أسهم شركات "الصلب" و"الأدوية" تتصدر مكاسب البورصة المصرية وتراجع قطاع الاستثمار    رئيس اتحاد النحالين يكشف حقيقة فيديو العسل المغشوش: غير دقيق ويضرب الصناعة الوطنية    بيان عاجل بشأن العامل صاحب فيديو التعنيف من مسؤول عمل سعودي    السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    «الإفتاء» تكشف عن آخر موعد لقص الشعر والأظافر ل«المُضحي»    نائب رئيس جامعة بنها تتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التربية الرياضية    وكيل صحة البحيرة يتفقد العمل بوحدة صحة الأسرة بالجرادات بأبو حمص    «حنفي»: المنطقة العربية تملك فرصًا كبيرة لتكون مركزًا لوجستيًا عالميًا    تؤكد قوة الاقتصاد الوطني، تفاصيل تقرير برلماني عن العلاوة الدورية    في إطار التعاون الثنائي وتعزيز الأمن الصحي الإقليمي.. «الصحة»: اختتام أعمال قافلتين طبيتين بجيبوتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. ج2◄40
نشر في فيتو يوم 21 - 12 - 2016

ومازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...
وأما قول جابر: إنه أفرد الحَجَّ ، فالصريحُ من حديثه ليس فيه شئ من هذا ، وإنما فيه إخبارُه عنهم أنفسهم أنهم لا ينوون إلا الحج ، فأين فى هذا ما يدل على أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لبَّى بالحجِّ مفرداً.

وأما حديثه الآخرُ الذى رواه ابن ماجة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفرد الحَج، فله ثلاث طرق . أجودها : طريق الدراوردى عن جعفر بن محمد عن أبيه ، وهذا يقيناً مختصر من حديثه الطويل فى حَجَّة الوداع ، ومروى بالمعنى، والناس خالفوا الدراوردى فى ذلك. وقالوا: أهلَّ بالحَجِّ ، وأهلَّ بالتوحيد. والطريق الثانى: فيها مُطرِّف بن مُصعب، عن عبد العزيز بن أبى حازم، عن جعفر ومُطرِّف ، قال ابن حزم : هو مجهول ، قلتُ: ليس هو بمجهول ، ولكنه ابنُ أخت مالك ، روى عنه البخارى ، وبشر بن موسى، وجماعة.
قال أبو حاتم: صدوق مضطرب الحديث، هو أحبُّ إلىَّ من إسماعيل بن أبى أويس، وقال ابن عدى : يأتى بمناكير، وكأنَّ أبا محمد ابن حزم رأى فى النسخة مُطرِّف بن مُصعب فجهله، وإنما هو مُطرِّف أبو مصعب ، وهو مطرِّف ابن عبد الله بن مطرِّف بن سليمان بن يسار، وممن غَلِطَ فى هذا أيضاً ، محمد بن عثمان الذهبى فى كتابه ((الضعفاء)) فقال: مُطرِّف بن مُصعب المدنى عن ابن أبى ذئب منكر الحديث. قلتُ : والراوى عن ابن أبى ذئب، والدراوردى ، ومالك ، هو مُطرِّف أبو مُصعب المدنى ، وليس بمنكر الحديث، وإنما غرَّه قولُ ابنِ عدى : يأتى بمناكير، ثم ساق له منها ابنُ عدى جملة ، لكن هى من روايةِ أحمد بن داود بن صالح عنه، كذَّبه الدارقطنى ، والبلاء فيها منه.

والطريق الثالث: لحديث جابر فيها محمد بن عبد الوهَّاب يُنظر فيه مَن هو وما حالُه عن محمد بن مسلم ، إن كان الطائفى ، فهو ثقة عند ابن معين ، ضعيف عند الإمام أحمد ، وقال ابن حزم : ساقط البتة ، ولم أر هذه العبارة فيه لغيره ، وقد استشهد به مسلم ، قال ابنُ حزم : وإن كان غيره ، فلا أدرى مَن هو ؟ قلت: ليس بغيره ، بل هو الطائفى يقيناً ، وبكلِّ حال فلو صح هذا عن جابر ، لكان حكمه حكم المروىِّ عن عائشة وابنِ عمر ، وسائر الرواة الثقات ، إنما قالوا : أهلَّ بالحَجِّ ، فلعلَّ هؤلاء حملوه على المعنى ، وقالوا : أفرد الحَج ، ومعلوم أن العُمرة إذا دخلت فى الحجِّ ، فمَن قال : أهلَّ بالحَج ، لا يُناقِضُ مَن قال : أهلَّ بهما ، بل هذا فصَّل، وذاك أجمل.
ومَن قال: أفرد الحجَّ ، يحتمِل ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة ، ولكن هل قال أحدٌ قطُّ عنه: إنه سمعه يقول: (( لبَّيْكَ بِحَجَّةٍ مفردة ))، هذا ما لا سبيل إليه ، حتى لو وُجِدَ ذلك لم يُقَدَّمْ على تلك الأساطين التى ذكرناها والتى لا سبيلَ إلى دفعها البتة ، وكان تغليطُ هذا أو حملُه على أول الإحرام ، وأنه صار قارناً فى أثنائه متعيناً ، فكيف ولم يثبُت ذلك، وقد قدَّمنا عن سُفيان الثورى، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر رضى اللَّه عنه ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قرن فى حَجَّة الوداع . رواه زكريا الساجى ، عن عبد اللَّه بن أبى زياد القَطَوانى ، عن زيد ابن الحُباب ، عن سفيان ، ولا تناقض بين هذا وبين قوله : أهلَّ بالحَجِّ ، وأفرد بالحَجِّ ، ولبَّى بالحَجِّ ، كما تقدَّم.

في لترجيح لرواية مَن روى القِران

فحصل الترجيحُ لرواية مَن روى القِران لوجوه عشرة .

أحدها: أنهم أكثرُ كما تقدَّم .
الثانى: أن طُرق الإخبار بذلك تنوّعت كما بيَّناه .
الثالث: أن فيهم مَن أخبر عن سماعه ولفظه صريحاً ، وفيهم مَن أخبر عن إخباره عن نفسه بأنه فعل ذلك ، وفيهم مَن أخبر عن أمر ربه له بذلك ، ولم يجئ شئٌ من ذلك فى الإفراد .

الرابع: تصديقُ روايات مَن روى أنه اعتمر أربع عُمَر لها .
الخامس: أنها صريحة لا تحتمِلُ التأويل ، بخلاف روايات الإفراد .
السادس: أنها متضمِّنة زيادةً سكت عنها أهلُ الإفراد أو نَفَوْها ، والذاكر الزائد مقدَّم على الساكت ، والمُثْبِتُ مقدَّم على النافى .

السابع: أن رواة الإفراد أربعة : عائشة ، وابنُ عمر ، وجابر ، وابنُ عباس ، والأربعة رَوَوُا القِران ، فإن صِرنا إلى تساقُطِ رواياتهم ، سَلِمَتْ رواية مَن عداهم للقِران عن معارض ، وإن صِرنا إلِى الترجيح ، وجب الأخذُ برواية مَن لم تضطِرب الروايةُ عنه ولا اختلفت ، كالبرَّاء ، وأنس ، وعمرَ بن الخطاب ، وعِمران بن حصين ، وحفصة ، ومَن معهم ممن تقدَّم .

الثامن: أنه النُّسُك الذى أُمِرَ به من ربِّه ، فلم يكن ليعدل عنه .
التاسع: أنَّه النُّسُك الذى أُمر به كُلُّ مَن ساق الهَدْى ، فلم يكن لِيأمرهم به إذا سَاقُوا الهَدْى ، ثم يسوق هو الهَدْى ويُخالفه .
العاشر : أنَّه النُّسُك الذى أَمر به آله وأهلَ بيتِهِ ، واختاره لهم ، ولم يكن لِيختارَ لهم إلا ما اختارَ لنفسه .

وَثَمَّتَ ترجيحٌ حادى عشر، وهو قوله : (( دخلت العُمْرة فى الحَجِّ إلى يوم القيامة )) ، وهذا يقتضى أنها قد صارت جُزءاً منه ، أو كالجزء الداخل فيه، بحيث لا يُفصل بينها وبينه ، وإنما تكون مع الحجِّ كما يكون الداخل فى الشئ معه .

وترجيح ثان عشر: وهو قولُ عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه للصُّبَىّ ابن معبد وقد أهلَّ بحجٍّ وعُمرة ، فأنكر عليه زيد بن صُوحان ، أو سلمان ابن ربيعة ، فقال له عمر : هُدِيتَ لسُّنَّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا يُوافق رواية عمر عنه صلى اللَّه عليه وسلم أن الوحى جاءه من اللَّه بالإهلالِ بهما جميعاً ، فدلَّ على أن القِران سُّنَّتُه التى فَعَلَها ، وامتثلَ أمرَ اللَّه له بِها .

وترجيح ثالث عشر: أن القارنَ تقعُ أعمالُه عن كُلٍّ من النُّسُكين ، فيقع إحرامُه وطوافُه وسعيُه عنهما معاً ، وذلك أكملُ مِن وقوعه عن أحدهما ، وعمل كل فعل على حِدة .

وترجيح رابع عشر: وهو أن النُّسُكَ الذى اشتمل على سَوْق الهَدْى أفضلُ بلا ريب مِن نُسُكٍ خلا عن الهَدْى ، فإذا قَرنَ ، كان هَدْيُه عن كل واحد من النُّسُكين ، فلم يَخْلُ نُسُكٌ منهما عن هَدْى ، ولهذا واللَّه أعلم أمرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مَن ساق الهَدْى أن يُهِلَّ بالحَجِّ والعُمْرة معاً ، وأشار إلى ذلك فى المتفق عليه من حديث البرَّاء بقوله : (( إنى سُقْتُ الهَدْىَ وَقَرنْتُ )) .

وترجيح خامس عشر: وهو أنه قد ثبت أن التمتع أفضلُ من الإفراد لوجوه كثيرة منها : أنه صلَّى اللَّه عليه وسلم أمرهم بفسخ الحَجِّ إليه ، ومُحالٌ أن يَنْقُلَهُم من الفاضِل إلى المفضُول الذى هو دونه . ومنها : أنه تأسَّف على كونه لم يفعله بقوله : (( لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرى مَا اسْتَدْبَرْتُ لمَا سُقْتُ الهَدْىَ ولَجَعَلْتُها عُمْرةً )) . ومنها : أنه أَمر به كُلَّ مَن لم يَسُقِ الهَدْىَ . ومنها : أن الحجَّ الذى استقر عليه فعله وفعل أصحابه القِران لمن ساق الهَدْىَ ، والتمتع لمن لم يَسُق الهَدْى ، ولوجوه كثيرة غير هذه ، والمتمتع إذا ساق الهَدْى ، فهو أفضلُ مِن متمتع اشتراه من مكة ، بل فى أحد القولين: لا هَدْى إلا ما جمع فيه بين الحِلِّ والحَرَم . فإذا ثبت هذا ، فالقارِن السائق أفضلُ من متمتع لم يسق ، ومِن متمتع ساق الهَدْى لأنه قد ساق من حين أحرم ، والمتمتع إنما يسوقُ الهَدْى مِن أدنى الحِلِّ ، فكيف يُجعل مُفرِدٌ لم يَسُقْ هَدْياً ، أفضل من متمتِّع ساقه من أدنى الحل ؟ فكيف إذا جُعِل أفضل من قارن ساقه من الميقات ، وهذا بحمد اللَّه واضح .

◄فى عذر مَن قال إنه صلى الله عليه وسلم حج متمتعاً تمتعاً حلَّ فيه من إحرامه

وأما قول مَن قال : إنه حَجَّ متمتعاً تمتعاً حلَّ فيه من إحرامه ، ثم أحرم يومَ التَّرويةِ بالحجِّ مع سَوْق الهَدْى ، فعذره ما تقدَّم من حديث معاوية ، أنه قصَّرَ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ فى العشر وفى لفظ : وذلك فى حُجَّته . وهذا مما أنكره الناسُ على معاوية ، وغلَّطوه فيه ، وأصابه فيه ما أصاب ابنَ عمر فى قوله : إنه اعتمر فى رجب ، فإن سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعدِّدة كلها تدل على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يَحِلَّ من إحرامه إلاَّ يوم النحر ، ولذلك أخبر عن نفسه بقوله : (( لَوْلاَ أَنَّ مَعىَ الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ )) ، وقوله : (( إِنِّى سُقْتُ الهَدْىَ وَقَرَنْتُ فَلاَ أُحِلُّ حتَّى أَنْحَرَ )).
وهذا خبرٌ عن نفسه ، فلا يدخله الوهمُ ولا الغلطُ ، بخلاف خبر غيره عنه ، لا سيما خبراً يخالِفُ ما أخبر به عن نفسه ، وأخبر عنه به الجمُّ الغفيرُ ، أنه لم يأخذ من شعره شيئاً ، لا بتقصير ولا حلق ، وأنه بقى على إحرامه حتى حَلَق يومَ النحر ، ولعل معاوية قصَّرَ عن رأسه فى عمرة الجِعْرانة ، فإنه كان حينئذ قد أسلم ، ثم نسى ، فظن أن ذلك كان فى العشر ، كما نسى ابنُ عمر أن عُمَرَهُ كانت كلُّها فى ذى القِعْدةَ . وقال : كانت [ إحداهن ] فى رجب ، وقد كان معه فيها ، والوهم جائزٌ على مَن سوى الرسول صلى الله عليه وسلم . فإذا قام الدليل عليه ، صار واجباً .

وقد قيل: إن معاوية لعله قصَّرَ عن رأسه بقية شعر لم يكن استوفاه الحلاَّقُ يوم النحر ، فأخذه معاوية على المروة ، ذكره أبو محمد بن حزم ، وهذا أيضاً مِن وهمه، فإن الحلاَّق لا يُبقى غلطاً شعراً يُقصَّر منه ، ثم يُبقى منه بعد التقصير بقية يوم النحر ، وقد قسم شعر رأسه بين الصحابة ، فأصاب أبا طلحة أحد الشِّقين، وبقية الصحابة اقتسموا الشِّقَ الآخر، الشعرة ، والشعرتين ، والشعرات ، وأيضاً فإنه لم يسعَ بين الصَّفا والمروةِ إلا سعياً واحداً وهو سعيُه الأول ، لم يسعَ عقب طوافِ الإفاضة ، ولا اعتمر بعد الحَجِّ قطعاً ، فهذا وهم مَحْضٌ . وقيل : هذا الإسناد إلى معاوية وقع فيه غلط وخطأ ، أخطأ فيه الحسن ابن علىٍّ ، فجعله عن معمر ، عن ابن طاووس ، وإنما هو عن هشام ابن حُجير، عن ابن طاووس ، وهشام : ضعيف.

قلت: والحديثُ الذى فى البخارى عن معاوية : قصَّرْتُ عن رأس رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بمشْقَصٍ ، وَلَمْ يَزِدْ على هَذَا ، والذى عند مسلم : قَصَّرْتُ عَنْ رَأسِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ عَلَى المَرْوَةِ . وليس فى (( الصحيحين )) غير ذلك .

وأما روايةُ مَن روى : (( فى أيام العشر )) فليست فى الصحيح ، وهى معلولة ، أو وهم من معاوية . قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه ، والناس يُنكِرُونَ هذا على معاوية . وصدق قيس ، فنحن نحلِفُ باللَّهِ : إن هذا ما كان فى العشر قطُّ .

ويشبه هذا وهم معاوية فى الحديث الذى رواه أبو داود ، عن قتادة ، عن أبى شيخ الهُنائى ، أن معاوية قال لأصحاب النبىِّ صلى الله عليه وسلم : هل تعلمُون أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كَذَا ، وَعَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ ؟ قالوا : نَعَم . قال : فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ ؟ قَالوا : أَمَّا هذِهِ ، فَلاَ ، فَقَالَ : أَما إنَّهَا مَعَهَا وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُم . ونحن نَشْهَدُ باللَّهِ : إن هذا وهم مِن معاوية ، أو كذبٌ عليه ، فلم ينهَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك قطُّ ، وأبو شيخ شيخ لا يُحتج به ، فضلاً عن أن يقدَّم على الثقات الحفَّاظ الأعلام ، وإن روى عنه قتادة ويحيى بن أبى كثير واسمه خيوان ابن خلدة بالخاء المعجمة وهو مجهول .

◄فى الرد على مَن زعم أنه صلى الله عليه وسلم حَجَّ متمتعاً

وأما مَن قال: حجَّ متمتُّعاً تمتُّعاً لم يَحِلَّ منه لأجل سَوْق الهَدْى كما قاله صاحب (( المغنى )) وطائفة ، فعذرُهم قولُ عائشة وابن عمر : تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم . وقول حفصة : ما شأن الناس حلُّوا ولم تَحلَّ من عمرتك ؟ وقول سعد فى المتعة : قد صنعها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وصنعناها معهُ ، وقول ابن عمر لمن سأله عن متعة الحَجِّ : هى حلال ؟ فقال له السائلُ : إن أباكَ قد نهى عنها ، فقال : أرأيتَ إن كان أبى نهى عنها ، وصَنَعَهَا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ، أأمَر أبى تَتَّبِعُ ، أم أمَر رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ؟ فقال الرجل : بل أمرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال : لقد صَنَعَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وآلهِ وسلَّم .

قال هؤلاء: ولولا الهَدْىُ لحلَّ كما يحلُّ المتمتعُ الذى لا هَدْىَ معه ، ولهذا قال : (( لولا أنَّ مَعىَ الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ )) فأخبر أن المانع له مِن الحلِّ سوقُ الهَدْى ، والقارنُ إنما يمنعه من الحلِّ القِرانُ لا الهَدْىُ ، وأربابُ هذا القول قد يُسمُّون هذا المتمتَع قارناً ، لِكونه أحرَم بالحَجِّ قبل التحلل من العُمْرةِ ولكنَّ القِران المعروفَ أن يُحرِم بهما جميعاً ، أو يُحرمِ بالعُمْرة ، ثم يُدخِلَ عليها الحَج قبل الطواف .

والفرق بين القارِن والمتمتع السائق من وجهين ، أحدهما : من الإحرام ، فإن القارن هو الذى يُحرِم بالحَجِّ قبل الطواف ، إما فى ابتداء الإحرام ، أو فى أثنائه.

والثانى: أن القارن ليس عليه إلا سعىٌ واحد ، فإن أتى به أولاً ، وإلا سعى عقيبَ طواف الإفاضة ، والمتمتعُ عليه سعى ثانٍ عند الجمهور . وعن أحمد رواية أخرى : أنه يكفيه سعى واحد كالقارن ، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يسعَ سعياً ثانياً عقيبَ طوافِ الإفاضة ، فكيف يكونُ متمتعاً على هذا القولِ.

فإن قيل: فعلى الرواية الأخرى ، يكون متمتعاً ، ولا يتوجه الإلزام ، ولها وجه قوى من الحديث الصحيح ، وهو ما رواه مسلم فى (( صحيحه )) ، عن جابر قال : لم يطفِ النبى صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابهُ بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً . طوافَه الأول هذا ، مع أنَّ أكثرَهم كانُوا متمتِّعين . وقد روى سفيانُ الثورىُّ ، عن سلمةَ بن كُهيل قال : حلف طاووس : ما طاف أحدٌ من أصحاب رسولِ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم لِحَجِّه وعُمرته إلا طوافاً واحداً.

قيل: الذين نظروا أنه كان متمتعاً تمتعاً خاصاً ، لا يقولُون بهذا القول ، بل يُوجِبون عليه سَعيين ، والمعلومُ مِن سُّنَّته صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ، أنه لم يسعَ إلا سعياً واحداً ، كما ثبت فى الصحيح، عن ابن عمر ، أنه قرن ، وقدم مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم يحلِقْ ولا قصَّر ، ولا حَلَّ مِن شئ حرم منه ، حتى كان يومُ النحر، فنحَرَ وحلَق رأسه ، ورأى أنه قد قضى طوافَ الحجِّ والعُمْرة بطوافِه الأول ، وقال : هكذا فعل رسولُ الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم . ومراده بطوافه الأول الذى قضى به حَجَّه وعُمْرته : الطوافُ بين الصفا والمروة بلا ريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.