تتميز الأيام التاريخية بأنها مشحونة بالأحداث والتفاصيل الصغيرة التي تكمن بها عادةً الكثير من المعاني. منذ أن حلّت الساعات الأولى من يوم أمس غير العادي في نحو الساعة الثامنة صباحًا في المكان الذي تمتلئ صفحات تاريخه بأهم الأحداث "المنصة"، انطلقت المدرعات والعربات المكتظة بالجنود والضباط ، مسرعةً إلى النصب التذكاري. توافد المواطنين تمر نحو ساعة وبضع دقائق، والهدوء هو سيد المشهد، حيث يخلو المكان من كل معالم الحياة، إلا من جنود وبعض الكلاب البوليسية تصطف على جانبي الطريق. لكن الوضع لم يبقَ هكذا، فالعديد من المواطنين علموا أن هناك جنازة شعبية ستنطلق من هناك كنوع من التضامن مع ضحايا حادث تفجير الكنيسة البطرسية أول أمس، توافدوا من كل مكان، من مختلف الأعمار، ومن المُلفت للنظر أن أغلبهم كانوا من المسلمين وكبار السن، ظلوا يرددون بين الحين والآخر هتافات بعضها يندد بالحادث ويُرجع أسبابه إلى الجماعات الإسلامية، والبعض الآخر يتهم الحكومة وقوات الأمن بالتقصير، اختلطت الأصوات ببعضها فلم تعد تعرف من مع من، ومن يريد أن يمسك برقبة من، مشاداة كلامية بين المواطنين وبعضهم، وأحيانا كثيرة مع قوات الأمن". أهالي الضحايا تستمر المشاحنات بين المواطنين من جهة وقوات الأمن من جهة أخرى، فتردد سيدة من وسط الحشد "كان فين التأمين ده إمبارح، كنتوا فين إمبارح وقت التفجير!"، فيرد عليها أحدهم بصوته الجهوري، "اطلعي قدام ياحاجة متخلنيش أتعصّب عليكِ"، هكذا استمر الوضع قرابة الساعة حتى قال أحد المواطنين: "وصلوا خلاص". فجأة امتلأت الساحة بباصات كبرى جميعها يحمل اللون الأحمر، ساد التأهب أرجاء الساحة وصمت الجميع. "يارب.. يا يسوع" اخترق صمت الحشود أصوات شباب تأتي من بعيد "يارب.. يا يسوع"، "الإرهاب فين.. الأقباط أهم"، وكانت هذه الهتافات تصدر من مسيرة للشباب القبطي يحملون في صدورهم غضبا وضيقا من وضع يتحول من سيئ لأسوأ، آملين أن تكون هذه الهتافات الماء الذي سيُنسكب على نار حلوقهم فتطفؤها. انضم إلى هؤلاء بعض الشباب فارتفعت الأصوات أكثر مما كانت، لكن ما إن وصلت المسيرة إلى تمركز قوات الأمن حتى انطلق التراشق اللفظي والتنديد بين المتظاهرين وبعضهم، وكذلك بينهم وبين قوات الأمن فالفئة الأولى بدورها تقسم ألا تُنهي هتافاتها إلا بالقصاص، شد وجذب بين الطرفين، أو الأطراف الكثيرة التي جمعها مكان واحد، استمر الحال هكذا مدة قصيرة، ليعلن أحدهم انتهاء المشاداة بعبارته "يلا نرجع على الكاتدرائية تاني".