أم مصرية.. بلغت من العمر أرذله وما زالت تكافح من أجل توفير حياة كريمة لبناتها الثلاث وأحفادها التي آلت إليها مسئولية تربيتهم بعد وفاة زوجها.. "أم ليلى"، نموذج مشرف لكل سيدات مصر اللاتي اخترن الكفاح طريقًا لتربية أبنائهن بالحلال. عملت "أم ليلى" في العديد من المهن على مدى سنوات عمرها ال 60؛ التحقت بالخدمة في البيوت، وشاركت عمال البناء والتراحيل العمل، وحملت "الزلط" و"البلاط" على أكتافها، وأخيرًا استقر بها المقام للعمل "قهوجية" في إحدى المقاهي في شارع المعز. حين تشاهد هذه السيدة وهى تعمل في المقهى، لن تصدق أنها تبلغ من العمر 60 عامًا، فخفة الحركة ونشاطها وكثرة الذهاب والمجيء تشعرك أنها فتاة في العشرينيات من عمرها، وستقف كثيرًا عند جملتها التي بدأت بها حديثها معنا: «على بناتي أن يتشرفوا بعمل والدتهم وشقائي عليهم وتربيتى ليهم هُما ضي عنيا». "ماجدة" الاسم الموجود في شهادة ميلادها، وأخذت شهرتها من اسم ابنتها الكبرى "ليلى": «اسمي ماجدة الشهيرة ب "أم ليلي"، توفي زوجي منذ أكثر من 40 عامًا تاركًا لي 3 بنات، واشتغلت في مهن كتير عشان أصرف عليهم وأربيهم بالحلال، لحد ما كملوا تعليمهم، وجوزتهم من عرق جبيني ومن غير ما حد يساعدني في جهازهم». مضيفة: «بنتي الكبيرة "ليلى" حصلت على دبلوم تجارة وبعد ما فرحت بجوازها وخلفتها ماتت ومش فاضل من ريحتها غير ابنها، وبنتي التانية "منى" اتخرجت في الجامعة العمالية واتجوزت وربنا رزقها ب 4 أولاد، والبنت الصغيرة "سهير" اتعلمت لحد 3 إعدادي وبعد كده ما رضيتش تكمل، والحمد لله اتجوزت». "أم ليلى"، عانت كثيرًا وتحملت ما لا يطيقه بشر في حياتها، وتصف هذه السنوات بقولها: «لما ماتت أمي، أبويا اتجوز أكتر من واحدة، وكانت معاملتهم معايا سيئة جدا، ولما تعبت من الحياة مع زوجات الأب وافقت على الجواز من رجل أكبر مني في السن.. كان عمري وقتها 18 سنة وهو كان فوق الخمسين، وبعد 11 سنة من جوازنا اتوفي وساب لي 3 بنات، واشتغلت كل حاجة عشان أربيهم كويس، شوفت الذل كله وخدمت في البيوت 6 سنين، واشتغلت مع عمال البناء.. شلت فوق أكتافي "زلط" و"بلاط"، ولما تعبت اشتريت شوية بضاعة وفرشت بيهم قدام البيت، ولما لقيت اللي بكسبه مش مقضي المصاريف رجعت تاني للخدمة في البيوت لحد ما وصلت للعمل في قهوة بشارع المعز». "أم ليلى" تتمنى لو أن الأحوال تبدلت لتحصل على حقها في الراحة مثل أي سيدة في عمرها: «لو رجع بيا الزمن وكان في راحة كنت هرتاح.. جسمي ليه حق عليا؛ بس مش هينفع أنا في رقبتي بنات وأحفاد ولو قعدت من الشغل مش هيلاقوا ياكلوا، وأنا بعتبر الشغل رياضة لجسمي وسمعتهم بيقولوا كتر الحركة بتقوي القلب وبتمنع عنه المرض، وكمان الشغل ما بيخليش "السكر" اللي أنا مريضه بيه من سنين يزيد عليا». "أم ليلى" لا تشعر بالإنهاك إلا في نهاية يومها: «أول ما بروح البيت في آخر الليل، بكون ميتة من كتر التعب ولما بحط راسي على المخدة ما بقدرش أقوم تاني غير الصبح.. الشغل بيتعبني صحيح بس كل التعب بيهون لما بقدر أوفر طلباتي، وأحسن مليون مرة من إني أمد أيدي أو أشتغل في حاجة غير شريفة». وعن مساعدة بناتها لها تؤكد: «لو سبت الشغل وقعدت في البيت ما فيش حد هيصرف عليا، بناتي رجالتهم على قد حالهم ورزقهم يوم بيوم، فيهم واحد صنايعي والتاني كان شغال معايا في القهوة وبعدين راح اشتغل في محل بيع عصائر عشان يزود دخله». "أم ليلى" تشير إلى التجاعيد التي ملأت وجهها، وآثار الشقاء التي نحتت فوق يديها، وتقول: «شايفين أيديا.. دي إيد واحدة ست؛ أنا صحيح كبرت في السن ومعدتش قادرة على الشقا، بس لو قعدت في البيت مين اللى هيخبط على بابي ويسأل عليا، حتى ولادي عايزين يأخدوا مني عشان يؤكلوا ولادهم.. أنا اتعودت من صغري على الشقا، ومش هقدر أسيب الشغل عشان الدنيا اتغيرت وكل حاجة بقت غالية». وعن سوق العمل، تؤكد: «كل حاجة وقفت.. الرجالة تعبت وكتير من الورش اللى كانت شغالة هنا في الجمالية قفلت.. زمان كانت الدنيا ماشية والزباين موجودين في شارع المعز طول اليوم بس «بنعانى».