حققت ثورة 25 يناير بعض الأهداف التي كنا في أمس الحاجة إليها، كتنحية الرجل الذي ظل يحكم مصر 30 سنة من خلال قانون الطوارئ، والقضاء على مشروع التوريث، واكتشاف الإرث الخرب الذي تركه نظام حكم الرجل، والذي مازلنا نعانى منه إلى الآن... ولا شك أنه لولا وحدة الجماعة الوطنية في تلك الفترة ما تحقق شيء... لكن، من الملاحظ أنه عقب ثورة 25 يناير مباشرة برز أسوأ ما فينا؛ الانتهازية، الانفلات القيمى والأخلاقى، الفوضى، التراخى، الإهمال..إلخ.. كانت ثورة 25 يناير فرصة ذهبية للتيار الإسلامى بجميع فصائله كى يخرج من الجحور، ويعلن عن نفسه بسفور.. لم يكن لديه علم ولا فقه ولا إدراك لمتطلبات المرحلة.. كان كل همه أن ينتهز الفرصة ليصعد على عجل فوق أكتاف الجميع إلى سدة الحكم.. ففى خضم حالة القلق والتوتر وضبابية الرؤية، استطاع الإخوان أن يحققوا أغلبية في مجلس الشعب، نظرًا لأنهم كانوا يمثلون التنظيم الهرمى الوحيد، القوى والمتماسك.. كما أنهم تمكنوا من الوصول إلى قمة هرم السلطة، دون أن تكون لديهم خبرة أو تجربة، أو رؤية بما هو مطلوب. فإذا أضفنا إلى ذلك، ثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة والتي حولت الجماعة إلى كتلة شبه صمام، لأدركنا أن الإخوان ما كانوا ليستمروا طويلا في الحكم، بل إن البعض صرح بأنهم لن يمكثوا فيه أكثر من عام.. وقد وقفت كل الفصائل -بما في ذلك فصائل العنف- خلف الإخوان، خاصة خلال الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة.. ويبدو أن الإخوان عقدوا مع هذه الفصائل اتفاقًا، مفاده أنهم سوف يعملون على: 1) تطبيق الشريعة، 2) إصدار عفو عام عن قيادات فصائل العنف المحكوم عليهم أو من كانوا على ذمة قضايا، علاوة على الإفراج عن كل من كان يحقق معهم في تلك الفترة، 3) السماح لأعضاء هذه الفصائل بالسفر من مصر والعودة إليها في أي وقت ودون أي قيود، 4) أن يمارسوا تدريباتهم العسكرية في سيناء في حرية تامة، و5) الحصول على السلاح التي تم تهريبه من ليبيا.. وهذا كله في مقابل: ا) عدم القيام بأى أعمال إرهابية؛ كالهجوم على أفواج السياح والمواقع السياحية، أو تفجير أنابيب الغاز في سيناء والممتدة من مصر إلى كل من الأردن وإسرائيل، و2) أن يكونوا ظهيرًا للإخوان، حال تعرضهم -أثناء الحكم- لأى قلاقل.. ولا شك أن وصول الإخوان إلى سدة الحكم أصابهم بقدر كبير من الزهو والكبر والغطرسة والغرور، فضلا عن "لوثة" أفقدتهم توازنهم.. فقد تحقق لهم ما لم يكونوا يحلموا به أو حتى يتخيلوه.. وبعد أن قامت ثورة 30 يونيو وأطيح بحكمهم، أصابتهم "لوثة" أخرى غابت معها عقولهم، وحل محلها روح الثأر والانتقام..