كانت تنظيمات الإخوان فى الدول المختلفة تنظر إلى تنظيم الإخوان فى مصر على أنه حبة «الكريز» التى تزين قطعة «الجاتوه»، أو طبقة «الكريمة» التى تعلو «التورتة»، لكى تزيد من جمالها وحلاوتها، فهو الأصل، والمنشأ، وصاحب التجربة الأعمق، علاوة على الكثافة العددية التى لا تتوافر فى أى تنظيم آخر، كان بمثابة الأب الروحى لبقية التنظيمات، فمنه المرشد، ومنه أيضاً ثمانية أعضاء من مكتب الإرشاد العام ال15، وبالتالى يمكن أن يقال عنه إنه صاحب الريادة والقيادة، وتأثيره على بقية التنظيمات لا يستطيع أن ينكره أحد، وللحقيقة والتاريخ، كان النظام الحاكم فى مصر، سواء فى عهد السادات أو مبارك، يحرص على أن يكون المرشد العام للإخوان من مصر، فهل كان يفعل ذلك للمباهاة أم ضماناً للهيمنة والسيطرة على بقية التنظيمات الإخوانية، أم هما معاً؟! ولمكانة تنظيم إخوان مصر، كان من الطبيعى أن يلجأ إليه فى حل المشكلات التى كانت تنشأ بين الإخوان فى أى تنظيم آخر. لقد كان وصول الإخوان إلى الحكم فى مصر حلماً وخيالاً صعب المنال، فقد كان أقصى ما يحلمون به هو أن يمارسوا نشاطهم فى الدعوة والتربية بحرية، دون تعقب أو ملاحقة أو مطاردة من الأجهزة الأمنية، وكان أقصى ما يتمنون هو أن يشاركوا فى الانتخابات النيابية دون أن يتعرضوا لاعتقالات أو حبس احتياطى أو محاكمات عسكرية، لكن ثورة 25 يناير قلبت كل الموازين وتجاوزت كل الأعراف والقواعد الموروثة منذ عهود سحيقة، وما كان حلماً أصبح واقعاً، وما كان خيالاً صار حقيقة، وعندما وصل إخوان مصر إلى سدة الحكم، فتح هذا باب الأمل بالنسبة للتنظيمات الأخرى كى تحذو حذوهم وتقتفى أثرهم، وبغض النظر عن الظروف المواكبة لوصول الإخوان إلى الحكم، فقد بدا واضحاً أن هذه التنظيمات أصبحت تستقوى بإخوان مصر، وقد سبب هذا قلقاً لأنظمة الحكم العربية، خاصة أن إخوان مصر تعاملوا مع بعضها بشىء من التعالى، وهذا فى حد ذاته دلالة على قصر نظر الإخوان فى مصر. كنت أتمنى ألا ينشغل الإخوان بالوصول إلى حكم مصر فى هذه الفترة، وأن ينتهزوا فرصة الحرية التى جلبتها الثورة -لهم وللشعب المصرى- فيعيدوا النظر فى لوائح الجماعة ونظمها وهياكلها الإدارية ولجانها، وتقنين أوضاعها بما يؤدى إلى انفتاحها على الرأى العام، وإجراء انتخابات جديدة من القاعدة إلى القمة لتفرز قيادات مؤهلة لتحمل أعباء المرحلة، ووضع خطط وبرامج تتناسب مع الأوضاع الجديدة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وكنت أتمنى ألا يبتعد الإخوان عن الجماعة الوطنية، فالتركة التى خلفها مبارك ونظامه كانت -ولا زالت - خربة بكل المقاييس وتتطلب تكاتف كل الجهود وتضافر كل القوى، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وكنت أتمنى ألا يسعى الإخوان للسيطرة على المجلس النيابى، أو الترشح لرئاسة الدولة، لكن ذلك لم يحدث، وكنت أتمنى أن يستعين الإخوان بكل القدرات والكفاءات من غير الإخوان، وأن تنتهى ثقافة أهل الثقة وأهل الخبرة، إلا أن ذلك لم يحدث. لقد كانت السلطة بكل عناصرها فى أيديهم، رئاسة الدولة والحكومة والمحافظين والمحليات.. إلخ، وكان الشعب يأمل فيهم خيراً، خاصة بعد عقود طويلة من المعاناة، ومع ذلك فشلوا فشلاً ذريعاً، إذ لم يستمروا فى السلطة إلا عاماً واحداً فقط. وثار عشرات الملايين من الشعب المصرى عليهم فى 30 يونيو، نظراً لسوء إدارتهم وعجزهم وقلة حيلتهم وعدم الوفاء بوعودهم، هذا فضلاً عن غرورهم وغطرستهم وكبرهم، كنت أظن قيادة الجماعة أذكى من ذلك، لكن -للأسف- ضاعوا وأضاعوا كل شىء، الجماعة، وتاريخها، والدعوة، بل إنهم أوشكوا أن يضيّعوا مصر، الشعب والوطن، لكن الله سلم، عندما وصل الإخوان إلى السلطة أصابتهم لوثة أفقدتهم عقولهم وتوازنهم وقدرتهم على الرؤية الصحيحة والإدراك السليم، وعندما فقدوا السلطة، أصابتهم لوثة هستيرية، فانطلقوا يخربون ويحرقون ويدمرون. علاوة على تماهيهم مع فصائل العنف والإرهاب، بحيث صاروا جزءاً منهم، لا ينفكون عنهم، بل لا يتورعون عن التنسيق والتعاون مع أعداء الوطن على إلحاق الضرر به، وتلك خيانة عظمى، وكما أن وصول إخوان مصر إلى سدة الحكم فتح باب الأمل أمام تنظيمات الإخوان فى الدول الأخرى، فإن سقوط الإخوان أصابها بالإحباط، فضلاً عن تغير نظرتها لهم، والشعب الذى كان يتعاطف معهم، أصبح الآن لا يطيقهم ولا يحب أن يسمع سيرتهم، ولو أن أحداً من خارجهم خطط لكى يدمر الجماعة وينهى حاضرها ومستقبلها، ما استطاع أن يفعل ما فعلوه فى أنفسهم، يقال إن العاقل من اتعظ بغيره، وهؤلاء لا يتعظون، لا بغيرهم ولا بأنفسهم، وتلك خطيئتهم الكبرى، ومن العجيب أنهم لا يزالون يثقون فى أمريكا ويعولون عليها، ويتصورون أنها سوف تنتشلهم من وهدتهم وتعيدهم إلى السلطة مرة أخرى (!) من الواضح أنه لا يوجد فى الجماعة «رجل رشيد» يأخذ بيدها إلى بر الأمان، بل إنهم -للأسف- رهنوا مصيرهم بيد فرد واحد، لقد جربوا ذلك زمناً، وهاهى النتيجة المأساوية بادية أمامنا. فى تصورى، قيادة الجماعة الحالية هى المسئولة عن كل ما حدث، ومن ثم يجب أن تساءل وتحاسب وتحاكم، فما فعلته من أخطاء وخطايا لا يستوجب إقصاءها عن مواقعها فحسب، لكنه يستوجب إصدار قرار بالإدانة، إن القيادة التى تضحى بدماء المئات من الشباب من أجل أن تعود إلى سلطة فشلت فى إدارتها، لم تفقد عقلها ولا وعيها فحسب، لكنها فقدت أخلاقها وإنسانيتها، لقد فعلت ذلك حتى لا تساءل من قبل الإخوان فى مصر، ومن قبل تنظيمات الإخوان فى الدول الأخرى، كما أن القيادة التى تتورط فى أعمال عنف وإرهاب من شأنها زعزعة استقرار مصر لصالح دول معادية لها، هى قيادة فقدت وطنيتها وانتماءها، للأسف لا يوجد فى الجماعة، داخلياً أو خارجياً، من لديه الشجاعة أن يسائل ويحاسب ويحاكم هذه القيادة، فثقافة «السمع والطاعة والثقة فى القيادة»، تمثل قيداً على العقل والفكر والتصور والحركة والسلوك، وإذا كانت هذه الثقافة تنتقل من جيل إلى جيل، فهل هناك أمل يرتجى؟! لا أظن.