أعد الباحث عبد الحميد عبد السلام أبو عليو، أمين بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، رسالة ماجيستير بعنوان "التمائم والأحجبة المحفوظة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة.. دراسة أثرية فنية" بكلية الآداب، جامعة عين شمس. وتناولت الرسالة بحث شامل للتمائم والأحجبة، والحديث عن أسباب اللجوء لاستخدام التمائم والأحجبة بالإضافة إلى تعريف التمائم والأحجبة والفرق بينهما، وموقف الإسلام منها. الفنون الإسلامية وأكد الباحث أن الفنون الإسلامية تعتبر أوسع فنون العالم انتشارًا، وأكثرها أهمية من بين الفنون الأخرى في التعبير عن الجوانب الاجتماعية المُختلفة لكافة الشعوب الإسلامية، وخير مثال على ذلك التمائم والأحجبة التي انتشرت في دول كثيرة وبين مختلف طوائف المجتمع الواحد. وأضاف أن مجموعة التمائم والأحجبة التي يحتفظ بها مُتْحَف الفن الإسلامي بالقاهرة مجموعة مُتميزة من حيث التنوع في مادتها الخام ما بين فخار وخزف وخشب ومعادن وحجر وزجاج وورق ونسيج، والتنوع في أشكال القطع واشتمالها على شتي أنواع الزخارف الكتابية القرآنية منها والدعائية بالإضافة إلى الطلاسم السحرية، والزخارف النباتية والهندسية وزخارف الكائنات الحية والخرافية، ولعل التنوع في المواد الخام والزخارف أدي بلا شك إلى التعدد في الوظيفة التي من أجلها تُصنع القطع ويتم استخدامها، بالإضافة إلى أنه يمكن من خلال هذه المجموعة معرفة أسباب انتشار التمائم والأحجبة في المجتمع الإسلامي، ومعرفة تلك الأفكار والمُعتقدات المرتبطة بها، والأهداف التي يسعي مستخدموها إلى تحقيقها. وأشار إلى أن التمائم والأحجبة لم تحظ في العصر الإسلامي بالقدر الكاف من الدراسة والتحليل الذي يزيل عنها الغموض ويوضح السمات والملامح العامة التي تميزت بها، الأمر الذي حدا بالباحث أن يقوم بإعداد هذه الدراسة لنيل درجة الماجستير في الآثار الإسلامية بعنوان " مجموعة التمائم والأحجبة المحفوظة في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، دراسة آثارية فنية". تحقيق الرغبات وأكد أن الإنسان شعر مُنذ القدم بأن طاقته لا تكافئ آماله ورغباته فنزع إلى تحقيق تلك الرغبات بدروب من السلوك، استمدها من معتقداته وتصوراته القديمة الموغلة في القدم، وعلى الرغم من نضج فكره بظهور مناهج المنطق، فقد ظل يتوسل بكثير من الممارسات التي ليست لها علاقة مباشرة بتحقيق رغبته، ويضاف إلى هذه الحقيقة أن الإنسان يقف من الأشياء والكائنات والظواهر دائمًا موقفًا شعوريًا، تنعكس عليه أحاسيس الإقبال والإحجام والتفاؤل والتشاؤم والرضا والسخط والرغبة والرهبة، وما إلى هذا دفع الإنسان البدائي والمتحضر، الغني والفقير، الرجل والمرأة، أن يستعين في حياته بالتمائم والأحجبة، وهي مهما اختلفت الصيغ والأشكال، فإنها تكاد تتطابق في الوظيفة وتتشابه. ونوه بأن التمائم والأحجبة ظهرت مُنذ أقدم العصور، واستخدمت في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات، واستمرت طوال العصور التاريخية المُختلفة، ولا تزال موجودة في أيامنا هذه، ويدلنا العدد الضخم من التمائم الذي وصلنا على مدى أهمية هذا النوع من الفن في حياة المصريين القدماء، وما قامت به التمائم من دور مهم بعد أن تفرغ الكُهان والسحرة في عزلة للتأمل وإعداد الرقى والتمائم والأحجبة ووسائل السحر المادية، والتي كان المصريون القدماء يعتقدون في أن هذه الصيغ والرسومات والطلسمات تنطوي على قوة كأمنة تُفزع الأرواح الشريرة، وتؤنس الأرواح الطيبة، كما كان لها أثرها في شئون الحياة جميعها، عاجلها وآجلها وفي أحوال الفرد حيًا وميتًا. الدولتان القديمة والوسطي وأككد أن التمائم كانت موجودة في الدولتين القديمة والوسطي، ولكن ليست بالكثرة التي وجدت بها في الدولة الحديثة من 1500 عام ق.م مرورًا بالعصر المتأخر وحتى الفترة الرومانية، واتخذت الرقى والتمائم في الفن المصري القديم العديد من الأسماء كالطلسم، والرقية، والتميمة والتعويذة والحمائل، كما تعددت أشكالها وتنوعت صورها ما بين أشكال إلهية ورموز مجردة، وعناصر من الجسم الآدمي وكذلك عناصر نباتية، وغير ذلك من الأشكال وكانت تقرأ على هذه التمائم تراتيل تُكسبها قوتها وفاعليتها السحرية، فضلًا عن أن السحر له دور كبير في التشكيل الفني لهذه التمائم، من حيث اختيار المادة الخام وإلحاقها برموز إلهية لها فاعلية سحرية، كما أثر في حجم التحف فكانت في الغالب صغيرة حتى يسهل حملها ولتؤدي الدور الذي صنعت من أجله. العصر الروماني وأضاف أنه في العصر الروماني انتشرت التمائم وكان لها دور بارز في حياة المُجتمع، حيث صُنعت تمائم من الفضة، والنحاس الأصفر، والبرونز وغيرها من المواد التي استخدمت كحلي شعبية تحمل معاني رمزية مُختلفة الغرض منها توفير الحماية من السحر والحسد. العصر البيزنطي وأشار إلى أنه في العصر البيزنطي وصلنا عدد كبير من التمائم التي تؤكد انتشارها في هذا العصر، وتميزت بتنوع زخارفها كالصلبان، والأسماك، والحمام، وأشكال الأهلة، وحدوه الحصان، وعرائس مصنوعة من العاج والعظم، وغيرها، وتميزت بالإضافة إلى تنوعها بتعدد وظائفها التي تمثلت في درء السحر، والحسد، والفأل الحسن، وجلب الحظ السعيد، والحماية من الأرواح الشريرة، والرغبة في التكاثر، وزيادة الخير. العصر الإسلامي ولفت إلى أنه خلال العصر الإسلامي آمن الكثير من الناس بقوة التمائم والأحجبة في تحقيق الآمال والأهداف والغايات ولذا فقد انتشرت انتشارًا واسعًا بين طوائف المجتمعات على اختلاف المستوي الاجتماعي لتلك الطوائف، فاستخدموا تمائم وأحجبة صُنعت من مواد مُختلفة كالفخار والخزف والخشب والحجر والمعدن والورق ومن النسيج، وذلك بتنفيذ الكتابات التي تميزت بشكلها الجميل. الأحجبة المطبوعة وأضاف أنه في أوقات أخرى كان من الصعب فك النص وقراءته لاسيما في تلك الأحجبة المطبوعة، وقد تزدان التمائم والأحجبة بالطلاسم السحرية التي لا يقدر على فكها إلا أولئك المتمرسين في السحر، وتزدان بعض التحف بزخارف الكواكب والأبراج الفلكية، وغيرها من الزخارف الهندسية والألوان وزخارف الكائنات الحية والخرافية، التي تأتي مُجتمعة أو منفردة لتحقق الغرض الذي من أجله صُنعت تلك التمائم والأحجبة، أو تأتي التميمة لتؤدي الوظيفة ذاتها من خلال شكلها العام اعتمادًا على مادتها الخام التي يُعتقد في مغزاها السحري لتحقيق الأهداف. التميمة وأشار إلى أنه ورد في لسان العرب عن التميمة بأنها: خرزة رقطاء تُنظم في السير ثم يُعقد في العنق، وهي خرزات كان الأعراب يُعلقونها على أولادهم ينفون بها النفس والعين بزعمهم، فأبطلها الإسلام، والجمع تمائم وتميم. يذكر القاضي أبو حنيفة النعمان أن التميمة: ما يعلق من الكُتب والخرز وغير ذلك. وهي عوذه على هيئة قلادة من سيور تضم خرزًا، تميزت بوجود فتحات أو ثقوب للتعليق في العقود والأساور. وأكد أن التميمة تعرف حديثًا بأنها ما يحمله الإنسان أو يعلقه أو يضعه في مكان ما بغرض الوقاية من مكروه أو للحماية أو دفع شر العين وتتخذ على أنها تعويذه سحرية تطرد الشر،و يعتقد مقتنيها أنها تحميه من السحر والحسد، وأن لها القدرة على درء الشر وإبعاد السوء، أو لتحقيق غرض ما يسعي إليه، وتُطلق التميمة بإسهاب على أي نوع من الطلاسم أو الكتابات السحرية التي توصف بأنها ذات قوى خارقة، يحمل بعضها صيغًا سحرية وبعضها ليس له صيغ خاصة وإنما قد يردد الساحر بعض الصيغ أثناء صُنعه للتميمة،. وأضاف أنه قد تصبح التميمة ذات قوة سحرية مزدوجة تكمن في الصيغة المكتوبة أو المقروءة عليها وفي المادة التي تُصنع منها حيث يعتمد السحرة في صُنع التمائم على استخدام مواد بعينها يعتقدون أنها ذات تأثير خاص. الحجاب أما عن الأحجبة فالحجاب في اللغة: ما احتجب به، وكل شئ مَنع شئ فهو حِجاب، وكل ما حال بين شيئين حِجاب، والجمع حُجب، والحِجاب لُحمة رقيقة كأنها جلدة قد اعترضت مُستبطنة بين الجنبين تحول بين السحر والقصب. وغالبًا ما يكون الحِجاب مكتوبًا بكلمات وتراكيب غير مفهومة. وأشار إلى أن الحِجاب عبارة عن كتابة بعض الكِتابات السحرية أو الأدعية أو العبارات الدينية التي تهدف إلى تحقيق بعض الأغراض ويطلق عليها أيضًا كلمة "تحويطة"، وقد يحمل آيات مُعينة من القرآن وأسماء الله الحسنى وأسماء الملائكة والجن والأنبياء والرسل أو الأولياء المشهورين ويختلط به تركيبات عديدة وأرقام وأشكال هندسيةيقال أن لها تأثيرها. وأضاف أنه يقوم بصناعة الأحجبة شخص يطلق عليه اسم الشريف - وهو رجل حافظ للقرآن الكريم - يصنع الأحجبة المكتوبة بآيات من القرآن الكريم، كما يقوم رجل آخر يسمى بالفقير بصناعة نوع آخر من الأحجبة لكنه يستخدم فيها الطلاسم السحرية، ويصنعها من أجل الخير والشر، وهناك من الناس من يتعمد كتابة الأحجبة بنجاسة حفظًا من العفاريت ويقولون أن الجان أسرع في إنجاز الأغراض. وأكد أنه كان من المعتاد كتابة الحجاب على ورقة بحبر أحمر أو أخضر أو بمحلول الزعفران ثم تطبق الورقة وتوضع داخل أغلفة مُخصصة لها من الجلد الأحمر أو المعدن، وتوضع داخل المنازلأو تحت الثياب أو تُعلق في الرقبة سواء في رقبة المريض أو في رقبة الحيواناتأو في رقبة النساء والأولاد أو في الذراع عند الرجال، كما يعمد البعض إلى استخدام القرآن الكريم "مصحف صغير" ليعلق في الرقبة أو يوضع في الجيب،ويكون الحجاب غالبًا تحت الثياب، وتختلف الأحجبة في شكلها وحجمها والمكان الذي توضع به باختلاف الغرض الذي تُستعمل من أجله.