تحقيقات النيابة تفجر «مفاجأة».. ضحيتان جديدتان ل صلاح التيجاني    عمرو أديب عن صلاح التيجاني: «مثقفين ورجال أعمال وفنانين مبيدخلوش الحمام غير لما يكلموا الشيخ» (فيديو)    محامي خديجة صاحبة اتهام صلاح التيجاني بالتحرش: الشيخ كان عنده قضية معاشرة لسيدة داخل مسجد عام 2004    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 21 سبتمبر 2024    «التحالف الوطني» يواصل دعم الطلاب والأسر الأكثر احتياجا مع بداية العام الدراسي    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت يتجاوز 3000 جنيه بسوق مواد البناء اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    لمواجهة انقطاع التيار وفواتير الكهرباء| «الألواح الشمسية».. نور في البيوت المصرية    وزير خارجية لبنان: نشكر مصر رئيسا وشعبا على دعم موقف لبنان خلال الأزمة الحالية    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    وزير الخارجية يجتمع في واشنطن مع المبعوث الأمريكي للبنان    عمرو أديب: سمعة الملياردير الراحل محمد الفايد تم تلطيخها في لندن    غارات بيروت.. تفاصيل هجوم الاحتلال على الضاحية الجنوبية فى لبنان.. فيديو    حزب الله يصدر بيانا عن مقتل قائد "قوة الرضوان" إبراهيم عقيل    عاجل.. فيفا يعلن منافسة الأهلي على 3 بطولات قارية في كأس إنتركونتيننتال    ذكريات سوبر الأهلي والزمالك 94.. الشيشيني ضد رضا وأول مواجهة للجوهري    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    أول تعليق من البلوشي بعد توليه التعليق على مباراة الأهلي وجورماهيا    سبورتنج يضم لاعب الاتحاد السكندري السابق    أهالى أبو الريش فى أسوان ينظمون وقفة احتجاجية ويطالبون بوقف محطة مياه القرية    «جنون الربح».. فضيحة كبرى تضرب مواقع التواصل الاجتماعي وتهدد الجميع (دراسة)    «البوابة نيوز» تكشف حقيقة اقتحام مسجل خطر مبنى حي الدقي والاعتداء على رئيسه    برج القوس.. حظك اليوم السبت 21 سبتمبر 2024: كن قانعا بصفات شريك حياتك    المتسابق موريس يقدم دور عالم مجنون فى كاستنج.. وعمرو سلامة: لديه شكل جسدى مميز    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    عودة قوية لديمي مور بفيلم الرعب "The Substance" بعد غياب عن البطولات المطلقة    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    المخرج عمر عبد العزيز: «ليه أدفع فلوس وأنا بصور على النيل؟» (فيديو)    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    شيرين عبدالوهاب ترد على تصريحات وائل جسار.. ماذا قالت؟ (فيديو)    لأول مرة.. مستشفى قنا العام" يسجل "صفر" في قوائم انتظار القسطرة القلبية    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    حزب الله اللبناني يصدر بيانا عن مقتل قائد "قوة الرضوان" إبراهيم عقيل    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    الصيف يُغلق حقائبه.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم السبت: وداع على غير العادة    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة طيبة التكنولوجية    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    طبيب الزمالك يكشف طبيعة إصابة دونجا وشلبي    الأهلي في السوبر الأفريقي.. 8 ألقاب وذكرى أليمة أمام الزمالك    مهرجان أهداف من نيس على سانت إيتيان أمام أنظار محمد عبد المنعم    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    حملات توعية للسيدات حول خطورة الطلمبات الحبشية بالشرقية    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    صحة المنوفية: «مكافحة الأمراض المعدية» تراجع الاستعدادات لبعثة الصحة العالمية    مصرع طفل قعيد إثر حريق اشتعل بمنزل في العياط    وزير التربية والتعليم يتفقد 9 مدارس بأسيوط لمتابعة جاهزيتها    بعد تصدرها الترند.. أول تعليق من الطرق الصوفية على الطريقة الكركرية    ما هو حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم؟.. فيديو    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمة شيخ الأزهر في مؤتمر دار الإفتاء.. الطيب: الفقه «العبثي» يطارد المسلمين ليل نهار.. العالم الإسلامي يعيش أزمة حقيقية.. الفتاوى «المعلبة» العابرة للدول لا تراعي أحوال المجتمعات
نشر في فيتو يوم 17 - 10 - 2016

ألقى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كلمة، اليوم الإثنين، في مؤتمر «التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد في الأقليات المسلمة»، المنعقد في أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة.
جاء ذلك بحضور كل من مفتي الجمهورية، الدكتور شوقي علام، ووزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بالإضافة إلى رئيس جامعة الأزهر الدكتور إبراهيم الهدهد، والمستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل، وجمع كبير من علماء الأزهر الشريف.
وأكد الطيب أن الأفكار المتطرفة التي أطلق عليها اسم «الفقه العبثي» تطارد الناس ليل نهار، لتخرجهم من يسر الدين وسماحته إلى التشدد وتكفير الناس، واستباحة أموالهم ودمائهم.
وضرب شيخ الأزهر مثالًا بتعدد الزوجات موضحًا الفرق بين إباحة التعدد وشرط التعدد وهو العدلُ وعدم لُحوقِ الضررِ بالزوجةِ.
وأوضح شيخ الأزهر أن علماء الدين في القرن الماضي كانوا أكثر شجاعةً من علمائنا اليوم على اقتحام قضايا وأحكام مَسَّتْ حاجة الناس إلى تجديدِها والاجتهاد فيها في ذلك الوقت.
وأشار الطيب إلى أن العالم الإسلامي يعيشُ أزمة حقيقية يدفع المسلمون ثمنها غاليًا حيثما كانوا وأينما وجدوا، نتيجة الخوف والإحجام عن التعامل مع الشريعة التي نصفها بأنها صالحة لكل زمان ومكان.
وحذر شيخ الأزهر من غياب الرؤية المقاصدية التي تشوِّش حتمًا على النظرة الاجتهادية، وتأخذ الفقيه بعيدًا عن الحادثة التي يبحث في محلها عن الحكم الشرعي المناسب، وأيضًا من الفتاوى المعلبة والمستوردة العابرة للدول والأقطار، ولا تراعي أحوال المجتمعات.
وإلى نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيدِنا رسولِ الله، وعلى آلِه وصحبِه.
السادةُ العلماءُ الأجلَّاءُ من أهلِ الفَتوى والعِلمِ والفِكْرِ:
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه..
أهلًا ومرحبًا بحَضَراتِكم، في بلدِكم مصرَ، وفي الأزهرِ الشريفِ بكلِّ مُؤسَّساتِه العِلميَّةِ والدَّعْويَّةِ، وأتمنَّى لمؤتمرِكم هذا أن يُكلَّلَ بالنجاحِ في تحقيقِ شيءٍ ممَّا يَنتظرُه المسلمون، الذين يُعلِّقون آمالًا كبرى على أهلِ الفتوى ودُورِ الإفتاءِ؛ في التخفيفِ من هذا الانفصامِ الذي بدأ يتَّسعُ ويزداد اتِّساعًا يومًا بعد يومٍ، بين حياتهم المُعاصِرةِ وحاجاتها وضروراتها من جهةٍ، وبين هذا التِّيهِ من الفقهِ العَبَثيِّ –إن صحَّت هذه التسميةُ- ذلكم الفِقْه الذي يطرُقُ أسماعَ الناس ليلًا ونهارًا، ويُطاردُهم حيثما كانوا، ليردَّهم لا إلى يُسرٍ في الشريعةِ ورحمة في القرآنِ والسُّنَّةِ؛ وإنَّما إلى أخلاطٍ من الآراءِ المُتشدِّدةِ التي قيلت في مناسباتٍ خاصَّةٍ، وتحت ضغط ظروفٍ طارئةٍ، ليس بينها وبين واقعِ الناسِ الآنَ صِلةٌ ولا نَسَبٌ.
وقد وَجَدَ هذا الفقهُ العبثيُّ كتائبَ موازيةً من المُفتينَ؛ نَجَحوا –للأسفِ الشديدِ!-في أن يتغلَّبوا على كثيرٍ من دُورِ الإفتاءِ في عالَمِنا العربيِّ، وأكادُ أقولُ: على كلِّ مَجامِعِ الفقهِ والتشريعِ، وأوَّلُها مَجمَعُ البحوثِ الإسلاميةِ هنا في الأزهرِ.
ولم يكن هذا النجاحُ أو هذه الغَلبةُ بسببٍ من عقلانيَّةِ هذا الفقهِ أو يُسرِه، أو قُدرتِه على جعلِ الحياةِ أيسرَ ممَّا هي عليه، وإنَّما بلغَ هذا النجاحُ ما بلغَ بالقدرةِ على التحرك والنزولِ إلى الناسِ بدُعاةٍ وداعياتٍ، ودُخولِ البيوتِ في القُرى والكُفُورِ، عِلاوةً على اعتلاءِ بعض المنابرِ، والتحدُّثِ إلى الناسِ بما يُريدون، في الوقتِ الذي ظلَّت فيه فتاوى دُورِ الإفتاءِ، وفتاوى المَجامِعِ ولجانِ البحوثِ الفقهيةِ، فتاوى فرديَّةً راكدة، قاصرةً على المُستفتي، أو حبيسةَ مُجلَّداتٍ عِلميَّةٍ لا يفيد منها ملايين الجماهير مِن المسلمين، أو رَهْنَ مؤتمراتٍ يُحدِّثُ فيها بعضُنا بعضًا، ونتواصَى في نهاياتِها بما شاءت لنا أحلامُنا من آمالٍ وأمانٍ لا تَجِدُ من المُختصِّين مَن يرعاها أو يتابعُها أو يسعى إلى تنزيلِها على واقعِ الناسِ.
واسمحوا لي -شُيوخَنا الأجِلَّاءَ- في مكاشفاتي الصريحة هذه، وأرجو؛ بل أُلِحُّ في رجائي ألَّا يَسبِقَ إلى أذهانِكم أنني أقِفُ منكم موقفَ المعترض أو المنتقد، فمَعاذَ اللهِ أن أكونَ كذلك! ومَعاذَ اللهِ أن يسبق إلى نفسي شيء من ذلك؛ فأنا أعي جيدًا أنني أتحدَّثَ إلى النُّخْبةِ والذؤابةِ من أهلِ العِلمِ والحِجَا في عالَمِنا العربيِّ والإسلاميِّ، وأنا قبلَكم أوَّلُ مَن يتحمَّلُ نصيبَه من المسئوليَّةِ أمامَ الله وأمامَ المسلمين، ولكني ربَّما كنتُ أكثرَكم التصاقًا بالجماهيرِ والبؤساءِ والبائساتِ، ومعرِفةً بما يَلحَقُهم من مُشكلاتٍ أُسَريَّةٍ تبلُغُ حدَّ الدَّمارِ والتشريدِ؛ بسببٍ من جُمودِ الفتوى، وتهيُّبِ الاجتهادِ، والعجزِ عن كسرِ حاجزِ الخوفِ من التجديدِ، حتى ظننتُ أنَّنا -كأهلِ علمٍ وإفتاءٍ- إن كنَّا على علمٍ دقيقٍ بما نُفتي به نصًّا؛ فإننا مُغيَّبون قليلًا أو كثيرًا عن محلِّ النصِّ، وإدراكِ الواقعِ الذي يُفتيَ بتنزيلِ النصِّ عليه.. لا نتوقَّفُ عنده، ولا نتأمَّلُ مُلابساتِه ولا وزنَ الضررِ الذي يترتَّبُ عليه، ولا حجمَ المُعاناةِ الاجتماعيةِ والنفسيةِ التي تأخُذُ بتلابيبِ الناسِ من جرائه.
وأَضرِبُ لحضراتكم مثلًا مُشكِلةً حيَّةً تتعلَّقُ بظاهرةِ فوضى تعدُّدِ الزواجِ، وفوضى الطلاقِ أيضًا، وما يَنشأُ عن هذه الظاهرةِ من عَنَتٍ يَلحَقُ بزوجةٍ أو أكثرَ، وتشريدٍ يُدمِّرُ حياةَ الأطفالِ، وضياعٍ يُسْلمهم إلى التمرُّدِ والإجرامِ.
وأبادِرُ بالقولِ إنَّني لا أدعو إلى تشريعاتٍ تُلغي حقَّ التعدُّدِ، بل أرفُضُ أيَّ تشريعٍ يَصدِمُ أو يَهدِمُ تشريعاتِ القرآنِ الكريمِ أو السُّنَّةِ المُطهَّرةِ، أو يَمسُّهمَا من قريبٍ أو بعيدٍ؛ وذلك كي أقطعَ الطريقَ على المُزايِدِينَ والمُتصيِّدين كلمةً هنا أو هناك، يَقطَعونها عن سِياقِها؛ ليتربَّحوا بها ويتكسَّبوا من ورائها.. ولكنِّي أتساءلُ: ما الذي يَحمِلُ المُسلمَ الفقيرَ المُعوِزَ على أن يتزوَّجَ بثانيةٍ -مثلًا- ويتركَ الأولى بأولادِها وبناتِها تُعاني الفقرَ والضَّياعَ، ولا يجدُ في صَدْرِه حَرَجًا يردُّه عن التعسُّفِ في استعمالِ هذا الحقِّ الشرعيِّ، والخروجِ به عن مقاصدِه ومآلاتِه؟!
والإجابةُ في نظري: أن الدعوةَ إلى شريعةِ الإسلامِ في هذه القضيةِ لم تَصِلْ لهؤلاء على وجهِها الصحيحِ، وأنَّ الفتاوى –في هذه القضية- تراكَمَتْ على المشروطِ الذي هو إباحةُ التعدُّدِ، وسكتت عن شرطَ التعدُّد، وهو: العدلُ وعدم لُحوقِ الضررِ بالزوجةِ.. ومعلوم أن عدم الشرط يستلزم عدد المشروط لأن الشرطَ هو الذي يَلزَمُ مِن عَدَمِه العدمُ، ولا يَلزمُ مِن وُجودِه وُجودٌ ولا عَدَمٌ، نعم لقد ترسَّخ هذا الفهم حتى باتت العامة تتصوَّرَ أنَّ التعدُّدَ حقٌّ مُباحٌ بدونِ قيدٍ ولا شرطٍ، وترسَّخَ في وِجدانها أنه لا مسئوليةَ شرعيةً تقف في طريقِ رَغَباتِها ونَزَواتِها، ما دامت في الحلالِ كما يقولون!
وأحكامُ الشريعةِ التي تعلَّمْناها، ولا نزالُ نتعلَّمُها، مِن كتبِ الفقهِ في أوَّلِ بابِ النكاحِ، تُقرِّرُ أنَّ الزواجَ تعتريهِ الأحكامُ الخمسةُ، ومنها الكراهةُ والحُرمةُ، وأن الأحنافَ يُحرِّمون الزواجَ إن تيقَّنَ الزوجُ أنه سيَجُورُ على زوجتِه؛ لأنَّ حِكمةَ الزواجِ في الإسلامِ أنه إنَّما شُرِع لتحقيقِ مَصلَحةٍ؛ هي تحصينُ النفْسِ، وتحصيلُ الثوابِ بجَلْبِ الولدِ الذي يعبُدُ اللهَ، فإذا خالَطَ ذلك ظُلمٌ أو جَورٌ أو ضَرَرٌ؛ أَثِمَ الزوجُ وارتكبَ محرَّمًا، ويخضَعُ ثَمَّتَئِذٍ لقاعدةِ: دفعُ المَفسدةِ مُقدَّمُ على جلبِ المصلحةِ.
ومع أنَّ الجميعَ مُتَّفقٌ على وُجوبِ الزواجِ عندَ خوفِ الوقوعِ في الزِّنى، إلَّا أنهم يَشترطون معه عدمَ الخوفِ من الضررِ، حتى قال الحنفيَّةُ: إنْ تعارَضَ خوفُ الوقوعِ في الزنى لو لم يتزوَّجْ، وخوفُ الجَورِ وإلحاقِ الضررِ بالزوجةِ؛ قُدِّمَ خوفُ الضررِ، وحَرُمَ الزواجُ، قالوا: «لأنَّ الجورَ معصيةٌ متعلِّقةٌ بالعبادِ، والمنعَ من الزنى حقٌّ مِن حقوقِ الله تعالى، وحقُّ العبدِ مُقدَّمٌ عند التعارُضِ؛ لاحتياجِ العبدِ، وغِنى المولَى سبحانه وتعالى»، والشيءُ نفْسُه نجدُه في فقهِ المالكيةِ والشافعيةِ.
والدرْسُ المُستفادُ هنا -فيما أَفهَمُ– أنَّ الجورَ على الزوجةِ جريمةٌ تَفوقُ جريمةَ الزنى، وأن الزنى ضررٌ أصغرُ بالقياسِ إلى ظلمِ الزوجةِ الذي هو ضررٌ أكبرُ... وهذا في الزواجِ لأولِ مرَّةٍ، ومع الزوجةِ الواحدةِ، فكيفَ بالزواجِ الثاني والثالثِ مع خوفِ الجورِ، بل مع نيةِ الجورِ وتعمده وقصدِ الإضرار بالزوجةِ الأولى؟
ولعلَّ قائلًا يقولُ: إذا وقع الضررُ على الزوجةِ فمِن حقِّها طلبُ الطلاقِ، فإن تعسَّفَ الزوجُ خالعَتْه؛ فاترُكِ الزوجَ ينتقلُ بينَ مَن يَهوَى ويريدُ، واترُكِ الزوجةَ: إمَّا أن ترضى، وإمَّا أن تُخالِعُ.
وإجابتي: أنَّ هذا القولَ يَجمَعُ على الزوجةِ ضررَيْن: ضررَ الهَجْرِ، وضررَ الاضطرارِ بالتضحيةِ بكلِّ حقوقِها كما هو حُكمُ الخُلعِ، وفي الوقتِ نفسِه يجمع للزوجِ منفعتين: تمكينُه مِن تحصيلِ رغبتِه التي أمَرَه الشرعُ بتهذيبِها، وأخذ حقوقِ الزوجةِ التي اضطرَّها الجورُ إلى التنازُلِ عنها.
ولعلَّ هذا هو السببُ في أنك لا تجدُ في كلامِ الفقهاءِ في هذه المسألةِ إشارةً من قريبٍ أو بعيدٍ إلى إباحةِ الزواجِ مع خوفِ الجورِ، ومع تخييرِ الزوجةِ بعدَ ذلك بينَ الرِّضا أو الانخلاعِ، وإنما تَرِدُ عباراتُهم على مَورِدٍ واحدٍ هو: تحمُّلُ المسئوليةِ الأخلاقيةِ تِجاهَ الشريكِ قبل البَدءِ في مشوارِ هذه الشَّراكةِ، انطلاقًا من أنَّ الزواجَ حقوقٌ قبلَ أنْ يكونَ نَزْوةً أو رغبةً عارِضةً، وأنَّهُ مسئوليةٌ كُبرى عبَّر عنها القُرآنُ الكريمُ بالميثاقِ الغليظِ في قولهِ تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]، وأنه لم يُشرَعْ أبدًا لمُكايَدةِ العَشيرِ، وأن تشريعاتِ الزواجِ إنما فُرِضَتْ لمصلحةِ الأسرةِ والمجتمعِ معًا.
هذا وأثبتت الإحصائياتِ التي أُجرِيَتْ على أطفالِ الشوارعِ أنَّ ما لا يقلُّ عن 90% منهم إنما كانوا ضحايا أُسَرٍ عبثَتْ بها فوضى الزواجِ وفوضى الطلاقِ، وأنَّ كلَّ أنواعِ الجرائمِ الخُلُقيَّةِ والاجتماعيَّةِ التي يُفرِزُها مجتمعُ أطفالِ الشوارعِ، إنما مردُّه إلى تعسُّفٍ في استعمالِ حقٍّ شرعيٍّ، أو فهمٍ لنِصفِ الحقيقةِ الشرعيَّةِ، مع سُوءِ فهمٍ رديءٍ لنِصفِها الآخَرِ، وهو ما أدَّى إلى ما يُشبِهُ حالةَ الانفصامِ بين فقهِ النصِّ وفقهِ الواقعِ.
وسببُ ذلك فيما أعتقدُ، ومِن خلالِ تجاربَ واقعيَّةٍ عديدةٍ هو: حاجزُ الخوفِ بين أهلِ الفتوى من الفقهاءِ والعلماءِ، وبين الاجتهادِ والنظرِ في الحكمِ والدليلِ، بعد النظرِ في محلِّ الحكمِ، وما يَعتَوِرُه من مصالحَ أو مفاسدَ.
ومِن المُؤلِمِ جِدًّا أَنْ أسجِّلَ هنا أنَّ علماءنا ومُفتِينا في القرنِ الماضي كانوا أكثرَ شجاعةً مِن علمائنا اليومَ على اقتحام قضايا وأحكامٍ مَسَّتْ حاجةُ الناسِ إلى تجديدِها والاجتهادِ فيها في ذلكم الوقت.
خُذْ مثلًا اجتهاد علمائنا في أنَّ الطلاقَ الثلاثَ بلفظٍ واحدٍ يقعُ طلقةً واحدةً، رغمَ أننا نجد شبهَ إجماعٍ من علماءِ الأمَّةِ على خلافِه، وأنَّ القاضيَ عبدَ الوهابِ المالكيَّ يراه قولًا من أقوالِ المُبتدعةِ، ويقولُ عنه ابنُ عبدِ البرِّ: «إنه ليس مِن أقوالِ أهلِ العلمِ» إلَّا أنَّ علماءَ الأزهرِ لم يتحرَّجوا في ذلكم الوقتِ من اقتحامِ هذه المُشكلةِ، ومن الخروجِ بفتوى رسميَّةٍ خالفوا فيها المذاهبَ السَّائِدةِ على الساحةِ، ولم يَعدِمْ العلماء أن يجدوا لفتواهم سَندًا من التراثِ الفقهيِّ، فأفتوا بأن هذه الصيغة تقع بها طلقةٌ واحدةٌ.
وقد حَدَثَ هذا الاجتهادُ عام 1929م، في القرنِ الماضي، ودخَلَ كنصِّ قانونٍ في قوانينِ الأحوالِ الشخصيَّةِ. ودارُ الإفتاءِ المصريَّةِ التي استقرَّتْ فتواها على هذا الرأيِ منذُ تسعينَ عامًا تقريبًا؛ تتردَّدُ اليومَ –هي ومجمعُ البحوثِ الإسلاميَّةِ-في اقتحامِ قضايا أكثرَ خطرًا في حياةِ الأسرةِ من قضيةِ الطلاقِ الثلاثِ بلفظٍ واحدٍ، ويمنعُها ويمنعُ أغلب علماءِ الأُمَّةِ حاجزُ الخوفِ الذي تحدَّثْنا عنه، والإبقاءُ على بابِ الاجتهادِ مُوصَدًا أمامَ المهمومين بآلامِ هذه الأمَّةِ، مِمَّا يؤدِّي، أو كاد يؤدِّي إلى انسحابِ الشريعةِ من واقعِ الناسِ ومجتمعاتِهم، والانزواءِ بها في دوائرِ البحثِ والدَّرْسِ.
وقد تفطَّن بعضُ فُضَلاءِ المعاصرين إلى أنَّ إحجامَ الفقهاءِ عن الاجتهادِ سيترُكُ المجتمعاتِ الإسلاميةَ «للآخَرِ» يملؤها بما يشاءُ، وهو: «لونٌ مِن الوقوعِ في فصلِ الدِّينِ عن الحياةِ، أو فصلِ الحياةِ عن الدِّينِ، الذي نتنكَّرُ له كشِعارٍ، ثم نُمارسُه كواقعٍ».
السادة العلماء الأجلاء!
لابُدَّ من الاعترافِ بأنَّنا نعيشُ أزمة حقيقية يدفع المسلمون ثمنها غاليًا حيثما كانوا وأينما وجدوا، نتيجة الخوف والاحجام من التعامل مع الشريعة التي نصفها بأنها صالحة لكل زمان ومكان، لتقديم إجابات مناسبة لنوازل وواقعات مستجدة، وأيضًا نتيجة غياب الرؤية المقاصدية التي تشوِّش حتمًا على النظرة الاجتهادية، وتأخذ الفقيه بعيدًا عن الحادثة التي يبحث في محلها عن الحكم الشرعي المناسب، وأيضًا نتيجة الفتاوى المعلبةِ والمستوردةِ العابرةِ للدول والأقطار، ولا تراعي أحوال المجتمعات، ضاربة عرض الحائط باختلاف الأعراف والعادات والثقافات واللغات والأجناس، حتى صارت الفتوى الواحدة يُفتى بها للمسلم مهما اختلفت دياره وتنوَّعت أوطانه وتبدَّلت أحواله من حربٍ وسلامٍ وغنى وفقر وعلم وجهل، فهل يُعقَل أو يقبل أن يُفتَى للمسلم بفتوى واحدة في النوازل المتشابهة من حيث الشكل والمختلفة من حيث الواقعُ واحتمالاتُ الضرر والمصلحة في القاهرة ونيامي ومقديشو وجاكارتا ونيودلهي وموسكو وباريس وغيرها من الحواضر والبوادي في الشرق والغرب؟!
أمَّا فيما يتعلَّق بموضوع المؤتمر فإنِّي استسمحُ أخي سماحة مفتي الديار المصرية في أن أسجل رأيي في أن مصطلح الأقلياتِ المسلمة، في عنوان المؤتمر، هو مصطلح وافد على ثقافتنا الإسلامية وقد تحاشاه الأزهر في خطاباته وفيما صدر عنه من وثائق وبيانات، لأنه مصطلح يحمل في طياته بذور الإحساس بالعزلة والدونية، ويمهد الأرض لبذور الفتن والانشقاق، بل يصادر هذا المصطلح ابتداءً على أي أقلية كثيرًا من استحقاقاتها الدينية والمدنية، وفيما أعلم فإن ثقافتنا الإسلامية لا تعرف هذا المصطلح، بل تنكره وترفضه، وتعرف بدلًا منه معنى المواطنةِ الكاملةِ كما هو مقرَّر في وثيقة المدينة المنورة، لأنَّ المواطنةَ –في الإسلام- حقوق وواجبات ينعم في ظلالها الجميع، وفق أُسس ومعاييرَ تحقِّق العدل والمساواة: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، فالمواطن المسلم في بريطانيا مثلًا هو مواطن بريطاني مواطنة كاملة في الحقوق والواجبات، وكذلك المسيحيُّ المصري هو مواطن مصري مواطنة كاملة في الحقوق والواجبات، ولا محل مع هذه المواطنة الكاملة لأن يوصف أي منهما بالأقلية الموحية بالتمييز والاختلاف في معنى المواطنة.. وفي اعتقادي أن ترسيخ فقه المواطنة بين المسلمين في أوروبا، وغيرها من المجتمعات المُتعَدِّدة الهويات والثقافات - خطوةٌ ضرورية على طريق «الاندماج الإيجابي» الذي دعونا إليه في أكثرَ من عاصمة غربية، فهو الذي يحفظ سلامة الوطن وتماسكه، ويرسِّخ تأصيل الانتماء الذي هو أساس الوحدة في المجتمع، كما يَدْعم قبول التنوع الثقافي والتعايشِ السِّلْمي ويقضي على مشاعر الاغتراب التي تؤدِّي إلى تشتُّت الولاء الوطني، وتذبذب المغترب بين وطن يعيش على أرضه ويقتات من خيراته، وولاء آخر غريب يتوهمه ويحتمي به فرارًا من شعوره بأنه فرد في أقلية مُهَدَّدة، وفقهُ المواطنة إذا نجحنا في ترسيخه في عقول المسلمين وثقافاتهم هو السد المنيع أمام الذرائع الاستعمارية التي دأبت على توظيف الأقليات في الصراعات السياسية وأطماع الهيمنة والتوسُّع، وجعلت من مسألة «الأقليَّات» رأس حربة في التجزئة والتفتيت اللتين يعتمد عليهما الاستعمار الجديد.
أما تأهيل الأئمة للإفتاء فهو أمر بالغ الأهمية، وحسنًا ما صنعت دار الإفتاء المصرية حين انتبهت إلى أهميته وخطره، والحديث يطول في هذا الواجب المتعين، وقد كان للأزهر إسهام في تكوين الأئمة في الخارج وتوعيتهم بالقضايا التي تمس حاجات المسلمين هناك في أكثر من مجال، وتدرب في الدورات التي عقدتها المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بالقاهرة ثمانية وثلاثون وخمسمائة إمامًا من أفغانستان وباكستان وكردستان العراق والصين واندونيسيا وبريطانيا واليمن إضافة إلى دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية.
فحبَّذا لو حدثَ نوعٌ من التنسيقِ في هذا المجالِ مع المنظَّمةِ العالميَّةِ لخرِّيجي الأزهر حتى لا تبدءوا من فراغٍ.
الإخوة الأفاضل!
لقد أطلت عليكم ووجب الاعتذار والعذرُ عند خيار الناس مقبول.
شكرًا لحسن استماعكم.
والسَّلامُ عليكُم ورَحمة الله وبركاته..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.