الأدب الشعبى كان طاقة لهب للسوايسة الأبنودى ودنقل والعندليب أبطال «ولاد الأرض» رجل من الزمن الجميل, يرفض التخلى عن «الطاقية» التى تذكرك بعباس العقاد، وصلاح جاهين، وجيل العمالقة ..عندما تجلس إليه يأخذك إلي عالم آخر حاشد بالذكريات وحكايات البطولات، يتحدث عن الهزيمة بمنطق التحدى، ويتكلم عن النصر بلذة المستمتع.. عايش الحروب التى خاضتها مصر, بدءا من الحرب العالمية الثانية حتى نصر أكتوبر 1973، إنه الكابتن محمد احمد غزالى , البالغ من العمر 83 عاما, رائد الأدب الشعبى بالسويس، ومؤسس فرقة «ولاد الأرض» التى جابت شهرتها الآفاق مع نهاية عقد الستينيات وطوال عقد السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي, ومازال غزالي يقاوم بالكلمة واللحن مع المناضلين.. «فيتو» التقت به وكان هذا الحوار: ما دور الأدب الشعبى فى المقاومة ؟ -الأدب الشعبى دائما سباق فى التعبير عن ملامح حياة الناس، لأنه يلامس الواقع، ويسجل يوميات المواطنين بصدق وإخلاص شديدين ,بعيدا عن الزيف الحكومى، كما ان التاريخ النضالى الطويل لأهل السويس جعل من أدبها الشعبى طاقة لهب تشعل حماسة أبناء المدينة الباسلة، والشعب المصرى كله فى أوقات الشدائد والمحن. كيف عبر الأدب الشعبى فى السويس عن النكسة ؟ - فى عام 1967 فوجئنا بالهزيمة التى أراد العدو من خلالها أن يكسر كبرياء المصريين، لكننا رفضنا بشدة تقبل فكرة النكسة، شأننا شأن هذا الشعب المستعد دوما لتحمل الشدائد، وكنا جيلا رافض لتلك الهزيمة، وكنا ممتلئين بالحماسة، ولم نخف ولم نستسلم، وجميعنا قال لا، وبدأ الشعب السويسى يفكر فى سلاح تعويضى يقاوم به الاحتلال، وكان بالأدب الشعبى, بالقصص الحماسية، والمواويل، والشعر، والأمثال، وعلى رأس هذا كله تأتى الأغنية الشعبية، وأردنا من خلال تلك الفنون جميعها رفض الإذعان، لأننا كنا وصلنا إلى ذوة الحلم العربى مع عبد الناصر، ولم يكن من السهل التخلى عن ذلك كله ,وغنينا بعد النكسة مباشرة، ردا على إعلان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تنحيه عن السلطة، يومها غنت فرقة «ولاد الأرض» ماتقوليش ما تعدليش ..الحل واحد غيره ما فيش.. خلى ولادنا الجاية تعيش .. حرب الشعب شعب وجيش .. مجلس أمن ما ينفعنيش .. جمعية عامة ما تهمنيش.. الحل فى إيدى وغيره مافيش.. قوة أمريكا أمور بولوتيكا.. حلف أطلنطى ما يهزمنيش .. حرب الشعب شعب وجيش» ، فالأدب الشعبى كان سلاحا مهما جدا فى تلك المرحلة، والتاريخ يشهد بأن الأدب من أقوى الأسلحة فى المعارك الحربية، ولعل قصة نضال جيفارا، والثورة الفرنسية، تجارب تعبر عن مدى ارتباط الأدب الشعبى بالمعركة. هل ظل الأدب الشعبى فى السويس يقاوم بعد نصر أكتوبر 1973؟ - بعد النصر فى أكتوبر 1973 تحول الأدب الشعبى من مواجهة المحتل إلى مواجهة الأكاذيب الحكومية، وتناولنا بالشعر وغيره الرد على الأكاذيب التى يروجها التليفزيون الرسمى، والتى يجمل فيها النظام السياسى أيا كان، وغنينا « يا تليفزيون يا سيما .. يا إذاعة ياجزمة قديمة « . حدثنا عن تجربتك مع فرقة « ولاد الأرض» ؟ - أنشانا الفرقة فى أواخر عام 1967 فى اعقاب النكسة، وكنا نريد أن تصل رسالتنا الي رفض الهزيمة، وقد تحلق حول الفرقة عدد كبير من الأدباء والمثقفين من أبناء جيلنا، فكان عبد الرحمن الأبنودى، وأمل دنقل، وغيرهما كثيرون من الذين التفوا حول «ولاد الأرض» والفنان الكبير عبد الحليم حافظ دعمنا كثيرا، وهو الذى قدمنا للمحافل العامة فى القاهرة، وللإذاعة فيما بعد، وكان يرفض التوقيع على تعاقد إحياء حفل أضواء المدينة إلا إذا تأكد أن «ولاد الأرض» ستحيى معه الحفل. وما الذى قدمته « ولاد الأرض» للمقاومة ؟ - «ولاد الأرض» اختارت منذ نشأتها من الخندق النضالى شعارا لها، وكان الخندق هو نقطة انطلاقنا فى آفاق الأغنية نحو رفض الهزيمة والصمود والمقاومة،وعاشت الفرقة سنوات الاستنزاف بكل مراراتها وتبعات الهزيمة فى الموقع النضالى المتقدم عند المدخل الجنوبى لقناة السويس، وعلى نغمات أغانيها تحركت الطلائع الأولى للمجموعات الفدائية نحو الشرق فى التعامل مع العدو الصهيونى شرق القناة، وكان أفراد الفرقة يشاركون فى الأعمال الفدائية بالنهار، ويغنون كلمات تقطر حماسة وترفع الهمة والعزيمة فى المساء. ماهى أبرز المحطات التاريخية التى مرت عليك، وعاينت فيها روح المقاومة السويسية؟ - عايشت الحرب العالمية الثانية، وطوال عمر الشعب السويسى وهو يحيا فى الخطر، حتى المصانع التى يعملون بها مصانع خطرة،إن كانت بترول،أو مناجم أو محاجر أو غير ذلك، وفى الماضى بعد الحرب العالمية الثانية، كانت السويس، عبارة عن مجموعات من الأجانب، من يونانيين، وفرنسيين، وهنود، وكان الجيش الإنجليزى ينتشر فى كل الأماكن. وأتذكر أن العساكر الإنجليز كانوا يسيرون فى شوارع السويس، وكأن السويس مقاطعة إنجليزية، وفى زمن الاحتلال لم تكن هناك شخصية مصرية، لكن بعد ثورة 52 تسيدت الشخصية المصرية، ليس فى السويس فقط، ولكن فى كل ربوع الجمهورية، وفى الفترة الناصرية، كنا شبابا لا نعتقد أنه فى العالم كله يوجد بلد يكافئ بلدنا،وكان لدى اعتقاد راسخ أن العالم كله مختصر فى مصر « أم الدنيا»، وعندما حدثت النكسة فى 1967 ظل الشعب السويسى صامدا، ومؤمنا بالنصر، وحرب الاستنزاف فى اعتقادى الشخصى أفضل حرب خاضها الشعب المصرى، والقوات المسلحة، وقدمت السويس وشعبها ملحمة من التضحيات، وجاءت حرب أكتوبر، واستطاع الشعب السويسى أن يصد عن مصر هجوم القوات الإسرائيلية بقيادة شارون، فى الثغرة، ثم جاءت فترة السادات، وانتفض الشعب السويسى مع المصريين جميعا فى انتفاضة الخبز، التى أطلق عليها السادات فيما بعد «انتفاضة الحرامية» وهى ثورة نتمنى أن تعود الروح التى كان الشعب عليها فى حينها، لأن الشعب انتفض من أجل «تعريفة» زيادة فى الأسعار، وبعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل ناصب السادات العداء لأهالى السويس لموقفهم الرافض للاتفاقية، وتوقفت مشاريع التنمية فى المدينة، بينما اهتم السادات بمدينتي الإسماعيلية، وبورسعيد على خط القنال، وبعد السادات جاء مبارك، وكان نقمة على أهل السويس، فزادت البطالة فى عهده، رغم ازدياد عدد المصانع والشركات , فقد كان أصحاب تلك الشركات يتجاهلون أهالى السويس، ويعتمدون على أبناء دوائرهم، فزادت البطالة بين الشباب السويسى, وزاد الحقد على مبارك والنظام من شعب السويس. لماذا يتعلق السوايسة بذكرى يوليو 1952، وأكتوبر 1973؟ - لأن الدم المدفوع غال جدا ، فقبل 52 قدمت السويس ملحمة من البطولات فى مواجهة الإنجليز، وقبل حرب أكتوبر وبعدها قدمت السويس الكثير من التضحيات من أجل استكمال النصر. هل شاركت فى حرب فلسطين عام 1948 ؟ - فى 48 ذهبت مع أهل السويس للمشاركة فى الحرب بدعوى الدفاع عن فلسطين، ولم يكن هناك جيش، بل كنا مجموعات من الفدائيين المقاتلين، بلا تنظيم أو خطة للحرب. وما دور الإخوان المسلمين فى تلك الحرب؟ - كان دور من شارك منهم كدور أى فصيل آخر من فصائل المقاومة الشعبية التى شاركت فى تلك الحرب، وهم لم يصبحوا شيئا إلا بعد ثورة 25 يناير، أما قبلها فلم يكونوا غير جماعة لها نشاط اجتماعى، وكان أهالى السويس فى هذه الفترة يطلقون عليهم «ناس طيبين». ولماذا تغير الإخوان المسلمون ؟ - التغيير طرأ عليهم لدخولهم فى مواجهة مع العالم الخارجى، دون ان يكونوا على دراية كاملة بحجم هذا العالم، وسبب ارتباكهم أنهم يحاولون كسب الخارج والداخل فى وقت واحد، وقد تغير فكر الجماعة للأفضل، ولكن النتائج للأسوأ. مر عليك حتى الآن خمسة رؤساء للجمهورية.. من أفضلهم؟ - لا زعيم سوى عبد الناصر، ولن يأتى رئيس جمهورية يكافئه، والسادات خلص على مصر، ونجح فى تزييف الوجدان المصرى بالتاريخ، واستطاع أن يقنع الأجيال الشابة بوهم بطولاته العظيمة، أما مبارك فضيع البلد، والاثنان كانا عملاء للخارج سواء أمريكا او أوروبا، أما الدكتور محمد مرسى فالنتائج حتى الآن سيئة.