الحكومة اللاتفية رفضت خفض قيمة عملتها وقلصت نفقات القطاع العام تعويم العملة المحلية.. لم تلجأ إليه دول كثيرة تعرضت لأزمات اقتصادية كالتي تتعرض لها مصر أبرزها لاتفيا التي قدمت نموذجا يحتذى في إدارة أزمتها الاقتصادية.. ولكن هناك دولًا أخرى لجأت إلى التعويم ولم تجن سوى الفشل.. نتعرف عليها في التقرير التالي.. العراق وافق العراق خلال العام الجارى على إجراءات سبق أن طلبها صندوق النقد الدولى في مقابل الحصول على قرض قيمته 13 مليار دولار بفائدة 1.5%، كان على رأسها تسديد كل المتأخرات المستحقة لشركات النفط الأجنبية العاملة هناك بنهاية العام 2016 لتسليمهم قرض قيمته 5.4 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات. لجأ العراق للاقتراض لسداد الديون من أجل الامتثال لشروط الصندوق وهو ما ترتب عليه حدوث أزمة سيولة حادة ودمار شبه كامل للاقتصاد، وخاصة في إطار تراجع أسعار النفط وخسائر الحرب الدائرة هناك مع تنظيم "داعش" الإرهابي. وفق ما سبق وأن صرح به صالح مظهر، المستشار المالى لرئيس الوزراء العراقى فإن ديون الدولة الخارجية تبلغ 15 مليار دولار، وهى الآن تسعى لتأجيل تسديدها لحين الحصول على قرض صندوق النقد الذي اشترط رفع الدعم الحكومى عن أسعار الوقود والخدمات، وإعادة صياغة بنود وإجراءات مناقلة في الموازنة العامة لتقليل الإنفاق الحكومى وزيادة في الضرائب وفى رسوم الكهرباء وتحسين مستوى الرقابة المصرفية لمحاربة الفساد وغسل الأموال. ورغم حصول العراق على قرض من الصندوق عام 2015 بقيمة 1.9 مليار دولار، إلا أنه لا يزال يسعى الآن للحصول على قرض آخر بشروط أكثر قسوة مع ازدياد تدهور الوضع الاقتصادى وتراكم الديون وتزايد التساؤلات حول مدى مقدرته على تسديد هذه الديون. العراق لم يقف وحده في طابور المتضررين من "دولارات النقد الدولي"، فهناك الأرجنتين التي يعتبرها كثيرون بمثابة الفشل الأكبر لقرض صندوق النقد الذي دفع بحكومتها لتطبيق شروط شديدة القسوة قبل تسلم الأموال، تضمنت ترشيد النفقات وخصخصة الكثير من الأصول ورفع الرسوم والضرائب وهو ما نتج عنه استمرار انخفض عملة الأرجنتين لأدنى مستوياتها على الإطلاق وانخفاض ناتجها المحلى وتراجع نسب العمالة مع ارتفاع نسب البطالة وهو ما ادى لاضطرابات واحتجاجات شعبية رفضا لتدهور الظروف المعيشية وتكريث الدولة والمواطنين لسداد الدين الذي بلغت قيمته 128 مليار دولار. كما اضطرت حكومة الأرجنتين في نوفمبر عام 2001 إلى تجميد أرصدة ملايين المواطنين في البنوك التزاما بإجراءات التقشف التي طالب بها صندوق النقد وهو ما واجهه الشعب بالتظاهر الذي تطور لمواجهات بين المواطنين والشرطة ومن ثم سقوط جرحى وقتلى الأمر الذي أعقبه فرار الرئيس "فيرناندو دى لا روا" من مبنى الحكومة وإعلانه استقالته. في المقابل جاءت ماليزيا لتحتل رأس قائمة الدول التي رفضت مساعدة صندوق النقد الدولى وقت احتدام الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 والتي دفعت بدول مثل تايلاند وإندونيسيا لقبول مساعدات من صندوق النقد ومن البنك الدولي، ما أجبرها على تنفيذ إصلاحات قاسية، في حين ابتعدت ماليزيا عن الاختناق بها برفض الدعم. ساعد رفض ماليزيا لمساعدة صندوق النقد الدولى على تفاديها وصول الأوضاع الاقتصادية للأسوأ وبحلول عام 1998 كان الاقتصاد الماليزى بدأ يتعافى بنسبة 6.1% على عكس اقتصاد تايلاند الذي تقلص بنسبة 10.5% في العام ذاته ثم ارتد لتحقيق نمو قدره 4.4% في العام التالى في حين انكمش الاقتصاد الإندونيسى بنسبة 13.1% عام 1998 وعاد لينمو بنسبة ضئيلة جدا قدرها 0.8% عام 1999. وتعتبر تجربة "لاتفيا" تجربة مشابهة للهروب من فخ قروض صندوق النقد الدولى بعدما تعرضت لأزمة اقتصادية عام 2009 تسببت في توجيه ضربة حادة لناتجها المحلى محققا نسبة انخفاض بلغت 25% وارتفعت البطالة بنسبة 23% وبلغ عجز الموازنة 13% وزادت نسبة النفقات مقارنة بالعائدات مما تسبب في خفض الرواتب بالقطاع العام وضعف تحصيل الضرائب ونقص التصدير وتراجع الإنتاج المحلي. وفى مقابل طلبات المؤسسات الدولية الداعمية للحكومة في لاتفيا بخفض قيمة العملة ورفع الضرائب، رفضت الدولة تطبيق تلك الإجراءات القاسية واختارت عدم خفض قيمة العملة كما حافظت على معدلات الضرائب الثابتة ووفرت الدعم للفقراء، وركزت في المقابل على خفض نفقات القطاع العام وجعل الخدمة أصغر حجمًا وأكثر كفاءة محددة -في بداية 2009- هدفين رئيسيين لبرنامج الإصلاح، هما ثبات سعر صرف العملة المحلية، وخفض عجز الموازنة عند أقل من 3٪ خلال 3 سنوات. كما لجأت الحكومة لتخفيض الرواتب ومزايا الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة، وخفض نحو ثلث عدد وظائف الخدمة العامة، وانخفضت النفقات العامة نحو 0.01 من الناتج المحلى في عام واحد، وأدى ذلك لزيادة جودة الأعمال المقدمة من الدولة فكسبت تأييد الشعب لمزيد من الإصلاحات، ودعم البنك الدولى برامج إعادة التأهيل التي تبنتها الحكومة لمن فقدوا وظائفهم، واستجاب اقتصاد لاتفيا لأزمة ميزان المدفوعات بالحفاظ على ربط العملة، وتخفيض قيمة العملة داخليًا وتوحيدها، وخلال سنة بعد الأزمة عاد النمو الاقتصادى، من جديد وبدلا من أن كانت الميزانية تعانى عجزا بقيمة 27٪ في أواخر 2006، أصبح لديها فائض في أوائل 2010. وفى يونيو 2012 أشاد صندوق النقد بإنجازات لاتفيا، وذهب تصنيف النظرة المستقبلية للبلاد من سلبى إلى مستقر، وانضمت لاتفيا في 2014 إلى منطقة اليورو دون أن تضطر للخضوع لشروط صندوق النقد القاسية التي تسببت من قبل في تدمير اقتصادات عالمية أخرى.